أحـــــلى مـــنـــتـــديـــات أمـــيـــن عـــبـــلــــة الــــحـــب
قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 613623
كلام عن الحب
إن الإنسان قبـل الحب شيء وعنـد الحب كل شيء وبعـد الحب لا شيء"
أكبر متعة في الحب تجد نفسك محبوبا عند الناس
"

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 829894
المدير المنتدى
شكراً لتسجيلك في
أحلى منتديات أمين عبلة الحب
نحن سعداء جدا لاختيارك بأن تكون واحداً من أسرتنا و نتمنى لك الاستمتاع بالإقامة معنا، تفيد وتستفيد ونأمل منك التواصل بإستمرار.
مع أطيب الأمنيات,
إدارة المدير.
أحـــــلى مـــنـــتـــديـــات أمـــيـــن عـــبـــلــــة الــــحـــب
قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 613623
كلام عن الحب
إن الإنسان قبـل الحب شيء وعنـد الحب كل شيء وبعـد الحب لا شيء"
أكبر متعة في الحب تجد نفسك محبوبا عند الناس
"

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 829894
المدير المنتدى
شكراً لتسجيلك في
أحلى منتديات أمين عبلة الحب
نحن سعداء جدا لاختيارك بأن تكون واحداً من أسرتنا و نتمنى لك الاستمتاع بالإقامة معنا، تفيد وتستفيد ونأمل منك التواصل بإستمرار.
مع أطيب الأمنيات,
إدارة المدير.
أحـــــلى مـــنـــتـــديـــات أمـــيـــن عـــبـــلــــة الــــحـــب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أكـــــبر مـــــــــــــتعة في الـــــــــــحب تجـــــــــد نفـــــــسك محبــــوبا عنــــــد النــــــاس
 
الرئيسيةالبوابة**أحدث الصورالتسجيلدخول
تمنادى الحب عندما يأتى الليل ، ويغلق الناس أبواب بيوتهم بإحكام يخرج من قلب الظلمة مناد يقول : - هل كل هذه البيوت تنام على الحب ؟ ! ويظل يردد السؤال ، الذى لا يجيب عليه أحد ، حتى تظهر أول خيوط الفجر !

 

 قصَصُ الأنبيَاء

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالخميس يناير 10, 2013 11:34 pm

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء

اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي


قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

باب ما ورد في خلق آدم عليه السلام

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قال الله تعالى : " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون * وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين * وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين * فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم * قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "

وقال تعالى : " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " وقال تعالى : " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا "

كما قال : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير "

وقال تعالى : " هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها "

وقال تعالى : " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين * قال أنظرني إلى يوم يبعثون * قال إنك من المنظرين * قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين * قال اخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين * ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين * فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين * قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين * قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين * قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون "

كما قال في الآية الأخرى : " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " وقال تعالى : " ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون * والجان خلقناه من قبل من نار السموم * وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين * قال يا إبليس ما لك أن لا تكون مع الساجدين * قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال هذا صراط علي مستقيم * إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين * وإن جهنم لموعدهم أجمعين * لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم "

وقال تعالى : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا * قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا * قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا * واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا " وقال تعالى : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا " وقال تعالى : " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى * فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى * إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى * فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى * فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى * قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى " وقال تعالى : " قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون * ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون * إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين * إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين * قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين * قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين * قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين * إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين "

فهذا ذكر هذه القصة من مواضع متفرقة من القرآن ، وقد تكلمنا على ذلك كله في التفسير ، ولنذكر هاهنا مضمون ما دلت عليه هذه الآيات الكريمات ، وما يتعلق بها من الأحاديث الواردة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله المستعان

فأخبر تعالى أنه خاطب الملائكة قائلاً لهم : " إني جاعل في الأرض خليفة " أعلم بما يريد أن يخلق من آدم وذريته الذين يخلف بعضهم بعضاً كما قال : " وهو الذي جعلكم خلائف الأرض " وقال تعالى : " ويجعلكم خلفاء الأرض " فأخبرهم بذلك على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته ، كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه ، فقالت الملائكة سائلين على وجه الإستكشاف والإستعلام عن وجه الحكمة ، لا على وجه الإعتراض والتنقص لبني آدم والحسد لهم ، كما قد يتوهمه بعض جهلة المفسرين ، قالوا : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء "

وقيل علموا أن ذلك كائن بما رأوا ممن كان قبل آدم من الجن والبن ، قاله قتادة

وقال عبد الله بن عمر : كانت الجن قبل آدم بألفي عام فسفكوا الدماء ، فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور

وعن ابن عباس نحوه وعن الحسن ألهموا ذلك

وقيل : لما أطلعوا عليه من اللوح المحفوظ ، فقيل أطلعهم عليه هاروت وماروت عن ملك فوقهما يقال له السجل رواه ابن أبي حاتم عن أبي جعفر الباقر

وقيل : لأنهم علموا أن الأرض لا يخلق منها إلا من يكون بهذه المثابة غالباً

" ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " أي نعبدك دائماً لا يعصيك منا أحد ، فإن كان المراد بخلق هؤلاء أن يعبدوك فها نحن أولاء لا نفتر ليلاً ولا نهاراً

" قال إني أعلم ما لا تعلمون " أي أعلم من المصلحة الراجحة في خلق خلق هؤلاء ما لا تعلمون ، أي سيوجد منهم الأنبياء والمرسلون والصديقون والشهداء الصالحون

ثم بين لهم شرف آدم عليهم في العلم فقال : " وعلم آدم الأسماء كلها " قال ابن عباس : هي هذه الأسماء لا يتعارف بها الناس : إنسان ، ودابة ، وأرض ، وسهل ، وبحر ، وجبل ، وجمل ، وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها

وقال مجاهد : علمه اسم الصحفة ، والقدر ، حتي الفسوة والفسية

وقال مجاهد : علمه اسم كل دابة ، وكل طير وكل شيء وكذا قال سعيد بن جبير وقتادة وغير واحد

وقال الربيع : علمه أسماء الملائكة وقال عبد الرحمن بن زيد : علمه أسماء ذريته

والصحيح : أنه علمه أسماء الذوات وأفعالها مكبرها ومصغرها ، كما أشار إليه ابن عباس رضي الله عنهما

وذكر البخاري هنا ما رواه هو و مسلم من طريق سعيد وهشام ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يجمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا ، فيأتون آدم فيقولون أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء " وذكر تمام الحديث

" ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " قال الحسن البصري : لما أراد الله خلق آدم ، قالت الملائكة : لا يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه فابتلوا بهذا ، وذلك قوله : " إن كنتم صادقين "

وقيل غير ذلك كما بسطناه في التفسير

قالوا : " سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " أي سبحانك أن يحيط أحد بشيء من علمك من غير تعليمك ، كما قال : " ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء "

" قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " أي أعلم السر كما أعلم العلانية

وقيل : إن المراد بقوله : " أعلم ما تبدون " ما قالوا : " أتجعل فيها من يفسد فيها " وبقوله : " وما كنتم تكتمون " المراد بهذا الكلام إبليس حين أسر الكبر والنفاسة على آدم عليه السلام ، قاله سعيد بن جبير ومجاهد والسدي والضحاك والثوري واختاره ابن جرير

وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة : " وما كنتم تكتمون " قولهم : لن يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه

وقوله : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر " هذا إكرام عظيم من الله تعالى لآدم حين خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، كما قال : " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " فهذه أربع تشريفات : خلقه بيده الكريمة ، ونفخه من روحه ، وأمر الملائكة بالسجود له ، وتعلميه أسماء الأشياء

ولهذا قال له موسى حين اجتمع هو وإياه في الملأ الأعلى وتناظرا كما سيأتي : " أنت آدم أبو البشر الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء " وهكذا يقول له أهل المحشر يوم القيامة كما تقدم ، وكما سيأتي إن شاء الله تعالى

وقال في الآية الأخرى : " لقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين "

قال الحسن البصري : قال إبليس ، وهو أول من قاس وقال محمد بن سيرين : أول من قاس إبليس ، وما عبدت الشمس ولا القمر إلا بالمقاييس ، رواهما ابن جرير

ومعنى هذا أنه نظر نفسه بطريق المقايسة بينه وبين آدم فرأى نفسه أشرف من آدم فامتنع من السجود له ، مع وجود الأمر له ولسائر الملائكة بالسجود والقياس إذا كان مقابلاً بالنص كان فاسد الإعتبار ، ثم هو فاسد في نفسه ، فإن الطين أنفع وخير من النار ، لأن الطين فيه الرزانة والحلم والأناة والنمو ، والنار فيها الطيش والخفة والسرعة والإحراق

ثم إن آدم شرفه الله بخلقه له بيده ونفخه فيه من روحه ، ولهذا أمر الملائكة بالسجود له ، كما قال : " وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين * قال يا إبليس ما لك أن لا تكون مع الساجدين * قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين " استحق هذا من الله تعالى لأنه استلزم تنقصه لآدم وازدارءه به وترفعه عليه مخالفة الأمر الإلهي ومعاندة الحق في النص على آدم على التعيين

وشرع في الإعتذار بما لا يجدي عنه شيئاً ، وكان اعتذاره أشد من ذنبه كما قال تعالى في سورة سبحان : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا * قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا * قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا * واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا "

وقال في سورة الكهف : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني " أي خرج عن طاعة الله عمداً وعناداً وإستكباراً عن امتثال أمره ، وما ذاك إلا لأنه خانه طبعه ومادته الخبيثة أحوج ما كان إليه ، فإن مخلوق من نار كما قال ، وكما جاء في صحيح مسلم عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خلقت الملائكة من نور ، وخلقت الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم "

قال الحسن البصري : لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين قط وقال شهر بن حوشب : كان من الجن ، فلما أفسدوا في الأرض بعث الله إليه جنداً من الملائكة فقتلوهم وأجلوهم إلى جزائر البحار ، وكان إبليس ممن أسر فأخذوه معهم إلى السماء فكان هناك ، فلما أمرت الملائكة بالسجود امتنع إبليس منه

قال ابن مسعود وابن عباس وجماعة من الصحابة وسعيد بن المسيب وآخرون : كان إبليس رئيس الملائكة بالسماء الدنيا قال ابن عباس : وكان اسمه عزازيل ، وفي رواية عنه : الحارث قال النقاش : وكنيته أبو كردوس قال ابن عباس : وكان من حي من الملائكة يقال لهم الجن ، وكانوا خزان الجنان ، وكان من أشرفهم ومن أكثرهم علماً وعبادة وكان من أولى الأجنحة الأربعة فمسخه الله شيطاناً رجيماً

وقال في سورة ص : " إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين * قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين * قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين "

وقال في سورة الأعراف : " قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين " أي بسبب إغوائك إياي لأقعدن لهم كل مرصد ، ولآتينهم من كل جهة منهم ، فالسعيد من خالفه والشقي من اتبعه

وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا أبو عقيل - هو عبد الله بن عقيل الثقفي - حدثنا موسى بن المسيب ، وعن سالم بن أبي الجعد ، عن سبرة بن أبي الفاكه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه " وذكر الحديث

وقد اختلف المفسرون في الملائكة المأمورين بالسجود لآدم

أهم جميع الملائكة كما دل عليه عموم الآيات ؟ وهو قول الجمهور

أو المراد بهم ملائكة الأرض ، كما رواه ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس ؟ وفيه انقطاع وفي السياق نكارة ، وإن كان بعض المتأخرين قد رجحه

ولكن الأظهر من السياقات الأولى ، ويدل عليه الحديث : " وأسجد له ملائكته " وهذا عموم أيضاً والله أعلم

وقوله تعالى لإبليس : " اهبط منها " و " اخرج منها " دليل على أنه كان في السماء فأمر بالهبوط منها ، والخروج من المنزلة والمكانة التي كان قد نالها بعبادته ، وتشبهه بالملائكة في الطاعة والعبادة ، ثم سلب ذلك بكبره وحسده ومخالفته لربه ، فأهبط إلى الأرض مذءوماً مدحوراً

وأمر الله آدم عليه السلام أن يسكن هو وزوجته الجنة فقال : " وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين وقال في الأعراف : " قال اخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين * ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين "

وقال تعالى : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى * فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى * إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى* وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى "

وسياق هذه الآيات يقتضي أن خلق حواء كان قبل دخول آدم إلى الجنة لقوله : " ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة " وهذا قد صرح به إسحاق بن يسار ، وهو ظاهر هذه الآيات

ولكن حكى السدي عن أبي صالح وأبي مالك ، وعن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة أنهم قالوا : أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة ، فكان يمشي فيها وحشي ليس له فيها زوج يسكن إليها ، فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه فسألها : ما أنت ؟ قالت : امرأة قال : ولم خلقت ؟ قالت : لتسكن إلي فقالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه : ما اسمها يا آدم ؟ قال : حواء ، قالوا : ولم كانت حواء ؟ قال : لأنها خلقت من شيء حي

وذكر محمد بن إسحاق ، عن ابن عباس : أنها خلقت من ضلعه الأقصر الأيسر وهو نائم ولأم مكانه لحماً

ومصداق هذا في قوله تعالى : " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء " الآية وفي قوله تعالى : " هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به " الآية ، وسنتكلم عليها فيما بعد إن شاء الله تعالى

وفي الصحيحين من حديث زائدة ، عن ميسرة الأشجعي عن أبي حازم ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " استوصوا بالنساء خيراً ، فإن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهب تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً " هذا لفظ البخاري

وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى : " ولا تقربا هذه الشجرة " فقيل : هي الكرم ، وروى عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والشعبي وجعدة بن هبيرة ، ومحمد بن قيس ، والسدي في رواية عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وناس من الصحابة ، قال : وتزعم يهود أنها الحنطة ، وهذا مروى عن ابن عباس والحسن والبصري ، ووهب بن منبه ، وعيطة العوفي ، وأبي مالك ، ومحارب بن دثار ، وعبدالرحمن بن أبي ليلى

وقال وهب : والحبة منه ألين من الزبد وأحلى من العسل

وقال الثوري عن أبي حصين ، عن أبي مالك : " ولا تقربا هذه الشجرة " هي النخلة وقال ابن جريج عن مجاهد : هي التينة ، وبه قال قتادة ، وابن جريج ، وقال أبو العالية : كانت شجرة من أكل منها أحدث ولا ينبغي في الجنة حدث

وهذا الخلاف قريب ، وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها ، ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا ، كما في غيرها من المحال التي تبهم في القرآن

وإنما الخلاف الذي ذكروه في أن هذه الجنة التي أدخلها آدم : هل هي في السماء أو في الأرض ، هو الخلاف الذي ينبغي فصله والخروج منه

والجمهور على أنها هي التي في السماء ، وهي جنة المأوى ، لظاهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى : " وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة " والألف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي ، وإنما تعود على معهد ذهني ، وهو مستقر شرعاً من جنة المأوي وكقوله موسى عليه السلام لآدم عليه السلام : " علام أخرجتنا ونفسك من الجنة " ؟ الحديث كما سيأتي الكلام عليه

وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشجعي - اسمه سعد بن طارق - عن أبي حازم سلمة بن دينار ، عن أبي هريرة ، وأبو مالك عن ربعي ، عن حذيفة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون : يا أبانا استفتح لنا الجنة ، فيقول : وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم " ؟ وذكر الحديث بطوله

هذا فيه قوة جيدة ظاهرة في الدلالة على أنها جنة المأوى ، وليس تخلو عن نظر

وقال آخرون : بل الجنة التي أسكنها آدم لم تكن جنة الخلد ، لأنه كلف فيها ألا يأكل من تلك الشجرة ، ولأنه نام فيها وأخرج منها ودخل عليه إبليس فيها ، وهذا مما ينافي أن تكون جنة المأوى

وهذا القول محكي عن أبي بن كعب ، وعبد الله بن عباس ، ووهب بن منبه ، وسفيان بن عيينة ، واختاره ابن قتيبة في ( المعارف ) والقاضي بن منذر بن سعيد البلوطي في تفسيره ، وأفرد له مصنفاً على حدة ، وحكاه عن أبي حنيفة الإمام وأصحابه رحمهم الله ، ونقله أبو عبد الله محمد ابن عمر الرازي بن خطيب الري في تفسيره عن أبي القاسم البلخي ، وأبي مسلم الأصبهاني ، ونقله القرطبي في تفسيره عن المعتزلة والقدرية

وهذا القول هو نص التوراة التي بأيدي أهل الكتاب وممن حكى الخلاف في هذه المسألة أبو محمد بن حزم في ( الملل والنحل ) وأبو محمد بن عطية في تفسيره وأبو عيسى في الرماني في تفسيره ، وحكى عن الجمهور الأول ، وأبو القاسم الراغب ، والقاضي الماوردي في تفسيره فقال : واختلف في الجنة التي أسكناها - يعني آدم وحواء - على قولين : أحدهما : أنها جنة الجلد والثاني : أنها جنة أعدها الله لهما وجعلها دار إبتلاء ، وليست جنة الخلد التي جعلها دار جزاء

ومن قال بهذا اختلفوا على قولين : أحدهما : أنها في السماء لأنه أهبطهما منها ، وهذا قول الحسن ، والثاني أنها في الأرض لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار ، وهذا قول ابن يحيى ، وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم والله أعلم بالصواب من ذلك

هذا كلامه فقد تضمن كلامه حكاية أقوال ثلاثة ، وأشعر كلامه أنه متوقف في المسألة ولهذا حكى أبو عبد الله الرازي في تفسيره في هذه المسألة أربعة أقوال : هذه الثلاثة التي أوردها المارودي ، ورابعها : الوقف وحكى القول بأنها في السماء وليست جنة المأوي ، عن أبي علي الجبائي

وقد أورد أصحاب القول الثاني سؤالاً يحتاج مثله إلى جواب ، فقالوا : لا شك أن الله سبحانه وتعالى طرد إبليس حين امتنع من السجود عن الحضرة الإلهية ، وأمره بالخروج عنها والهبوط منها وهذا الأمر ليس من الأوامر الشرعية بحيث يمكن مخالفته ، وإنما هو أمر قدري لا يخالف ولا يمانع ، ولهذا قال : " اخرج منها مذؤوما مدحورا " وقال : " اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها " وقال " اخرج منها فإنك رجيم " والضمير عائد إلى الجنة أو السماء أو المنزلة ، وأياً ما كان فمعلوم أنه ليس له الكون قدراً في المكان الذي طرد منه وأبعد منه ، لا على سبيل الإستقرار ولا على سبيل المرور والإجتياز

قالوا : ومعلوم من ظاهر سياقات القرآن أنه وسوس لآدم وخاطبه بقوله له : " هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى " وبقوله : " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين * فدلاهما بغرور " الآية

وهذا ظاهر في اجتماعه معهما في جنتهما

وقد اجيبوا عن هذا بأنه لا يمتنع أن يجتمع بهما في الجنة على سبيل المرور فيها ، لا على سبيل الإستقرار بها ، وأنه وسوس لهما وهو على باب الجنة أو من تحت السماء وفي الثلاثة نظر والله أعلم

ومما احتج به أصحاب هذه المقالة : ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في الزيادات ، عن هدبة ابن خالد ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن البصري ، عين يحيى بن ضمرة السعدي ، عن أبي بن كعب ، قال : إن آدم لما احتضر اشتهى قطفاً من عنب الجنة ، فانطلق بنوه ليطلبوه له ، فلقيتهم الملائكة فقالوا : أين تريدون يا بني آدم ؟ فقالوا : إن أبانا اشتهى قطفاً من عنب الجنة فقالوا لهم : ارجعوا فقد كفيتموه فانتهوا إليه فقبضت روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلى عليه جبريل ومن خلفه الملائكة ودفنوه ، وقالوا : هذه سنتكم في موتاكم

وسيأتي الحديث بسنده ، وتمام لفظه عند ذكر وفاء آدم عليه السلام

قالوا : فلولا أنه كان الوصول إلى الجنة التي كان فيها آدم التي اشتهى منها القطف ممكناً ، لما ذهبوا يطلبون ذلك ، فدل على أنها في الأرض لا في السماء والله تعالى أعلم

قالوا : والإحتجاج بأن الألف واللام في قوله : " ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة " لم يتقدم عهد يعود عليه فهو المعهود الذهني مسلم ، ولكن هو ما دل عليه سياق الكلام ، فإن آدم خلق من الأرض ولم ينقل أنه رفع إلى السماء ، وخلق ليكون في الأرض ، وبهذا أعلم الرب الملائكة حيث قال : " إني جاعل في الأرض خليفة "

قالوا : وهذا كقوله تعالى : " إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة " فالألف واللام ليس للعموم ، ولم يتقدم معهود لفظي ، وإنما هو للمعهود الذهني الذي دل عليه السياق وهو البستان

قالوا : وذكر الهبوط لا يدل على النزول من السماء ، قال الله تعالى : " قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك " وإنما كان في السفينة حتى استقرت على الجودي ونضب الماء على وجه الأرض أمر أن يهبط إليه هو ومن معه مباركاً عليه وعليهم

وقال الله تعالى : " اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم " الآية وقال تعالى : " وإن منها لما يهبط من خشية الله " الآية وفي الأحاديث واللغة من هذا كثير

قالوا : ولا مانع - بل هو الواقع - أن الجنة التي أسكنها آدم كانت مرتفعة عن سائر بقاع الأرض ، ذات أشجار وثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور ، كما قال تعالى : " إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى " أي لا يذل باطنك بالجوع ولا ظاهرك بالعري " وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى " أي لا يمس باطنك حر الظمأ ولا ظاهرك حر الشمس ، ولهذا قرن هذا وهذا ، وبين هذا وهذا ، لما بينهما من الملاءمة

فلما كان منه ما كان من أكله من الشجر التي نهي عنها ، أهبط إلى أرض الشقاء والتعب ، والنصب والكدر ، والسعي والنكد ، والإبتلاء والإختبار والإمتحان ، واختلاف السكان ديناً وأخلاقاً وأعمالاً ، وقصوداً وإرادات وأقولاً وأفعالاً ، كما قال تعالى : " ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين "

ولا يلزم من هذا أنهم كانوا في السماء كما قال : " وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا " ، ومعلوم أنهم كانوا فيها ولم يكونوا في السماء

قالوا : وليس هذا القول مفرعاً على قول من ينكر وجود الجنة والنار اليوم ، ولا تلازم بينهما ، فكل من حكى عنه هذا القول من السلف وأكثر الخلف ، ممن يثبت وجود الجنة والنار اليوم ، كما دلت عليه الآيات والأحاديث الصحاح والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب


قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كاتب الموضوعرسالة
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà




المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 2:24 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

ذكر قصره في الجنة

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي ومحمد بن
موسى القطان قالا : حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حماد بن سلمة ، عن سماك عن
عكرمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في
الجنة قصراً - أحسبه قال من لؤلؤة - ليس في فصم ولا وهي أعده الله لخليله
إبراهيم عليه السلام نزلاً " قال البزار : وحدثنا أحمد بن جميل المروزي ،
حدثنا النضر بن شميل : حدثنا حماد بن سلمة ، عن سماك عن عكرمة ، عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه

ثم قال : وهذا الحديث لا نعلم من رواه عن حماد بن سلمة فأسنده إلا يزيد بن هارون والنضير بن شميل ، وغيرهما يرويه موقوفاً

قلت : لولا هذه العلة لكان على شرط الصحيح ، ولم يخرجوه

ذكر صفة إبراهيم عليه السلام

قال الإمام أحمد : حدثنا يونس وحجين قالا : حدثنا الليث ، عن أبي الزبير ،
عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عرض على الأنبياء ،
فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى بن مريم فإذا
أقرب من رأيت شبهاً عروة ابن مسعود ، ورأيت إبراهيم فإذا أقرب من رأيت به
شبهاً دحية "

تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه وبهذا اللفظ

وقال أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا إسرائيل ، عن عثمان - يعني ابن
المغيرة - عن مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
رأيت عيسى ابن مريم وموسى وإبراهيم ، فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر ،
وأما موسى فآدم جسيم " قالوا له : فإبراهيم ؟ قال : انظروا إلى صاحبكم
يعني نفسه

وقال البخاري : حدثنا بيان بن عمرو ، حدثنا النضر ، أخبرنا ابن عون ، عن
مجاهد ، أنه سمع ابن عباس ، وذكروا له الدجال وأنه مكتوب بين عينيه كافر
أو ك ف ر فقال : لم أسمعه ، ولكنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : " أما
إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم ، وأما موسى فجعد آدم على جمل أحمر مخطوم بخلبة
كأني انظر إليه انحد في الوادي "

ورواه البخاري أيضاً و مسلم ، عن محمد بن المثنى ، عن ابن أبي عدي ، عن
عبد الله بن عون به وهكذا رواه البخاري أيضاً في كتاب الحج وفي
اللباس و مسلم ، جميعاً عن محمد بن المثنى عن ابن أبي عدي ، عن عبد الله
بن عون به


قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà




المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 2:26 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

ذكر وفاة إبراهيم الخليل وما قيل في عمره

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

ذكر ابن جرير في تاريخه : أن مولده كان في زمن النمرود بن كنعان ، وهو -
فيما قيل - الضحاك الملك المشهور ، الذي يقال إنه ملك ألف سنة ، وكان في
غاية الغشم والظلم

وذكر بعضهم أنه من بني راسب الذي بعث إليهم نوح عليه السلام ، وأنه كان إذ
ذاك ملك الدنيا ، وذكروا أنه طلع نجم أخفى ضوء الشمس والقمر ، فهلك ذلك أهل
ذلك الزمان ، وفزع النمرود فجمع الكهنة والمنجمين وسألهم عن ذلك ، فقالوا :
يولد مولود في رعيتك يكون زوال ملكك على يديه ، فأمر عند ذلك بمنع الرجال
عن النساء ، وأن يقتل المولودون من ذلك الحين ، فكان مولد إبراهيم الخليل
في ذلك الحين ، فحماه الله عز وجل وصانه من كيد الفجار ، وشب شباباً باهراً
، وأنبته الله نباتاً حسناً ، حتى كان من أمره ما تقدم

وكام مولده بالسوس وقيل ببابل وقيل بالسواد من ناحية كوثي وتقدم عن
ابن عباس أنه ولد ببرزة شرقي دمشق فلما أهلك الله نمرود على يديه هاجر إلى
حران ، ثم إلى أرض الشام ، وأقام ببلاد إيليا كما ذكرنا ، وولد له
إسماعيل وإسحاق وماتت سارة قبله بقرية حبرون التي في أرض كنعان ، ولها
من العمر مائة وسبع وعشرون سنة فيما ذكر أهل الكتاب فحزن عليها إبراهيم
عليه السلام ، ورثاها رحمها الله ، واشترى من رجل من بني حيث يقال له
عفرون بن صخر مغارة بأربعمائة مثقال ، ودفن فيها سارة هنالك

قالوا : ثم خطب إبراهيم على ابنه إسحاق فزوجه رفقا بنت بتوئيل بن ناحور
بن تارح ، وبعث مولاه فحملها من بلادها ومعها مرضعتها وجواريها على الإبل

قالوا : ثم تزوج إبراهيم عليه السلام قنطوراً فولدت له زمران ، وبقشان ،
ومادان ، ومدين ، وشياق ، وشوح وذكروا ما ولد كل واحد من هؤلاء أولاد
قنطوراً

وقد روى ابن عساكر من غير واحد من السلف ، عن أخبار أهل الكتاب في صفة مجيء
ملك الموت إلى إبراهيم عليه السلام أخباراً كثيراً الله أعلم بصحتها وقد
قيل إنه مات فجأة ، وكذا داود وسليمان والذي ذكره أهل الكتاب وغيرهم خلاف
ذلك

قالوا : ثم مرض إبراهيم عليه السلام ، ومات عن مائة وخمس وسبعين ، وقيل
وتسعين سنة ، ودفن في المغارة المذكورة التي كان بحبرون الحيثي عند امرأته
سارة التي في مزرعة عفرون الحيثي ، وتولى دفنه إسماعيل وإسحاق صوات الله
وسلامه عليهم أجمعين ، وقد ورد ما يدل على أنه عاش مائتي سنة كما قاله ابن
الكلبي

فقال أبو حاتم بن حبان في صحيحه : أنبأنا المفضل بن محمد الجندي بمكة ،
حدثنا علي بن زياد اللخمي : حدثنا أبو قرة ، عن ابن جريج ، عن يحيى بن
سعيد عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
اختتن إبراهيم بالقدوم وهو ابن عشرون ومائة سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة
"

وقد رواه الحافظ ابن عساكر من طريق عكرمة بن إبراهيم وجعفر بن عون العمري ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد عن أبي هريرة موقوفاً

ثم قال ابن حبان : ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن رفع هذا الخبر وهم :
أخبرنا محمد بن عبد الله بن الجنيد ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ،
عن ابن عجلان ، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
اختتن إبراهيم حين بلغ عشرين ومائة سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة ، واختتن
بقدوم "

وقد رواه الحافظ ابن عساكر من طريق يحيى بن سعيد ، عن ابن عجلان ، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم

ثم روى ابن حبان عن عبد الرزاق أنه قال : القدوم اسم القرية

قلت : الذي في الصحيح أنه اختتن وقد أتت عليه ثمانون سنة ، وفي رواية : وهو
ابن ثمانين سنة ، وليس فيهما تعرض لما عاش بعد ذلك والله أعلم

وقال محمد بن إسماعيل الحساني الواسطي : زاد في تفسير وكيع عنه فيما ذكره
من الزيادات ، حدثنا أبو معاوية ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ،
عن أبي هريرة قال : كان إبراهيم أول من تسرول ، وأول من فرق ، وأول من
استحد ، وأول من اختتن بالقدوم ، وهو ابن عشرين ومائة سنة ، وعاش بعد ذلك
ثمانين سنة ، وأول من قرى الضيف وأول من شاب

فكذا رواه موقوفاً وهو أشبه بالمرفوع ، خلافاً لابن حبان والله أعلم

وقال مالك عن يحيى بن سعيد بن المسيب قال : كان إبراهيم أول من أضاف الضيف ،
وأول الناس اختتن ، وأول الناس قص شاربه ، وأول الناس رأى الشيب فقال :
يارب ما هذا ؟ فقال الله : وقار فقال : يا رب زدني وقاراً

وزاد غيرهما : وأول من قص شاربه ، وأول من استحد ، وأول من لبس السراويل

فقبره وقبر ولده إسحاق وقبر ولد ولده يعقوب في المربعة التي بناها سليمان
بن داود عليه السلام ببلد حبرون ، وهو البلد المعروف بالخليل اليوم وهذا
متلقى بالتواتر أمة بعد أمة وجيلاً بعد جيل من زمن بني إسرائيل وإلى زماننا
هذا ، أن قبره بالمربعة تحقيقاً فأما تعيينه منها فليس فيه خبر صحيح عن
المعصوم فينبغي أن تراعى تلك المحلة وأن تحترم إحترام مثلها ، وأن تبجل
وأن تجل وأن يداس في أرجائها ، خشية أن يكون قبر الخليل أو أحد أولاده
الأنبياء عليهم السلام تحتها

وروى ابن عساكر بسنده إلى وهب بن منبه قال : وجد عند قبر إبراهيم الخليل على حجر كتابة خلقه :

ألهى جهولاً أمله يموت من جاء أجله

ومن دنا من حتفه لم تغن عنــه حيلــه

وكيف يبقى آخراً من مـات عنـه أولـه

والمرء لا يصحبـه في القبر إلا عملـــه


ذكر أولاد إبراهيم الخليل

أول من ولد له : إسماعيل من هاجر القبطية المصرية ، ثم ولد له إسحاق من
سارة بنت عم الخليل ، ثم تزوج بعدها قنطوراً بنت يقطن الكنعاية فولدت له
ستة : مدين ، وزمران ، وسرج ، ويقشان ، ونشق ، ولم يسم السادس ، ثم تزوج
بعدها حجون بنت أمين ، فولدت له خمسة : كيسان وسورج ، وأميم ، ولوطان ،
ونافس

هكذا ذكره أبو القاسم السهيلي في كتابه التعريف والأعلام

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà




المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 2:28 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصة لوط عليه السلام

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

ومما وقع في حياة إبراهيم الخليل من الأمور العظيمة : قصة قوم لوط عليه السلام ، وما حل بهم من النقمة العميمة

وذلك أن لوطاً بن هاران بن تارح - وهو آزر كما تقدم - ولوط ابن أخي إبراهيم
الخليل ، فإبراهيم وهاران وناحور أخوة كما قدمنا ، ويقال إن هاران هذا هو
الذي بنى حران وهذا ضعيف لمخالفته ما بأيدى أهل الكتاب والله تعالى أعلم


وكان لوط قد نزح عن محلة عمه الخليل عليهما السلام بأمره له وإذنه ، فنزل
بمدينة سدوم من أرض غور زغر ، وكان أم تلك المحلة ولها أرض ومعتملات وقرى
مضافة إليها ، ولها أهل من أفجر الناس وأكفرهم وأسوأهم طوية ، وأردأهم
سريرة وسيرة ، يقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المنكر ، ولا يتناهون عن
منكر فعله لبئس ما كانوا يفعلون

ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بن آدم ، وهي إتيان الذكران من العالمين ، وترك ما خلق الله عن النسوان لعباده الصالحين

فدعاهم لوط إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، ونهاهم عن تعاطي هذه
المحرمات والفواحش المنكرات ، والأفاعيل المستقبحات فتمادوا على ضلالهم
وطغيانهم ، واستمروا على فجورهم وكفرانهم ، فأحل الله بهم من البأس الذي لا
يرد ما لم يكن في خلدهم وحسابهم ، وجعلهم مثلة في العالمين ، وعبرة يتعظ
بها الألباء من العالمين

ولهذا ذكر الله تعالى قصتهم في غير ما موضع في كتابه المبين فقال تعالى في
سورة الأعراف : " ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد
من العالمين * إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون *
وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون *
فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين * وأمطرنا عليهم مطرا فانظر
كيف كان عاقبة المجرمين "

وقال تعالى في سورة هود : " ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما
قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ * فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم
وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط * وامرأته قائمة
فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب * قالت يا ويلتى أألد وأنا
عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة
الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد * فلما ذهب عن إبراهيم الروع
وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط * إن إبراهيم لحليم أواه منيب * يا
إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود * ولما
جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب * وجاءه قومه
يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر
لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد * قالوا لقد علمت ما
لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد * قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى
ركن شديد * قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من
الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح
أليس الصبح بقريب * فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها
حجارة من سجيل منضود * مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد "

وقال تعالى في سورة الحجر : " ونبئهم عن ضيف إبراهيم * إذ دخلوا عليه
فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون * قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم *
قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون * قالوا بشرناك بالحق فلا تكن
من القانطين * قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون * قال فما خطبكم أيها
المرسلون * قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين * إلا آل لوط إنا لمنجوهم
أجمعين * إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين * فلما جاء آل لوط المرسلون *
قال إنكم قوم منكرون * قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون * وأتيناك
بالحق وإنا لصادقون * فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت
منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون * وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع
مصبحين * وجاء أهل المدينة يستبشرون * قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون *
واتقوا الله ولا تخزون * قالوا أولم ننهك عن العالمين * قال هؤلاء بناتي إن
كنتم فاعلين * لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون * فأخذتهم الصيحة مشرقين *
فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل * إن في ذلك لآيات
للمتوسمين * وإنها لبسبيل مقيم * إن في ذلك لآية للمؤمنين "

وقال تعالى في سورة الشعراء : " كذبت قوم لوط المرسلين * إذ قال لهم أخوهم
لوط ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم
عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين * أتأتون الذكران من العالمين *
وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون * قالوا لئن لم تنته
يا لوط لتكونن من المخرجين * قال إني لعملكم من القالين * رب نجني وأهلي
مما يعملون * فنجيناه وأهله أجمعين * إلا عجوزا في الغابرين * ثم دمرنا
الآخرين * وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين * إن في ذلك لآية وما كان
أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم "

وقال تعالى في سورة النمل : " ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم
تبصرون * أإنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون * فما
كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون *
فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين * وأمطرنا عليهم مطرا فساء
مطر المنذرين "

وقال تعالى في سورة العنكبوت : " ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة
ما سبقكم بها من أحد من العالمين * أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل
وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله
إن كنت من الصادقين * قال رب انصرني على القوم المفسدين * ولما جاءت رسلنا
إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين *
قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت
من الغابرين * ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا
تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين * إنا منزلون
على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون * ولقد تركنا منها آية
بينة لقوم يعقلون "

وقال تعالى في سورة الصافات : " وإن لوطا لمن المرسلين * إذ نجيناه وأهله
أجمعين * إلا عجوزا في الغابرين * ثم دمرنا الآخرين * وإنكم لتمرون عليهم
مصبحين * وبالليل أفلا تعقلون "

وقال تعالى في سورة الذاريات بعد قصة ضيف إبراهيم وبشارتهم إياه بغلام عليم
: " قال فما خطبكم أيها المرسلون * قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين *
لنرسل عليهم حجارة من طين * مسومة عند ربك للمسرفين * فأخرجنا من كان فيها
من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين * وتركنا فيها آية للذين
يخافون العذاب الأليم "

وقال في سورة القمر : " كذبت قوم لوط بالنذر * إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا
آل لوط نجيناهم بسحر * نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر * ولقد أنذرهم
بطشتنا فتماروا بالنذر * ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي
ونذر * ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر * فذوقوا عذابي ونذر * ولقد يسرنا
القرآن للذكر فهل من مدكر "

وقد تكلمنا على هذه القصص في أماكنها من هذه السور في التفسير

وقد ذكر الله لوطاً وقومه في مواضع أخر من القرآن ، تقدم ذكها مع نوح وعاد وثمود

والمقصود الآن إيراد ما كان من أمرهم ، وما أحل الله لهم ، مجموعاً من الآيات والآثار وبالله المستعان

وذلك أن لوطاً عليه السلام لما دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له
ونهاهم عن تعاطي ما ذكر الله عنهم من الفواحش ، لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا
به حتى ولا رجل واحد منهم ، ولم يتركوا ما عنه نهوا بل استمروا على حالهم ،
ولم يرعووا عن غيهم وضلالهم ، وهموا بإخراج رسولهم من بين ظهرانيهم وما
كان حاصل جوابهم عن خطابهم إذ كانوا لا يعقلون إلا أن قالوا : " أخرجوا آل
لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون " فجعلوا غاية المدح ذماً يقتضي الإخراج !
وما حملهم على مقالتهم هذه إلا العناد واللجاج

فطهره الله وأهله إلا امرأته ، وأخرجهم منها أحسن إخراج وتركهم في محلتهم
خالدين ، لكن بعد ما صيرها عليهم بحيرةً منتنة ذات أمواج ، لكنها عليهم في
الحقيقة نار تأجج ، وحر يتوهج ، ماؤها ملح أجاج

وما كان هذا جوابهم إلا لما نهاهم عن ارتكاب الطامة العظمى ، والفاحشة
الكبرى ، التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين أهل الدنيا ولهذا صاروا
مثلة فيها وعبرة لمن عليها

وكانوا مع ذلك يقطعون الطريق ، ويخونون الرفيق ، ويأتون في ناديهم - وهو
مجتمعهم ومحل حديثهم وسمرهم - المنكر من الأقوال والأفعال على اختلاف
أصنافه حتى قيل إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم ، ولا يستحون من مجالسيهم ،
وربما وقع منهم الفعلة العظيمة في المحافل ولا يستنكفون ، ولا يرعوون لوعظ
واعظ ولا نصيحة من عاقل وكانوا في ذلك وغيره كالأنعام بل أضل سبيلاً ،
ولم يقلعوا عما كانوا عليه في الحاضر ، ولا ندموا على ما سلف من الماضي ،
ولا راموا في المستقبل تحويلاً ، فأخذهم الله أخذاً وبيلاً

وقالوا له فيما قالوا : " ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين " فطلبوا
منه وقوع ما حذرهم عنه من العذاب الأليم ، وحلول البأس العظيم

فعند ذلك دعا عليهم نبيهم الكريم ، فسأل من رب العالمين وإله المرسلين أن ينصره على القوم المفسدين

فغار الله لغيرته ، وغضب لغضبته ، واستجاب لدعوته ، وأجابه إلى طلبته وبعث
رسله الكرام ، وملائكته العظام ، فمروا على الخليل إبراهيم وبشروه بالغلام
العليم ، وأخبروه بما جاءوا له من الأمر الجسيم والخطب العميم : " قال فما
خطبكم أيها المرسلون * قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين * لنرسل عليهم
حجارة من طين * مسومة عند ربك للمسرفين " وقال : " ولما جاءت رسلنا إبراهيم
بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين * قال إن
فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من
الغابرين " وقال الله تعالى : " فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى
يجادلنا في قوم لوط " وذلك أنه كان يرجو أن يجيبوا أن ينيبوا ويسلموا
ويقلعوا ويرجعوا ، ولهذا قال تعالى : " إن إبراهيم لحليم أواه منيب * يا
إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود " أي
أعرض عن هذا وتكلم غيره ، فإنه قد حتم أمرهم ، ووجب عذابهم وتدميرهم
وهلاكهم ، " إنه قد جاء أمر ربك " أي قد أمر به من لا يرد أمره ، ولا يرد
بأسه ، ولا معقب لحكمه " وإنهم آتيهم عذاب غير مردود "

وذكر سعيد بن جبير والسدي وقتادة ومحمد بن إسحاق : أن إبراهيم عليه السلام
جعل يقول : أتهلكون قريةً فيها ثلاثمائة مؤمن قالوا : لا قال : فمائتا
مؤمن ؟ قالوا : لا قال : فأربعون مؤمناً ؟ قالوا : لا قال : فأربعة عشر
مؤمناً ؟ قالوا : لا قال ابن إسحاق : إلى أن قال : أفرأيتم إن كان فيها
مؤمن واحد ؟ قالوا : لا " قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها "
الآية

وعند أهل الكتاب أنه قال : يارب أتهلكهم وفيهم خمسون رجلاً صالحاً ؟ فقال
الله : لا أهلكهم وفيهم خمسون صالحاً ثم تنازل إلى عشرة فقال الله : لا
أهلكهم وفيهم عشرة صالحون

قال الله تعالى : " ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا
يوم عصيب " قال المفسرون : لما فصلت الملائكة من عند إبراهيم - وهم جبريل
وميكائيل وإسرافيل - أقبلوا حتى أتوا أرض سدوم ، في صور شبان حسان ،
اختباراً من الله تعالى لقوم لوط وإقامة للحجة عليهم فاستضافوا لوطاً عليه
السلام وذلك عند غروب الشمس ، فخشي إن لم يضفهم أن يضيفهم غيره ، وحسبهم
بشراً من الناس ، و " سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب " قال ابن
عباس ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق : شديد بلاؤه وذلك لما يعلم من مدافعته
الليلة عنهم ، كما كان يصنع بهم في غيرهم ، وكانوا قد اشترطوا عليه أن لا
يضيف أحداً ولكن رأى من لا يمكن المحيد عنه

وذكر قتادة : أنهم وردوا عليه وهو في أرض له يعمل فيها ، فتضيفوا فاستحيا
منهم وانطلق أمامهم ، وجعل يعرض لهم في الكلام لعلهم ينصرفون عن هذه القرية
وينزلون في غيرها ، فقال لهم فيما قال : والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه
الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء ثم مشى قليلاً ، ثم أعاد ذلك عليهم حتى كرره
أربع مرات ، قال : وكانوا قد أمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم
بذلك

وقال السدي : خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط ، فأتوها نصف
النهار ، فلما بلغوا نهر سدوم لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها ، وكانت
له ابنتان ؟ اسم الكبرى ريثا والصغرى زغرتا فقالوا لها : يا جارية
هل من منزل ؟ فقالت لهم : نعم ، مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم شفقة عليهم من
قومها ، فأتت أباها فقالت : يا أبتاه أرادك فتيان على باب المدينة ، ما
رأيت وجوه قط هي أحسن منهم ، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم وقد كان قومه نهوه
أن يضيف رجلاً فقالوا : خل عنا فلنضيف الرجال

فجاء بهم فلم يعلم أحد إلا أهل البيت ، فخرجت امرأته فأخبرت قومها ، فقالت :
إن في بيت لوط رجالاً ما رأيت مثل وجوههم قط فجاءه قومه يهرعون إليه

وقوله : " ومن قبل كانوا يعملون السيئات " أي هذا مع ما سلف لهم من الذنوب
العظيمة الكبيرة الكثيرة ، " قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم " يرشدهم
إلى غشيان نسائهم وهن بناته شرعاً ، لأن النبي للأمة بمنزلة الوالد ، كما
ورد في الحديث ، وكما قال تعالى : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم
وأزواجه أمهاتهم " وفي قول بعض الصحابة والسلف : وهو أب لهم وهذا كقوله : "
أتأتون الذكران من العالمين * وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم
قوم عادون "

وهذا هو الذي نص عليه مجاهد وسعيد بن جبير والربيع بن أنس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق ، وهو الصواب

والقول الآخر خطأ مأخوذ من أهل الكتاب ، وقد تصحف عليهم كما أخطئوا في
قولهم : إن الملائكة كانوا اثنين ، وإنهم تعشوا عنده ، وقد خبط أهل الكتاب
في هذه القصة تخبيطاً عظيماً

وقوله : " فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد " نهى لهم عن
تعاطي ما لا يليق من الفاحشة ، وشهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل له مسكة ولا
فيه خير ، بل الجميع سفهاء ، فجرة أقوياء ، كفرة أغبياء

وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوه منه من قبل أن يسألوه عنه

فقال قومه ، عليهم لعنة الله الحميد المجيد ، مجيبين لنبيهم فيما أمرهم به
من الأمر السديد : " لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد "
يقولون - عليهم لعائن الله - لقد علمت يا لوط أنه لا أرب لنا في نسائنا ،
وإنك لتعلم مرادنا وغرضنا

واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم ، ولم يخافوا سطوة العظيم ، ذي
العذاب الأليم ولهذا قال عليه السلام : " لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن
شديد " ود أن لو كان له بهم قوة أو له منعة وعشيرة ينصرونه عليهم ، ليحل
بهم ما يستحقونه من العذاب على هذا الخطاب

وقد قال الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً : " نحن
أحق بالشك من إبراهيم ، ويرحم الله لوطاً ، لقد كان يأوي إلى ركن شديد ،
ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعى "

ورواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة

وقال محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : " رحمة الله على لوط ، إن كان يأوي إلى ركن شديد -
يعني الله عز وجل - فما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه "

وقال تعالى : " وجاء أهل المدينة يستبشرون * قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون *
واتقوا الله ولا تخزون * قالوا أولم ننهك عن العالمين * قال هؤلاء بناتي
إن كنتم فاعلين " فأمرهم بقربان نسائهم ، وحذرهم الإستمرار على طريقتهم
وسيآتهم

وهذا وهم فذي ذلك لا ينتهون ولا يرعوون ، بل كلما نهاهم يبالغون في تحصيل هؤلاء

الضيفان ويحرصون ، ولم يعلموا ما حم به القدر مما هم إليه صائرون ، وصبيحة ليلتهم إليه منقلبون

ولهذا قال تعالى مقسماً بحياة نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه : " لعمرك
إنهم لفي سكرتهم يعمهون " وقال تعالى : " ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا
بالنذر * ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر * ولقد
صبحهم بكرة عذاب مستقر "

ذكر المفسرون وغيرهم : أن نبي الله لوطاً عليه السلام جعل يمانع قومه
الدخول ويدافعهم الباب مغلق ، وهم يرومون فتحه وولوجه ، وهو يعظهم وينهاهم
من وراء الباب ، وكل ما لهم في إلحاح وإنحاح ، فلما ضاق الأمر وعسر الحال
قال ما قال : " لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد " لأحللت بكم النكال

قالت الملائكة : " يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك " وذكروا أن جبريل
عليه السلام خرج عليهم ، فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه فطمست أعينهم ، حتى
قيل إنها غارت بالكلية ولم يبق لها محل ولا عين ولا أثر ، فرجعوا يتحسسون
مع الحيطان ، ويتوعدون رسول الرحمن ، ويقولون : إذا كان الغد كان لنا وله
شأن !

قال الله تعالى : " ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر * ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر "

فذلك أن الملائكة تقدمت إلى لوط عليه السلام آمرين له بأن يسري هو وأهله من
آخر الليل " ولا يلتفت منكم أحد " ، يعني عند سماع صوت العذاب إذا حل
بقومه وأمروه أن يكون سيره في آخرهم كالساقة لهم

وقوله : " إلا امرأتك " على قراءة النصب : يحتمل أن يكون مستثنى من قوله : "
فأسر بأهلك " كأنه يقول إلا امرأتك فلا تسر بها ، ويحتمل أن يكون من قوله :
" ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك " أي فإنها ستلتفت فيصيبها ما أصابهم ،
ويقوي هذا الإحتمال قراءة الرفع ، ولكن الأول أظهر في المعنى والله أعلم

قال السهيلي ، واسم امرأة لوط والهة واسم امرأة نوح والغة

وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة ، الملعونين النظراء والأشباه
الذين جعلهم الله سلفاً لكل خائن مريب : " إن موعدهم الصبح أليس الصبح
بقريب "

فلما خرج لوط عليه السلام بأهله ، وهم ابنتاه ، لم يتبعه منهم رجل واحد ، ويقال إن امرأته خرجت معه والله أعلم

فلما خلصوا من بلادهم وطلعت الشمس فكانت عند شروقها ، جاءهم من أمر الله ما لا يرد ، ومن البأس الشديد ما لا يمكن أن يصد

وعند أهل الكتاب : أن الملائكة أمروه أن يصعد إلى رأس الجبل الذي هناك
فاستبعده ، وسأل منهم أن يذهب إلى قرية قريبة منهم ، فقالوا : اذهب فإنا
ننتظرك حتى تصير إليها وتستقر فيها ، ثم نحل بهم العذاب ، فذكروا أنه ذاهب
إلى قرية صوعر التي يقول الناس : غور زغر ، فلما أشرقت الشمس نزل بهم
العذاب

قال الله تعالى : " فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها
حجارة من سجيل منضود * مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد "

قالوا : اقتلعهن جبريل بطرف جناحه من قرارهن - وكن سبع مدن - بمن فيهن من
الأمم ، فقالوا : إنهم كانوا أربعمائة نسمة ، وقيل أربعة آلاف نسمة ، وما
معهم من الحيوانات ، وما يتبع تلك المدن من الأراضي والأماكن والمعتملات ،
فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء ، حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم
ونباح كلابهم ، ثم قلبها عليهم ، فجعل عاليها سافلها قال مجاهد : فكان أول
ما سقط منها شرفاتها

" وأمطرنا عليها حجارة من سجيل " والسجيل فارسي معرب : وهو الشديد الصلب
القوي ، " منضود " أي يتبع بعضها بعضاً في نزولها عليهم من السماء " مسومة "
أي معلمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي يهبط عليه فيدمغه ، كما قال : "
مسومة عند ربك للمسرفين " وكما قال تعالى : " وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر
المنذرين "

وقال تعالى : " والمؤتفكة أهوى * فغشاها ما غشى * فبأي آلاء ربك تتمارى "
يعني قلبها فأهوى بها منكسة عاليها سافلها ، وغشاها بمطر من حجارة من سجيل :
متتابعة ، مسومة مرقومة على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه ، من الحاضرين
منهم في بلدهم ، والغائبين عنها من المسافرين والنازحين والشاذين منها

ويقال إن امرأة لوط مكثت مع قومها ، ويقال إنها خرجت مع زوجها وبنتيها ،
ولكنها لما سمعت الصيحة وسقوط البلدة ، التفتت إلى قومها وخالفت أمر ربها
قديماً وحديثاً ، وقالت : واقوماه ! فسقط عليها حجر فدمغها وألحقها بقومها ،
إذا كانت على دينهم ، وكانت عيناً لهم على من يكون عند لوط من الضيفان

كما قال تعالى : " ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا
تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل
ادخلا النار مع الداخلين " أي خانتاهما في الدين فلم يتبعاهما فيه ، وليس
المراد أنهما كانتا على فاحشة - حاشا وكلا ولما - فإن الله لا يقدر على نبي
قط أن تبغي امرأته ، كما قال ابن عباس وغيره من أئمة السلف والخلف : ما
بغت امرأة نبي قط ، ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ خطأً كبيراً

قال الله تعالى قصة الإفك ، لما أنزل براءة أم المؤمنين عائشة بنت الصديق ،
زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ،
فعاتب الله المؤمنين وأنب وزجر ، ووعظ وحذر قال فيما قال : " إذ تلقونه
بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله
عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان
عظيم " أي سبحانك أن تكون زوجة نبيك بهذه المثابة

وقوله هنا : " وما هي من الظالمين ببعيد " أي وما هذه العقوبة ببعيدة ممن أشبههم في فعلهم

ولهذا ذهب من ذهب من العلماء إلى أن اللائط يرجم ، سواء أكان محصناً أو لا
ونص عليه الشافعي و أحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من الأئمة

واحتجوا أيضاً بما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو ، عن

عكرمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به "

وذهب أبو حنيفة إلى أن اللائط يلقى من شاهق جبل ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط ، لقوله تعالى : " وما هي من الظالمين ببعيد "

وجعل الله مكان تلك البلاد بحيرة منتنة لا ينتفع بمائها ، ولا بما حولها من
الأرض المتاخمة لفنائها ، لرداءتها ودناءتها ، فصارت عبرةً ومثلةً وعظةً
وآيةً على قدرة الله تعالى وعظمته ، وعزته في انتقامه ممن خالف أمره ، وكذب
رسله ، واتبع هواه وعصى مولاه ، ودليلاً على رحمته بعباده المؤمنين في
إنجائه إياهم من المهلكات ، وإخراجه إياهم من الظلمات إلى النور ، كما قال
تعالى : " إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز
الرحيم "

وقال الله تعالى : " فأخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا
عليهم حجارة من سجيل * إن في ذلك لآيات للمتوسمين * وإنها لبسبيل مقيم *
إن في ذلك لآية للمؤمنين " أي من نظر بعين الفراسة والتوسم فيهم ، كيف غير
الله تلك البلاد وأهلها وكيف جعلها بعد ما كانت آهلة عامرة هالكة غامرة ؟

كما روى الترمذي وغيره مرفوعاً : " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ثم قرأ : " إن في ذلك لآيات للمتوسمين "

وقوله : " وإنها لبسبيل مقيم " أي لبطريق مهيع مسلوك إلى الآن كما قال : "
وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل أفلا تعقلون " وقال تعالى : " ولقد
تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون " وقال تعالى : " فأخرجنا من كان فيها من
المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين * وتركنا فيها آية للذين
يخافون العذاب الأليم "

أي تركناها عبرةً وعظةً لمن خاف عذاب الآخرة ، وخشي الرحمن بالغيب ، وخاف
مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، فانزجر من محارم الله وترك معاصيه ، وخاف
أن يشابه قوم لوط ومن تشبه بقوم فهو منهم ، وإن لم يكن من كل وجه ، فمن
بعض الوجوه ، كما قال بعضهم :

فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم فمـــا قــوم لــوط منكم ببعيـــد

فالعاقل اللبيب الفاهم الخائف من ربه ، يمتثل ما أمره الله به عز وجل ،
ويقبل ما أرشده إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتيان ما خلق له من
الزوجات الحلال ، والجواري من السراري ذوات الجمال ، وإياه أن يتبع كل
شيطان مريد ، فيحق عليه الوعيد ، ويدخل في قوله تعالى : " وما هي من
الظالمين ببعيد "

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà




المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 2:31 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصة مدين قوم شعيب عليه السلام

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قال الله تعالى في سورة الأعراف بعد قصة قوم لوط : " وإلى مدين أخاهم شعيبا
قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا
الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها
ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين * ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل
الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف
كان عاقبة المفسدين * وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم
يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين * قال الملأ الذين
استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في
ملتنا قال أو لو كنا كارهين * قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم
بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا
وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق
وأنت خير الفاتحين * وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم
إذا لخاسرون * فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * الذين كذبوا
شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين * فتولى عنهم
وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين "

وقال في سورة هود بعد قصة قوم لوط أيضاً : " وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا
قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم
بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط * ويا قوم أوفوا المكيال والميزان
بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين * بقية الله
خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ * قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك
أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم
الرشيد * قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا
وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما
توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب * ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن
يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد
* واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود * قالوا يا شعيب ما نفقه
كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا
بعزيز * قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي
بما تعملون محيط * ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من
يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب * ولما جاء أمرنا
نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا
في ديارهم جاثمين * كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود "

وقال في الحجر بعد قصة قوم لوط أيضاً : " وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين * فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين "

وقال تعالى في الشعراء بعد قصتهم : " كذب أصحاب الأيكة المرسلين * إذ قال
لهم شعيب ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما
أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين * أوفوا الكيل ولا تكونوا
من المخسرين * وزنوا بالقسطاس المستقيم * ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا
تعثوا في الأرض مفسدين * واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين * قالوا إنما
أنت من المسحرين * وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين * فأسقط
علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين * قال ربي أعلم بما تعملون *
فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم * إن في ذلك لآية وما
كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم "

كان أهل مدين قوماً عرباً يسكنون مدينتهم مدين التي هي قريبة من أرض
معان من أطراف الشام ، مما يلي ناحية الحجاز قريباً من بحيرة قوم لوط ،
وكانوا بعدهم بمدة قريبة ، ومدين قبيلة عزفت بهم ، وهم من بني مدين بن
مديان بن إبراهيم الخليل

وشعيب ، نبيهم هو ابن ميكيل بن يشجن وذكره ابن إسحاق

قال : ويقال له بالسريانية يترون وفي هذا نظر ويقال شعيب بن يشخر بن
لاوى ابن يعقوب ، ويقال شعيب بن نويب بن عيفا بن مدين بن إبراهيم ، ويقال
شعيب بن صيفر ابن عيفا بن ثابت بن مدين بن إبراهيم ، وقيل غير ذلك في نسبه

قال ابن عساكر : ويقال جدته ، ويقال أمه ، بنت لوط

وكان ممن آمن بإبراهيم وهاجر معه ودخل معه دمشق

وعن وهب بن منبه أنه قال : شعيب وملغم ممن آمن بإبراهيم يوم أحرق بالنار ،
وهاجر معه إلى الشام ، فزوجهما بنتي لوط عليه السلام ذكره ابن قتيبة

وفي هذا كله نظر والله تعالى وأعلم

وذكر أبو عمر بن عبد البر في الإستيعاب في ترجمة سلمة بن سعد العنزي : أنه
قدم على رسول صلى الله عليه وسلم فأسلم وانتسب إلى عنزة ، فقال : " نعم
الحي عنزة ، مبغي عليهم منصورون رهط شعيب وأختان موسى "

فلو صح هذا لدل على أن شعيباً صهر موسى وأنه من قبيلة من العرب العاربة
يقال لهم عنزة ، لا أنهم من عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان ،
فإن هؤلاء بعده بدهر طويل والله أعلم

وفي حديث أبي ذر الذي في صحيح ابن حبان في ذكر الأنبياء والرسل قال : " أربعة من العرب : هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر "

وكان بعض السلف يسمى شعيباً خطيب الأنبياء ويعنى لفصاحته وعلو عبارته وبلاغته في دعاية قومه إلى الإيمان برسالته

وقد روى ابن إسحاق بن بشر عن جويبر ومقاتل ، عن الضحاك ،عن ابن عباس قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شعيباً قال : " ذاك خطيب
الأنبياء "

وكان أهل مدين كفاراً يقطعون السبيل ويخيفون المارة ، ويعبدون الأيكة ، وهي شجرة

من الأيك حولها غيضة ملتفة بها

وكانوا من أسوأ الناس معاملة ، يبخسون المكيال والميزان ، ويطففون فيها ،
ويأخذون بالزائد و يدفعون بالناقص فبعث الله فيهم رجلاً منهم وهو رسول الله
شعيب عليه السلام فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، ونهاهم عن
تعاطي هذه الأفاعيل القبيحة من بخس الناس أشياءهم وإخافتهم لهم في سبلهم
وطرقاتهم ، فآمن به بعضهم وكفر أكثرهم ، حتى أحل الله بهم البأس الشديد ،
وهو الولي الحميد

كما قال تعالى : " وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من
إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم " أي دلالة وحجة واضحة ، وبرهان قاطع على
صدق ما جئتكم به وأنه أرسلني ، وهو ما أجرى الله على يديه من المعجزات
التي لم ينقل إلينا تفصيلها ، وإن كان هذا اللفظ قد دخل عليها إجمالاً

" فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها "

أمرهم بالعدل ونهاهم عن الظلم ، وتوعدهم على خلاف ذلك فقال : " ذلكم خير
لكم إن كنتم مؤمنين * ولا تقعدوا بكل صراط " أي طريق " توعدون " أي تتوعدون
الناس بأخذ أموالهم من مكوس وغير ذلك وتخيفون السبل

قال السدي في تفسيره عن الصحابة : " ولا تقعدوا بكل صراط توعدون " أنهم كانوا يأخذون العشور من أموال المارة

وقال إسحاق بن بشر عن جويبر عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : كانوا قوماً
طغاة يجلسون على الطريق ، يبخسون الناس ، يعني يعشرونهم ، وكانوا أول من سن
ذلك

" وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا " نهاهم عن قطع الطريق الحسية الدنيوية ، والمعنوية الدينية

" واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين " ذكرهم
بنعمة الله تعالى عليهم في تكثيرهم بعد القلة وحذرهم نقمة الله بهم أن
خالفوا ما أرشدهم إليه ودلهم عليه كما قال لهم في القصة الأخرى : " ولا
تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط "
لا تركبوا ما أنتم عليه وتستمروا فيه فيمحق الله بركة ما في أيديكم ،
ويفقركم ويذهب ما به يغنيكم

وهذا مضاف إلى عذاب الآخرة ، ومن جمع له هذا وهذا ، فقد باء بالصفقة الخاسرة !

فنهاهم أولاً عن تعاطي ما لا يليق من التطفيف ، وحذرهم سلب نعمة الله عليهم في دنياهم ، وعذابه الأليم في آخراهم ، وعنقهم أشد تعنيف

ثم قال لهم آمراً بعد ما كان عن ضده زاجراً : " ويا قوم أوفوا المكيال
والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين *
بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ "

قال ابن عباس والحسن البصري : " بقية الله خير لكم " أي رزق الله خير لكم
من أخذ أموال الناس وقال ابن جرير : ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل
والميزان : خير لكم من أخذ أموال الناس بالتطفيف قال : وقد روى هذا عن ابن
عباس

وهذا الذي قاله وحكاه حسن ، وهو شبيه بقوله تعالى : " قل لا يستوي الخبيث
والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث " يعنى أن القليل من الحلال خير لكم من
الكثير من الحرام ، فإن الحلال مبارك وإن قل ، والحرام ممحوق وإن كثر ، كما
قال تعالى : " يمحق الله الربا ويربي الصدقات "

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الربا وإن كثر فإن مصيره إلى قل " رواه أحمد أي إلى قلة

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن
صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقمت بركة بيعهما "

والمقصود أن الربح الحلال مبارك فيه وإن قل ، والحرام لا يجدى وإن كثر
ولهذا قال نبي الله شعيب : " بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين "

وقوله : " وما أنا عليكم بحفيظ " أي افعلوا ما أمركم به ابتغاء وجه الله ورجاء ثوابه ، لا لأراكم أنا وغيرى

" قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في
أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد " يقولون هذا على سبيل الإستهزاء
والتنقص والتهكم : أصلاتك هذه التي تصليها ، هي الآمرة لك بأن تحجر علينا
فلا نعبد إلا إلهك ؟ و نترك ما يعبد آباؤنا الأقدمون وأسلافنا الأولون ؟ أو
ألا نتعامل إلا على الوجه الذي ترتضيه أنت ، ونترك المعاملات التي تأباها
وإن كنا نحن نرضاها ؟

" إنك لأنت الحليم الرشيد " قال ابن عباس وميمون بن مهران وابن رجيج وزيد
بن أسلم وابن جرير : يقولون ذلك أعداء الله على سبيل الإستهزاء

" قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد
أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي
إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب "

هذا تلطف معهم في العبارة ، ودعوة لهم إلى الحق بأبين إشارة

يقول لهم : أرأيتم أيها المكذبون " إن كنت على بينة من ربي " أي على أمر
بين من الله تعالى أنه أرسلني إليكم ، " ورزقني منه رزقا حسنا " يعنى
النبوة والرسالة ، يعنى وعمى عليكم معرفتها ، فأي حلية فيكم ؟

وهذا كما تقدم عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه سواء

وقوله : " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه " أي لست آمركم بالأمر
إلا وأنا أول فاعل له ، وإذا نهيتكم عن الشيء فأنا أول من يتركه

وهذه هي الصفة المحمودة العظيمة ، وضدها هي المردودة الذميمة ، كما تلبس
بها علماء بني إسرائيل في آخر زمانهم ، وخطباؤهم الجاهلون قال تعالى : "
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون "
وذكرنا عندها في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يؤتى
بالرجل فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه - أي تخرج أمعاؤه من بطنه - فيدور
بها كما يدور الحمار برحاه ، فيجمع أهل النار فيقولون : يا فلان مالك ؟
ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى ، كنت آمر بالمعروف
ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه "

وهذه صفة مخالفي الأنبياء من الفجار والأشقياء ، فأما السادة من النجباء ،
والألباء من العلماء ، الذين يخشون ربهم بالغيب ، فحالهم كما قال نبي الله
شعيب : " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما
استطعت " أي ما أريد في جميع أمرى إلا الإصلاح في الفعال والمقال بجهدي
وطاقتي

" وما توفيقي " أي في جميع أحوال " إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب " أي
عليه أتوكل في سائر الأمور ، وإليه مرجعي ومصيري في كل أمري وهذا مقام
ترغيب

ثم انتقل إلى نوع من الترهيب فقال : " ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم
مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد "

أي لا يحملنكم مخالفتي وبغضكم ما جئتكم به على الإستمرار على ضلالكم وجهلكم
ومخالفتكم ، فيحل الله بكم من العذاب والنكال ، نظير ما أحله بنظرائكم
وأشباهكم ، من قوم نوح وقوم هود وقوم صالح من المكذبين المخالفين

وقوله : " وما قوم لوط منكم ببعيد " قيل معناه : في الزمان ، أي ما بالعهد
من قدم ، مما قد بلغكم ما أحل بهم على كفرهم وعتوهم وقيل معناه : وما هم
منكم ببعيد في المحلة والمكان ، وقيل في الصفات والأفعال المستقبحات ، من
قطع الطريق ، وأحذ أموال الناس جهرة وخفية بأنواع الحيل والشبهات

والجمع بين هذه الأقوال ممكن : فإنهم لم يكونوا بعيدين منهم لا زماناً ولا مكاناً ولا صفات

ثم مزج الترهيب بالترغيب فقال : " واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي
رحيم ودود " أي أقلعوا عما أنتم فيه ، وتوبوا إلى ربكم الرحيم الودود ،
فإنه من تاب إليه تاب عليه ، فإنه رحيم بعباده ، أرحم بهم من الوالدة
بولدها : " ودود " وهو الحبيب ولو بعد التوبة على عبده ، ولو من الموبقات
العظام

" قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا "

روى عن ابن عباس وسعيد بن جبير والثوري أنهم قالوا : كان ضرير البصر وقد
روى في حديث مرفوع : أنه بكى من حب الله حتى عمى ، فرد الله عليه بصره ،
وقال : يا شعيب أتبكى خوفاً من النار ؟ أو من شوقك إلى الجنة ؟ فقال :
بل من محبتك ، فإذا نظرت إليك فلا أبالي ماذا يصنع بي فأوحى الله إليه :
هنيئاً لك يا شعيب لقائي ، فلذلك أخدمتك موسى ابن عمران كليمى

رواه الواحدي عن أبي الفتح محمد بن علي الكوفي ، عن علي بن الحسن بن بندار ،
عن عبد الله محمد بن إسحاق الرملي ، عن هشام بن عمار ، عن إسماعيل بن عباس
، عن يحيى بن سعيد ، عن شداد بن بن أوس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم
بنحوه

وهو غريب جداً ، وقد ضعفه الخطيب البغدادي

وقولهم : " ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز " هذا من كفرهم البليغ ،
وعنادهم الشنيع ، حيث قالوا : " ما نفقه كثيرا مما تقول " أي ما نفهمه ولا
نعقله ، لأنه لا نحبه ولا نريده ، وليس لنا همة إليه ، ولا إقبال عليه

وهو كما قال كفار قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " وقالوا قلوبنا في
أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا
عاملون "

وقولهم : " وإنا لنراك فينا ضعيفا " أي مضطهراً مهجوراً " ولولا رهطك " أي قبيلتك وعشيرتك فينا " لرجمناك وما أنت علينا بعزيز "

" قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله " أي تخافون قبيلتي وعشيرتي وترعوني
بسببهم ، ولا تخافون عذاب الله ؟ ولا تراعوني لأني رسول الله ؟ فصار رهطي
أعز عليكم من الله : " واتخذتموه وراءكم ظهريا " أي جانب الله وراء ظهوركم "
إن ربي بما تعملون محيط " أي هو عليم بما تعملونه وما تصنعونه ، محيط بذلك
كله ، وسيجزيكم عليه يوم ترجعون إليه

" ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب "

هذا أمر تهديد شديد ووعيد أكيد ، بأن يستمروا على طريقتهم ومنهجهم وشاكلتهم
، فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار ومن يحل عليه الهلاك والبوار : " من
يأتيه عذاب يخزيه " أي في هذه الحياة الدنيا " ويحل عليه عذاب مقيم " أي
في الأخرى " ومن هو كاذب " أي منى ومنكم فيما أخبر وبشر وحذر

" وارتقبوا إني معكم رقيب " هذا كقوله : " وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي
أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين "


" قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من
قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كارهين * قد افترينا على الله
كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها
إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح
بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين "

طلبوا بزعمهم أن يردوا من آمن منهم إلى ملتهم ، فانتصب شعيب للمحاجة عن
قومه ققال : " أو لو كنا كارهين " أي هؤلاء لا يعودون إليك اختياراً ،
وإنما يعودون إليكم إن عادوا ، اضطراراً مكرهين ، وذلك لأن الإيمان إذا
خالطت بشاشته القلوب لا يسخطه أحد ، ولا يرتد أحد عنه ، ولا محيد لأحد منه

ولهذا قال : " قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا
الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل
شيء علما على الله توكلنا " أي فهو كافينا ، هو العاصم لنا وإليه ملجأنا في
جميع آمرنا

ثم استفتح على قومه ، واستنصر ربه عليهم في تعجيل ما يستحقونه إليهم فقال :
" ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين " أي الحاكمين
فدعا عليهم ، والله لا يرد دعاء رسله إذا استنصروه على الذين جحدوه وكفروه ،
ورسوله خالفوه

ومع هذا صمموا على ما هم عليه مشتملون ، وبه متلبسون : " وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون "

قال الله تعالى : " فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين " ذكر في سورة
الأعراف أنهم أخذتهم رجفة ، أي رجفت بهم أرضهم ، وزلزلت زلزالاً شديداً
أزهقت أرواحهم من أجسادهم ، وصيرت حيوان أرضهم كجمادها ، وأصبحت جثثهم
جاثية ، لا أرواح فيها ولا حركات بها ، ولا حواس لا

وقد جمع الله عليهم أنواعاً من العقوبات ، وصنوفاً من المثلات ، وأشكالاً
من البليات ، وذلك لما اتصفوا به من قبح الصفات ، سلط الله عليهم رجفة
شديدة أسكتت الحركات ، صيحة عظيمة أخمدت الأصوات ، وظلة أرسل عليهم منها
شرر النار من سائر أرجائهم والجهات

ولكنه تعالى أخبر عنهم في كل سورة بما يناسب سياقها ويوافق طباقها ، في
سياق قصة الأعراف أرجفوا نبي الله وأصحابه ، وتوعدوهم بالإخراج من قريتهم ،
أو ليعودون في ملتهم راجعين فقال تعالى : " فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في
دارهم جاثمين " فقابل الإرجاف بالرجفة ، والإخافة بالخيفة ، وهذا مناسب
لهذا السياق ومتعلق بما تقدمه من السياق

وأما في سورة هود : فذكر أنهم أخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين وذلك
لأنهم قالوا لنبي الله على سبيل التهكم والإستهزاء والتنقص : " أصلاتك
تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت
الحليم الرشيد " فناسب أن يذكر الصيحة التي هي كالزجر عن تعاطي هذا الكلام
القبيح ، الذي واجهوا به هذا الرسول الكريم الأمين الفصيح ، فجاءتهم صيحة
أسكتتهم مع رجفة أسكنتهم

وأما في سورة الشعراء : فذكر أنه أخذهم عذاب يوم الظلة ، وكان ذلك إجابة
لما طلبوا ، وتقريباً إلى ما إليه رغبوا ، فإنهم قالوا : " إنما أنت من
المسحرين * وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين * فأسقط علينا
كسفا من السماء إن كنت من الصادقين * قال ربي أعلم بما تعملون "

قال الله تعالى وهو السميع العليم : " فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم "

ومن زعم من المفسرين كقتادة وغيره : أن أصحاب الأيكة أمة أخرى غير أهل مدين ، فقوله ضعيف

وإنما عمدتهم شيئان : أحدهما أنه قال : " كذب أصحاب الأيكة المرسلين * إذ
قال لهم شعيب " ولم يقل أخوهم كما قال : " وإلى مدين أخاهم شعيبا "

والثاني : أنه ذكر عذابهم بيوم الظلة ، وذكر في أولئك الرجفة أو الصيحة

والجواب عن الأول : أنه لم يذكر الأخوة بعد قوله : " كذب أصحاب الأيكة
المرسلين " لأنه وصفهم بعبادة الأيكة ، فلا يناسب ذكر الأخوة هاهنا ولما
نسبهم إلى القبيلة ساغ ذكر شعيب بأنه أخوهم

وهذا الفرق من النفائس اللطيفة العزيزة الشريفة

وأما احتجاجهم بيوم الظلة ، فإن كان دليلاً بمجرده على أن هؤلاء أمة أخرى ،
فليكن تعداد الإنتقام بالرجفة والصيحة دليلاً على أنهم أمتان أخريان ،
وهذا لا يقوله أحد يفهم شيئاً من هذا الشأن

فأما الحديث الذي أورده الحافظ ابن عساكر في ترجمة النبي شعيب عليه السلام ،
من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، عن أبيه ، عن معاوية بن هشام ، عن
هشام بن سعد ، عن شقيق بن أبي هلال ، عن ربيعة بن سيف ، عن عبد الله بن
عمرو مرفوعاً : " إن قوم مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهم شعيباً
النبي عليه السلام "

فإنه حديث غريب وفي رجاله من تكلم فيه والأشبه أنه من كلام عبد الله بن
عمرو مما أصابه يوم اليرموك من تلك الزاملتين من أخبار بني إسرائيل
والله أعلم

ثم قد ذكر الله عن أهل الأيكة من المذمة ما ذكره عن أهل مدين من التطفيف في
المكيال والميزان ، فدل على أنهم أمة واحدة ، أهلكوا بأنواع من العذاب
وذكر في كل موضع ما يناسب من الخطاب

وقوله : " فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم " ذكروا أنهم
أصابهم حر شديد ، وأسكن الله هبوب الهواء عنهم سبعة أيام ، فكان لا ينفعهم
مع ذلك ماء ولا ظل ، ولا دخولهم في الأسراب ، فهربوا من محلتهم إلى البرية ،
فأظلتهم سحابة ، فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها ، فلما تكاملوا فيها
أرسلها الله ترميهم بشرر وشهب ، ورجفت بهم الأرض ، وجاءتهم صيحة من السماء ،
فأزهقت الأرواح ، وخربت الأشباح

" فأصبحوا في دارهم جاثمين * الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين
كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين " ونجى الله شعيباً ومن معه من المؤمنين ،
كما قال تعالى وهو أصدق القائلين : " ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين
آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين *
كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود "

وقال تعالى : " وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا
لخاسرون * فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * الذين كذبوا شعيبا كأن
لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين " وهذا في مقابلة
قولهم : " لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون "

ثم ذكر تعالى عن نبيهم : أنه نعاهم إلى أنفسهم موبخاً ومؤنباً ومقرعاً ،
فقال تعالى : " فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم
فكيف آسى على قوم كافرين "

أي أعرض عنهم مولياً عن محلتهم بعد هلكتهم قائلاً : " يا قوم لقد أبلغتكم
رسالات ربي ونصحت لكم " أي قد أديت ما كان واجباً على من البلاغ التام
والنصح الكامل ، وحرصت على هدايتكم بكل ما أقدر عليه وأتوصل إليه ، فلم
ينفعكم ذلك ، لأن الله لا يهدى من يضل وما لهم من ناصرين فلست أتأسف بعد
هذا عليكم ، لأنكم لم تكونوا تقبلون النصيحة ، ولا تخافون يوم الفضيحة

ولهذا قال : " فكيف آسى " أي أحزن " على قوم كافرين " أي لا يقبلون الحق
ولا يرجعون إليه ولا يلتفتون إليه فحل بهم من بأس الله الذي لا يرد ما لا
يدفع ولا يمانع ، ولا محيد لأحد أريد به عنه ، ولا مناص عنه

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس : أن شعيباً عليه السلام
كان بعد يوسف عليه السلام وعن وهب بن منبه : أن شعيباً عليه السلام مات
بمكة ومن معه من المؤمنين ، وقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة ودار بني
سهم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà




المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 2:32 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

باب ذكر ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قد قدمنا قصته مع قومه وما كان من أمرهم ، وما آل إليه أمره عليه الصلاة والسلام والتحية والإكرام

وذكرنا ما وقع في زمانه من قصة قوم لوط وأتبعنا ذلك بقصة مدين قوم شعيب
عليه السلام ، لأنها قرينتها في كتاب الله عز وجل في مواضع متعددة ، فذكر
تعالى بعد قصة قوم لوط ، قصة مدين ، وهم أصحاب الأيكة على الصحيح كما قدمنا
، فذكرناها تبعاً لها اقتداء بالقرآن العظيم

ثم نشرع الآن في الكلام على تفضيل ذرية إبراهيم عليه السلام ، لأن الله جعل
في ذريته النبوة والكتاب ، فكل نبي أرسل بعده فمن ولده


قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 2:34 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

ذكر إسماعيل عليه السلام

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

وقد كان للخليل بنون كما ذكرنا ، ولكن أشهرهم الأخوان النبيان العظيمان
الرسولان ، أسنهما وأجلهما : الذي هو الذبيح على الصحيح إسماعيل بكر
إبراهيم الخليل من هاجر القبطية المصرية عليها السلام من العظيم الجليل

ومن قال : إن الذبيح هو إسحاق ، فإنما تلقاه من نقلة بني إسرائيل الذين
بدلوا وحرفوا وأولوا التوراة والإنجيل ، وخالقوا ما بأيديهم في هذا من
التنزيل ، فإن إبراهيم أمر بذبح ولده البكر ، وفي رواية : الوحيد

وأياً ما كان فهو إسماعيل بنص الدليل ، ففي نص كتابهم : أن إسماعيل ولد
ولإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة وإنما ولد إسحاق بعد مضي مائة سنة من
عمر الخليل ، فإسماعيل هو البكر لا محالة ، وهو الوحيد صورة ومعنى على كل
حالة

أما في الصورة ، فلأنه كان ولده أزيد من ثلاث عشرة سنة ، وأما أنه وحيد في
المعنى ، فإنه هو الذي هاجر به أبوه ومعه أمه هاجر ، وكان صغيراً رضيعاً -
فيما قيل - فوضعهما في وهاد جبال فاران ، وهي الجبال التي حول مكة نعم
المقيل ، وتركهما هنالك ليس معهما من الزاد والماء إلا القليل ، وذلك ثقة
بالله وتوكلاً عليه ، فحاطهما الله تعالى بعنايته وكفايته فنعم الحسيب
والكافي والوكيل والكفيل

فهذا هو الولد الوحيد في الصورة والمعني ولكن أين من يتفطن لهذا السر ؟
وأين من يحل بهذا المحل ؟ والمعني لا يدركه ويحيط بعلمه إلا كل بنيه نبيل !
!

وقد أثنى الله تعالى عليه ووصفه بالحلم والصبر وصدق الوعد ، والمحافظة على
الصلاة ، والأمر بها لأهله ليقيهم العذاب ، مع ما كان يدعو إليه من عبادة
رب الأرباب ، قال الله تعالى : " فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي
قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما
تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين " فطاوع أباه على ما إليه دعاه ،
ووعده بأن سيصبر ، فوفي بذلك وصبر على ذلك

وقال تعالى : " واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا
نبيا *وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا " وقال تعالى : "
واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار * إنا أخلصناهم
بخالصة ذكرى الدار * وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار * واذكر إسماعيل
واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار " وقال تعالى : " وإسماعيل وإدريس وذا
الكفل كل من الصابرين * وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين " وقال
تعالى : " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا
إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط " الآية

وقال تعالى : " قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم
وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط " الآية ونظيرتها من السورة الأخرى ،
وقال تعالى : " أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط
كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله " الآية

فذكر الله عنه كل صفة جميلة ، وجعله نبيه ورسوله ، وبرأه من كل ما نسب إليه الجاهلون ، وأمر بأن يؤمن بما أنزل عليه عباده المؤمنون

وذكر علماء النسب وأيام الناس : أنه أول من ركب الخيل ، وكانت قبل ذلك
وحوشاً فأنسها وركبها وقد قال سعيد بن يحيى الأموي في مغازيه : حدثنا عبد
الملك بن عبد العزيز ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : " اتخذوا الخيل واعتقبوها فإنها ميراث أبيكم إسماعيل "

وكانت هذه العراب وحوشاً فدعاً لها بدعوته التي كان أعطي فأجابته وأنه أول
من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة ، وكان قد تعلمها من العرب العاربة
الذين نزلوا عندهم بمكة من جرهم والعماليق وأهل اليمن ومن الأمم المتقدمين
من العرب قبل الخليل

قال الأموي : حدثني على بن المغيرة : حدثنا أبو عبيدة ، مسمع بن مالك ، عن
محمد بن علي ابن الحسن ، عن آبائه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" أول من فتق لسانه بالعربية البينة إسماعيل ، وهو ابن أربع عشرة سنة "
فقال له يونس : صدقت يا أبا سيار ، هكذا أبو جرى حدثني

وقد قدمنا أنه تزوج لما شب امرأة من العماليق ، وأن أباه أمره بفراقها
ففارقها ، قال الأموي : وهي عمارة بنت سعد بن أسامة بن أكيل العماليقي ، ثم
نكح غيرها فأمره أن يستمر بها فاستمر بها ، وهي السيدة بنت مضاض بن عمرو
الجرهمي ، وقيل هذه ثالثة ، فولدت له اثنى عشر ولداً ذكراً ، وقد سماهم
محمد بن إسحاق رحمه الله وهم : نايت ، وقيذر ، وأزبل ، وميشي ، ومسمع ،
وماش ، ودوصاً ، وأرر ، و يطور ، ونبش ، وطيما ، وقيذما وهكذا ذكرهم أهل
الكتاب في كتابهم وعندهم أنهم الاثنا عشر عظيماً المبشر بهم ، المتقدم
ذكرهم وكذبوا في تأوليهم ذلك

وكان إسماعيل عليه السلام رسولاً إلى أهل تلك الناحية وما والاها ، من
قبائل جرهم والعماليق وأهل اليمن ، صلوات الله وسلامه عليه ولما حضرته
الوفاة أوصى إلى أخيه إسحاق ، وزوج ابنته نسمة من ابن أخيه العيص بن
إسحاق ، فولدت له الروح ، ويقال لهم بنو الأصفر ، لصفرة كانت في العيص ،
وولدت له اليونان في أحد الأحوال ، ومن ولد العيص الأشباب قيل منهما أيضاً
وتوقف ابن جرير رحمه الله

ودفن نبي الله إسماعيل بالحجر مع أمه هاجر ، وكان عمره يوم مات مائة وسبعاً وثلاثين سنة

وروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال : شكا إسماعيل عليه السلام إلى ربه عز
وجل حر مكة ، فأوحى الله إليه : إني أفتح لك باباً من الجنة إلى الموضع
الذي تدفن فيه يجرى عليك روحها إلي يوم القيامة

وعرب الحجاز كلهم ينتسبون إلى ولديه : نابت ، وقيذار

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 2:35 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

ذكر إسحاق بن إبراهيم الكريم ابن الكريم عليهما الصلاة والسلام

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قد قدمنا أنه ولد ولأبيه مائة سنة ، بعد أخيه إسماعيل بأربع عشرة سنة ، وكان عمر أمه سارة حين بشرت به تسعين سنة

قال الله تعالى : " وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين * وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين "

وقد ذكره الله تعالى بالثناء عليه في غير ما آية من كتابه العزيز

وقدمنا في حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الكريم
ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم "

وذكر أهل الكتاب أن إسحاق لما تزوج رفقا بن بتواييل في حياة أبيه ، كان
عمره أربعين سنة ، وأنها كانت عاقراً فدعا الله لها فحملت ، فولدت غلامين
توأمين : أولهما اسمه عيصو وهو الذي تسميه العرب العيص وهو والد الروم
والثاني خرج وهو آخذ بعقب أخيه فسموه يعقوب وهو إسرائيل الذي ينتسب إلي
بنو إسرائيل

قالوا : وكان إسحاق يحب عيصو أكثر من يعقوب ، لأنه بكره ، وكانت أمهما رفقا تحب يعقوب أكثر ، لأنه الأصغر

قالوا : فلما كبر إسحاق وضعف بصره اشتهى على ابنه العيص طعاماً ، وأمره أن
يذهب فيصطاد له صيداً ويطبخه له ، ليبارك عليه ويدعو له ، وكان العيص صاحب
صيد ، فذهب يبتغي ذلك ، فأمرت رفقا ابنها يعقوب أن يذبح جديين من خيار
غنمه ، ويصنع منهما طعاماً كما اشتهاه أبوه ، ويأتي إليه به قبل أخيه ليدعو
له ، فقامت فألبسته ثياب أخيه ، وجعلت على ذراعيه وعنقه من جلد الجديين ،
لأن العيص كان أشعر الجسد ويعقوب ليس كذلك فلما جاء به وقربه إليه قال :
من أنت ؟ قال : ولدك ضمه إليه وجسه وجعل يقول : أما الصوت فصوت يعقوب ،
وأما الحبس والثياب فالعيص فلما وفرغ دعا له أن يكون أكبر أخواته قدراً ،
وكلمته عليهم وعلى الشعوب بعده ، وأن يكثر رزقه وولده

فلما خرج من عنده جاء أخوه العيص بما أمره والده فقربه إليه ، فقال له ،
ماهذا يابني ؟ قال : هذا الطعام الذي اشتهيته ، فقال : أما جئتني به قبل
ساعة وأكلت منه ودعوت لك ؟ فقال : لا والله ، وعرف أن أخاه قد سبقه إلى ذلك
، فوجد في نفسه عليه وجداً كثيراً وذكروا أنه تواعده بالقتل إذا مات
أبوهما ، وسأل أباه فدعا له بدعوة أخرى ، أن يجعل لذريته غليظ الأرض ، وأن
يكثر أرزاقهم وثمارهم

فلما سمعت أمهما ما يتواعد به العيص أخاه يعقوب ، أمرت ابنها يعقوب أن يذهب
إليه أخيها لابان الذي بأرض حران ، وأن يكون عنده إلى حين يسكن غضب أخيه
، وأن يتزوج من بناته ، وقالت لزوجها إسحاق أن يأمره بذلك ويوصيه ويدعو
له ففعل

فخرج يعقوب عليه السلام من عندهم من آخر ذلك اليوم ، فأدركه المساء في موضع
فنام فيه ، وأخذ حجراً فوضعه تحت رأسه ونام ، فرأى في نومه ذلك معراجاً
منصوباً من السماء إلى الأرض ، وإذا الملائكة يصعدون فيه وينزلون ، والرب
تبارك وتعالي يخاطبه ، ويقوله له : إني سأبارك عليك وأكثر ذريتك ، وأجعل لك
هذه الأرض ولعقبك من بعدك

فلما هب من نومه فرح بما رأى ، ونذر لله لئن رجع إلى أهله سالماً ليبنين في
هذا الموضع معبداً لله عز وجل ، وأن جميع ما يرزقه من شيء يكون لله عشره

ثم عمد إلى ذلك الحجر فجعل عليه دهناً يتعرفه به ، وسمى ذلك الموضع : بيت
إيل أي بيت الله ، وهو موضع بيت المقدس اليوم الذي بناه يعقوب بعد ذلك كما
سيأتي

قالوا : فلما قدم يعقوب على خاله أرض حران ، إذا له ابنتان : اسم الكبرى :
ليا واسم الصغرى راحيل وكانت أحسنهما وأجملهما ، فأجابه إلى ذلك بشرط
أن يرعى غنمه سبع سنين فلما مضت المدة على خاله لابان صنع طعاماً وجمع
الناس عليه ، وزف إليه ليلاً ابنته الكبرى ليا وكانت ضعيفة العينين قبيحة
المنظر فلما أصبح يعقوب إذا هي ليا فقال لخاله : غدرت بي ؟ وأنت إنما
خطبت إليك راحيل فقال : إنه ليس من سنتنا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى ، فإن
أحببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى وأزوجكها

فعمل سبع سنين وأدخلها عليه مع أختها وكان سائغاً في ملتهم ثم نسخ في
شريعة التوراة وهذا وحده دليل كاف على وقوع النسخ لأن فعل يعقوب عليه
السلام دليل على جواز هذا وإباحته ، لأنه معصوم ، ووهب لابان لكل واحدة
من ابنتيه جارية ، فوهب لـ ليا جارية اسمها زلفى ووهب لـ راحيل جارية
اسمها بلهى

وجبر الله تعالى ضعف ليا بأن وهب لها أولاداً ، فكان أول من ولدت ليعقوب ،
روبيل ، ثم شمعون ، ثم لاوى ، ثم يهوذا ، فغارت عند ذلك راحيل وكانت لا
تحبل ، فوهبت ليعقوب جاريتها بلهى فوطئها فحملت وولدت له غلاماً سمته دان
وحملت وولدت غلاماً آخر سمته نيفتالي فعمدت عند ذلك ليا فوهبت
جاريتها زلفى من يعقوب عليه السلام فولدت له : جاد ، وأشير ، غلامين
ذكرين ثم حملت ليا أيضاً فولدت غلاماً خامساً منها وسمته ايساخر ثم
حملت وولدت غلاماً سادساً سمته زابلون ثم حملت وولدت بنتاً سمتها دينا
فصار له سبعة من يعقوب

ثم دعت الله تعالى راحيل وسألته أن يهب لها غلاماً من يعقوب فسمع الله
نداءها وأجاب دعاءها ، فحملت من نبي الله يعقوب ، فولدت له غلاماً عظيماً
شريفاً حسناً جميلاً سمته يوسف

كل هذا وهم مقيمون بأرض حران ، وهو يرعى على خاله غنمه بعد دخوله على البنتين ست سنين أخرى ، فصار مدة مقامه عشرين سنة

فطلب يعقوب من خاله لابان أن يسرحه ليمر إلى أهله ، فقال له خاله : إني
قد بورك لي بسببك فسلني من مالي ما شئت فقال : تعطيني كل حمل يولد من غنمك
هذه السنة أبقع وكل حمل ما أبيض بسواد ، وكل أملح ببياض ، وكل أجلح أبيض
من المعز فقال : نعم

فعد بنوه فأبرزوا من غنم أبيهم ما كان على هذه الصفات من التيوس ، لئلا
يولد شيء من الحملان على هذه الصفات ، وساروا بها مسيرة ثلاثة أيام عن غنم
أبيهم

قالوا : فعمد يعقوب عليه السلام إلى قطبان رطبة بيض من لوز ولب ، فكان
يقشرها بلقاً ، وينصبها في مساقي الغنم من المياه ، لتنظر الغنم إليها
فتفزع وتتحرك أولادها في بطونها ، فتصير ألوان حملانها كذلك

وهذا يكون من باب خوارق العادات ، وينتظم في سلك المعجزات

فصار ليعقوب عليه السلام أغنام كثيرة ودواب وعبيد ، وتغير له وجه خاله وبنيه ، وكأنهم انحصروا منه

وأوحى الله تعالى إلى يعقوب أن يرجع إلى بلاد أبيه وقومه ، ووعده بأن يكون
معه ، فعرض له ذلك على أهله فأجابوه مبادرين إلى طاعته ، فتحمل بأهله وماله
، وسرقت راحيل أصنام أبيها

فلما جاوزوا وتحيزوا عن بلادهم ، لحقهم لابان وقومه فلما اجتمع لابان
بيعقوب عاتبه في خروجه بغير علمه ، وهلا أعلمه ، فيخرجهم في فرح ومزاهر
وطبول ، وحتى يودع بناته وأولادهن ولم أخذوا أصنامه معهم ؟

ولم يكن عند يعقوب علم من أصنامه ، فأنكر أن يكون أخذوا له أصناماً فدخل
بيوت بناته وإمائهن يفتش فلم يجد شيئاً ، وكانت راحيل قد جعلتهن في برذعة
الجمل وهي تحتها ، فلم تقم ، واعتذرت بأنها طامث فلم يقدر عليهن

فعند ذلك تواثقوا على رابية هناك يقال لها جلعاد على أن لا يهين بناته
ولا يتزوج عليهن ، ولا يجاوز هذه الرابية إلى بلاد الآخر ، لا لابان ولا
يعقوب ، وعمل طعاماً وأكل القوم عمهم وتودع كل منها من الآخر ، وتفارقوا
راجعين إلى بلادهم

فلما اقترب يعقوب من أرض ساعير تلقته الملائكة يبشرونه بالقدوم وبعث
يعقوب البرد على أخيه العيصو يترفق له ويتواضع له فرجعت البرد وأخبرت
يعقوب بأن العيص قد ركب إليه في أربعمائة راجل

فخشي يعقوب من ذلك ، ودعا الله عز وجل وصلى له ، وتضرع إليه وتمسكن لديه ،
وناشده عهده ووعده الذي وعده به وسأله أن يكف عنه شر أخيه العيص ، وأعد
لأخيه هدية عظيمة وهي : مائتا شاة ، وعشرون تيساً ، ومائتا نعجة ، وعشرون
كبشاً ، وثلاثون لقحة ، وأربعون بقرة ، وعشرة من الثيران ، وعشرون أتانا ،
وعشرة من الحمر ، وأمر عبيده أن يسوقوا كلا من هذه الأصناف وحده وليكن بين
كل قطيع وقطيع مسافة ، فإذا لقيهم العيص فقال للأول : من أنت ؟ ولمن هذا
معك ؟ فليقل : لعبدك يعقوب ، أهداها لسيدي العيص ، وليقل الذي بعده كذلك ،
وكذلك الذي بعده ، ويقول كل منهم : وهو جاء بعدنا

وتأخر يعقوب بزوجتيه وأمتيه وبنيه الأحد عشر بعد الكل بليلتين ، وجعل يسير
فيهما ليلاً ويكمن نهاراً ، فلما كان وقت الفجر من الليلة الثانية ، تبدى
له ملك من الملائكة في صورة رجل ، فظنه يعقوب ليصارعه ويغالبه ، فظهر عليه
يعقوب فيما يرى ، إلا أن الملك أصاب وركه فعرج يعقوب ، فلما أضاء الفجر
قال له الملك : ما اسمك ؟ قال : يعقوب قال : لا ينبغي أن تدعي بعد اليوم
إلا إسرائيل فقال له يعقوب : ومن أنت ، فذهب عنه فعلم أنه ملك من
الملائكة ، وأصبح يعقوب وهو يعرج من رجله فلذلك لا يأكل بنو إسرائيل عرق
النساء !

ورفع يعقوب عينيه فإذا أخوه عيصو قد أقبل في أربعمائة راجل ، فتقدم أمام
أهله فلما رأى أخاه العيص سجد له سبع مرات ، وكانت هذه تحيتهم في ذلك
الزمان وكان مشروعاً لهم ، كما سجدت الملائكة لآدم تحية له ، وكما سجد
أخوه يوسف وأبوه كما سيأتي

فلما رأى العيص تقدم إليه واحتضنه وقبله وبكى ، ورفع العيص عينيه ونظر إلى
النساء والصبيان فقال : من أين لك هؤلاء ؟ فقال : هؤلاء الذين وهب الله
لعبدك ، فدنت الأمتان وبنوهما فسجدوا له ودنت ليا وبنوها فسجدوا له ،
ودنت راحيل وابنها يوسف فخراً سجداً له وعرض عليه أن يقبل هديته وألح
عليه فقبلها

ورجع العيص فتقدم أمامه ، ولحقه يعقوب بأهله وما معه من الأنعام والمواشي والعبيد قاصدين جبال ساعير

فلما مر بساحور ابتني له بيتاً ، ولدوا به ظلالاً ، ثم مر على أورشليم قرية
شخيم فنزل قبل القرية ، واشترى مزرعة شخيم بن جمور بمائة نعجة ، فضرب
هنالك فسطاطه ، وابتني مذبحاً فسماه إيل إله إسرائيل وأمره الله ببنائه
ليستعلن له فيه وهو بيت المقدس اليوم ، الذي جدده بعد ذلك سليمان بن داود
عليهما السلام وهو مكان الصخرة التي علمها بوضع الدهن عليها قبل ذلك ، كما
ذكرنا أولاً

وذكر أهل الكتاب هنا قصة دينا بنت يعقوب بنت ليا وما كان من أمرها مع
شخيم بن جمور الذي قهرها على نفسها ، وأدخلها منزله ثم خطبها من أبيها
وإخوتها ، فقال إخوتها : إلا أن تختتنوا كلكم فنصاهركم وتصاهرونا ، فإنا لا
نصاهر قوماً غلفاً ، فأجابوهم إلى ذلك واختتنوا كلهم وقتلوا شخيماً وأباه
جمهور لقبيح ما صنعوا إليهم ، مضافاً إلى كفرهم ، وما كانوا يعبدونه من
أصنامهم ، فلهذا قتلهم بنو يعقوب وأخذوا أموالهم غنيمة

ثم حملت راحيل فولدت غلاماً هو بنيامين إلا أنها جهدت في طلقها به جهداً
شديداً وماتت عقبيه ، فدفنها يعقوب في أفراث وهي بيت لحم ، وصنع يعقوب
على قبرها حجراً ، وهي الحجارة المعروفة بقبر راحيل إلى اليوم ، وكان أولاد
يعقوب الذكور اثنى عشر رجلاً ، فمن ليا روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا
وايساخر وزابلون ومن راحيل : يوسف وبنيامين ، ومن أمة راحيل دان
ونفتالي ، ومن أمة ليا جاد وأشير عليهم السلام

وجاء يعقوب إلى أبيه إسحاق فأقام عنده بقرية حبرون التي في أرض كنعان حيث
كان يسكن إبراهيم ، ثم مرض إسحاق ومات عند مائة وثمانين سنة ودفنه ابناه :
العيص ، ويعقوب من أبيه إبراهيم الخليل في المغارة التي اشتراها كما قدمنا

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 2:40 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصة يوسف بن راحيل عليه السلام

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

ذكر ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل فمن ذلك :قصة يوسف بن راحيل عليه السلام

وقد
أنزل الله عز وجل في شأنه وما كان من أمره سورة من القرآن العظيم ، ليتدبر
ما فيها من الحكم والمواعظ والآداب والأمر الحكيم أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم : " الر تلك آيات الكتاب المبين * إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم
تعقلون * نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من
قبله لمن الغافلين "

قد تكلمنا على الحروف المقطعة في أول تفسير
سورة البقرة ، فمن أراد تحقيقه فلينظره ثم ، وتكلمنا على هذه السورة مستقصى
في موضعها من التفسير ونحن نذكر هاهنا نبذاً مما هناك على وجه الإيجاز
والنجاز

وجملة القول في هذا المقام : أنه تعالى يمدح كتابه العظيم
الذي أنزله على عبده ورسوله الكريم ، بلسان عربي فصيح ، بين واضح جلي ،
يفهمه كل عاقل ذكي زكي ، فهو أشرف كتاب نزل من السماء ، أنزله أشرف
الملائكة على أشرف الخلق في أشرف زمان ومكان ، بأفصح لغة وأظهر بيان

فإن كان السياق في الأخبار الماضية أو الآتية ذكر أحسنها وأبينها وأظهر الحق مما اختلف الناس فيه ، ودمغ الباطل وزيفه ورده

وإن
كان في الأوامر والنواهي فأعدل الشرائع وأوضح المناهج ، وأبين حكماً وأعدل
حكماً فهو كما قال تعالى : " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا "

يعني صدقاً في الأخبار ، وعدلاً في الأوامر والنواهي

ولهذا
قال تعالى : " نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن
كنت من قبله لمن الغافلين " أي بالنسبة إلى ما أوحي إليك فيه

كما
قال تعالى : " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا
الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط
مستقيم * صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير
الأمور "

وقال تعالى : ‌" كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد
آتيناك من لدنا ذكرا * من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا * خالدين
فيه وساء لهم يوم القيامة حملا "

يعني من أعرض عن هذا القرآن واتبع
غيره من الكتب فإنه يناله هذا الوعيد كما قال في الحديث المروي في
المسند و الترمذي عن أمير المؤمنين علي ، مرفوعاً وموقوفاً : " من
ابتغى الهدى في غيره أضله الله "

وقال الإمام أحمد : حدثنا سريج
بن النعمان ، حدثنا هشام ، أنبأنا خالد عن الشعبي عن جابر : أن عمر بن
الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب ،
فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم قال : فغضب وقال : " أتتهوكون فيها يا
ابن الخطاب ؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء
فيخبروكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه ، والذي نفس بيده لو أن موسى كان
حياً ما وسعه إلا أن يتبعني " إسناد صحيح

ورواه أحمد من وجه
آخر عن عمر وفيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده
لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ، إنك حظي من الأمم وأنا
حظكم من النبيين "

وقد أوردت طرق هذا الحديث وألفاظه في أول سورة
يوسف وفي بعضها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال في
خطبته : " أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه ، واختصر لي
اختصاراً ، وقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا ، ولم يغرنكم المتهوكون "
ثم أمر بتلك الصحيفة فمحيت حرفاً حرفاً

" إذ قال يوسف لأبيه يا
أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين * قال يا بني
لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين *
وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب
كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم "

قد
قدمنا أن يعقوب كان له من البنين اثنا عشر ولداً ذكراً وسميناهم وإليهم
تنسب أسباط بني إسرائيل كلهم ، وكان أشرفهم وأجلهم وأعظمهم يوسف عليه
السلام

وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أنه لم يكن فيهم نبي غيره ، وباقي إخوته لم يوح إليهم

وظاهر ما ذكر من فعالهم ومقالهم في هذه القصة يدل على هذا القول

ومن
استدل على نبوتهم بقوله : " قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط " وزعم أن هؤلاء هم الأسباط فليس
استدلاله بقوي ، لأن المراد بالأسباط شعوب بني إسرائيل وما كان يوجب فيهم
من الأنبياء الذين ينزل عليهم الوحي من السماء والله أعلم

ومما يؤيد أن يوسف عليه السلام هو المختص من بين إخوته بالرسالة والنبوة أنه ما نص على واحد من إخوته سواه ، فدل على ما ذكرناه

ويستأنس
لهذا بما قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا عبد الرحمن ، عن
عبد الله ابن دينار ، عن أبيه عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : " الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن
إسحاق بن إبراهيم "

انفرد به البخاري ، فرواه عن عبد الله بن
محمد وعبدة عن عبد الصمد بن عبد الوارث به وقد ذكرنا طرفه قي قصة إبراهيم
بما أغنى عن إعادته هنا ولله الحمد والمنة

قال المفسرون وغيرهم :
رأى يوسف عليه السلام وهو صغير قبل أن يحتلم ، كأن أحد عشر كوكباً ، وهم
إشارة إلى بقية إخوته ، والشمس والقمر وهما عبارة عن أبويه ، قد سجدوا له ،
فهاله ذلك

فلما استيقظ قصها على أبيه ، فعرف أبوه أن سينال منزلة
عالية ورفعة عضيمة في الدنيا والآخرة ، بحيث يخضع له أبوه وإخوته فيها ،
فأمره بكتمانها وألا يقصها على إخوته ، كيلا يحسدوه ويبغوا له الغوائل
ويكيدوه بأنواع الحيل والمكر ، وهذا يدل على ما ذكرناه

ولهذا جاء في بعض الآثار : استعينوا على قضاء حوائجكم بكتمانها ، فإن كل ذي نعمة محسود

وعند أهل الكتاب أنه قصها على أبيه وإخوته معاً ، وهو غلط منهم

"
وكذلك يجتبيك ربك " أي وكما أراك هذه الرؤيا العظيمة ، فإذا كتمتها "
يجتبيك ربك " أي يخصك بأنواع اللطف والرحمة " ويعلمك من تأويل الأحاديث "
أي يفهمك من معاني الكلام وتعبير المنام ما لا يفهمه غيرك

" ويتم
نعمته عليك " أي بالوحي إليك " وعلى آل يعقوب " أي بسببك ويحصل لهم بك خير
الدنيا والآخرة " كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق " أي ينعم
عليك ويحسن إليك بالنبوة ، كما أعطاها أباك يعقوب ، وجدك إسحاق ، ووالد جدك
إبراهيم الخليل ، " إن ربك عليم حكيم " كما قال تعالى : " الله أعلم حيث
يجعل رسالته

لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل : أي الناس أكرم ؟ قال : " يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله "

وقد
روى ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما ، وأبو يعلى والبزار في مسنديهما
، من حديث الحكم بن ظهير - وقد ضعفه الأئمة - عن السدي عن عبد الرحمن بن
سابط ، عن جابر قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود يقال له :
بستانة اليهودي ، فقال : يا محمد أخبرني عن الكوا كب التي رآها يوسف
أنها ساجدة له ما أساؤها ؟ قال : فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه
بشيء ، ونزل جبريل عليه السلام بأسمائها قال : فبعث إليه رسول الله فقال :
" هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها " قال : نعم فقال : " هي جريان ،
والطارق ، والذيال ، وذو الكتفان ، وقابس ، ووثاب ، وعمودان ، والفيلق ،
والمصبح ، والضروح ، وذو الفرع ، والضياء ، والنور "

فقال اليهودي :
أي والله إنها لأسماؤها وعند أبي يعلى : فلما قصها على أبيه قال : هذا
أمر مشتت يجمعه الله ، والشمس أبوه والقمر أمه

" لقد كان في يوسف
وإخوته آيات للسائلين * إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة
إن أبانا لفي ضلال مبين * اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم
وتكونوا من بعده قوما صالحين * قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في
غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين "

ينبه تعالى على ما
في هذه القصة من الآيات والحكم ، والدلالات المواعظ والبينات ثم ذكر حسد
إخوة يوسف له على محبة أبيه له ولأخيه - يعنون شقيقه لأمه بنيامين - أكثر
منهم ، وهم عصبة أي جماعة يقولون : فكنا نحن أحق بالمحبة من هذين " إن
أبانا لفي ضلال مبين " أي بتقديمه حبهما علينا

ثم اشتوروا فيما
بينهم في قتل يوسف ، أو إبعاده إلى أرض لا يرجع منها ، ليخلوا لهم وجه
أبيهم : أي لتتمحض محبته لهم وتتوفر عليهم ، وأضمروا التوبة بعد ذلك

فلما
تمالئوا على ذلك وتوافقوا عليه : " قال قائل منهم " قال مجاهد : هو شمعون ،
وقال السدي : هو يهوذا وقال قتادة ومحمد بن إسحاق : هو أكبرهم روبيل : "
لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة " أي المارة من
المسافرين " إن كنتم فاعلين " ما تقولون لا محالة ، فليكن هذا الذي أقول
لكم فهو أقرب حالاً من قتله أو نفيه وتغريبه

فأجمعوا رأيهم على
هذا ، فعند ذلك " قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون *
أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون * قال إني ليحزنني أن تذهبوا
به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون * قالوا لئن أكله الذئب ونحن
عصبة إنا إذا لخاسرون " طلبوا من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف ، وأظهروا
له أنهم يريدون أن يرعي معهم ، وأن يلعب وينبسط وقد أضمروا له ما الله به
عليم

فأجابهم الشيخ ، عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم : يا
بني يشق علي أن أفارقه ساعة من النهار ، ومع هذا أخشى أن تشغلوا في لعبكم
وما أنتم فيه ، فيأتي الذئب فيأكله ، ولا يقدر على دفعه عنه لصغره وغفلتكم
عنه

" قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون " أي لئن
عدا عليه الذئب فأكله من بيننا ، أو اشتغلنا عنه حتى وقع هذا ونحن جماعة ،
إنا إذن لخاسرون ، أي عاجزون هالكون

وعند أهل الكتاب : أنه أرسله
وراءهم يتبعهم ، فضل عن الطريق حتى أرشده رجل إليهم ، وهذا أيضاً من غلطهم
وخطئهم في التعريب ، فإن يعقوب عليه السلام كان أحرص عليه من أن يبعثه معهم
فكيف يبعثه وحده

" فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب
وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون * وجاؤوا أباهم عشاء
يبكون * قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله
الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين * وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل
سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون "

لم
يزالوا بأبيهم حتى بعثه معهم ، فما كان إلا أن غابوا عن عينيه ، فجعلوا
يشتمونه ويهينونه بالفعال والمقال ، وأجمعوا على إلقائه في غيابة الجب ، أي
في قعره على راعونته ، وهي الصخرة التي تكون في وسطه يقف عليها الماتح
وهو الذي ينزل لميلأ الدلاء إذا قل الماء ، والذي يرفعها بالحبل يسمى
الماتح

فلما ألقوه فيه ، أوحى الله إليه : أنه لا بد لك من فرج
ومخرج من هذه الشدة التي أنت فيها ، ولتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا في حال أنت
فيها عزيز ، وهم محتاجون إليك خائفون منك ، " وهم لا يشعرون "

قال
مجاهد وقتادة : وهم لا يشعرون بإيحاء الله إليه ذلك وعن ابن عباس : " وهم
لا يشعرون " أي لتخبرنهم بأمرهم هذا في حال لا يرفونك فيها ، رواه ابن جرير
عنه

فلما وضعوه فيه ورجعوا عنه ، أخذوا قميصه فلطخوه بشيء من دم ،
ورجعوا إلى أبيهم عشاء وهم يبكون ، أي على أخيهم ولهذا قال بعض السلف :
لا يغرنك بكاء المتظلم فرب ظالم وهو باك ! وذكر بكاء إخوة يوسف وقد جاءوا
أباهم عشاء يبكون ، أي في ظلمة الليل ، ليكون أمشى لغدرهم لا لعذرهم

"
قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا " أي ثيابنا "
فأكله الذئب " أي في غيبتنا عنه في استباقنا وقولهم : " وما أنت بمؤمن لنا
ولو كنا صادقين " أي ما أنت بمصدق لنا في الذي أخبرناك من أكل الذئب له ،
ولو كنا غير متهمين عندك

فكيف وأنت تتهمنا في هذا ؟ فإنك خشيت أن
يأكله الذئب ، وضمنا لك ألا يأكله لكثرتنا حوله ، فصرنا غير مصدقين عندك ،
فمعذور أنت في عدم تصديقك لنا والحالة هذه

" وجاؤوا على قميصه بدم
كذب " أي مكذوب مفتعل ، لأنهم عمدوا إلى سخلة ذبحوها فأخذوا من دمها
فوضعوه على قميصه ، ليوهموه أنه أكله الذئب قالوا : ونسوا أن يحرقوه ،
وآفة الكذب النسيان ! ولما ظهرت عليهم علائم الريبة لم يرج صنيعهم على
أبيهم ، فإنه كان يفهم عداوتهم له ، وحسدهم إياه على محبته له من بينهم
أكثر منهم ، لما كان يتوسم فيه من الجلالة والمهابة التي كانت عليه في صغره
لما يريد الله أن يخصه به من نبوته ولما راودوه عن أخذه فبمجرد ما أخذوه
أعدموه ، وغيبوه عن عينيه وجاءوا وهو يتباكون ، وعلى ما تمالئوا يتواطئون
ولهذا : " قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما
تصفون "

وعند أهل الكتاب : أن روبيل أشار بوضعه في الجب ليأحذه من
حيث لا يشعرون ويرده إلي أبيه ، فغافلوه وباعوه لتلك القافلة فلما جاء
روبيل آخر النهار ليخرج يوسف لم يجده ، فصاع وشق ثيابه ، وعمد أولئك إلى
جدى فذبحوه ، ولطخوا من دمه جبة يوسف ، فلما علم يعقوب شق ثيابه ، ولبس
مئزراً أسود وحزن على ابنه أياماً كثيرة ، وهذه الركاكة جاءت من خطئهم في
التعبير والتصوير

" وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا
بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون * وشروه بثمن بخس دراهم
معدودة وكانوا فيه من الزاهدين * وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي
مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من
تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون * ولما بلغ
أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين "

يخبر الله تعالى عن
قصة يوسف حين وضع في الجب : أنه جلس ينتظر فرج الله ولطفه به ، فجاءت سيارة
، أي مسافرون قال أهل الكتاب : كانت بضاعتهم من الفستق والصنوبر والبطم
قاصدين ديار مصر من الشام ، فأرسلوا بعضهم ليستقوا من ذلك البئر ، فلما
أدلى أحدهم دلوه تعلق فيه يوسف

فلما رآه ذلك الرجل " قال يا بشرى "
أي يا بشارتي " هذا غلام وأسروه بضاعة " أي أوهموا أنه معهم غلام من جملة
متجرهم " والله عليم بما يعملون " أي هو عالم بما تمالأ عليه إخوته ، وبما
يسره واجدوه من أنه بضاعة لهم ، ومع هذا لا يغيره تعالى ، لما له في ذلك من
الحكمة العظيمة والقدر السابق والرحمة بأهل مصر ، بما يجري الله على يدي
هذا الغلام الذي يدخلها في صورة أسير رقيق ، ثم بعد هذا يملكه أزمة الأمور
وينفعهم الله به في دنياهم وأخراهم ، بما لا يحد ولا يوصف

ولما
استشعر إخوة يوسف بأخذ السيارة له لحقوهم ، وقالوا هذا غلامنا أبق منا ،
فاشتروه منهم بثمن بخس ، أي قليل نزر ، وقيل هو الزيف : " دراهم معدودة
وكانوا فيه من الزاهدين "

قال ابن مسعود وابن عباس ونوف البكالي
والسدي وقتادة وعطية العوفي : باعوه بعشرين درهماً اقتسموها درهمين وقال
مجاهد : اثنان وعشرون درهماً وقال عكرمة ومحمد بن إسحاق : أربعون درهماً
والله أعلم

" وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه " أي
أحسني إليه " عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا " وهذا من لطف الله به ورحمته
وإحسانه إليه ، بما يريد أن يؤهله له ويعطيه من خيري الدنيا والآخرة

قالوا
: وكان الذي اشتراه من أهل مصر عزيزها وهو الوزير بها ، الذي الخزائن
مسلمة إليه قال ابن إسحاق : واسمه أطفير بن روحيب قال : وكان ملك مصر
يومئذ الريان بن الوليد ، رجل من العماليق قال : واسم امرأة العزيز :
راعيل بنت رماييل وقال غيره : كان اسمها زليخا والظاهر أنه لقبها
وقيل فكا بنت ينوس ، رواه الثعلبي عن ابن هشام الرفاعي

وقال محمد
بن إسحاق عن محمد بن السائب عن أبي صالح ، عن ابن عباس : كان اسم الذي
باعه بمصر - يعني الذي جلبه إليها - مالك بن زعر بن نويت بن مديان بن
إبراهيم والله أعلم

وقال ابن إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود
قال : أفرس الناس ثلاثة : عزيز مصر حيث قال لامرأته " أكرمي مثواه "
والمرأة التي قالت لأبيه عن موسى : " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت
القوي الأمين " وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

ثم قيل : اشتراه العزيز بعشرين ديناراً ، وقيل بوزنه مسكاً ووزنه حريراً ووزنه ورقاً والله أعلم

وقوله
: " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض " أي وكما قيضنا هذا العزيز وامرأته يحسنان
إليه ، ويعتنيان به ، مكنا له في أرض مصر " ولنعلمه من تأويل الأحاديث "
أي فهمها ، وتعبير الرؤيا من ذلك " والله غالب على أمره " أي إذا أراد
شيئاً فإنه يقيض له أسباباً وأموراً لا يهتدى إليها العباد ولهذا قال
تعالى : " ولكن أكثر الناس لا يعلمون "

" ولما بلغ أشده آتيناه
حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين " فدل على أن هذا كله كان وهو قبل بلوغ
الأشد ، وهو حد الأربعين الذي يوحى الله فيه إلى عباده النبيين ، عليهم
الصلاة والسلام من رب العالمين

وقد اختلفوا في مدة العمر الذي هو
بلوغ الأشد : فقال مالك وربيعة وزيد بن أسلم الشعبي : هو الحلم وقال سعيد
بن جبير : ثماني عشرة سنة وقال الضحاك : عشرون سنة ، وقال عكرمة : خمس
وعشرون سنة وقال السدي : ثلاثون سنة وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة : ثلاتة
وثلاثون سنة وقال الحسن : أربعون سنة ، ويشهد له قوله تعالى : " حتى إذا
بلغ أشده وبلغ أربعين سنة "

" وراودته التي هو في بيتها عن نفسه
وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح
الظالمون * ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه
السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين * واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر
وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو
عذاب أليم * قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من
قبل فصدقت وهو من الكاذبين * وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من
الصادقين * فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم *
يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين "

يذكر تعالى
ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام عن نفسه وطلبها منه ما
لا يليق بحاله ومقامه ، وهي في غاية الجمال والمال ، والمنصب والشباب ،
وكيف غلقت الأبواب عليها وعليه وتهيأت له وتصنعت ، ولبست أحسن ثيابها
وأفخر لباسها ، وهي مع هذا كله امرأة الوزير قال ابن إسحاق : وبنت أخت
الملك الريان ابن الوليد صاحب مصر

وهذا كله من أن يوسف عليه السلام
شاب بديع الجمال والبهاء ، إلا أنه نبي من سلالة الأنبياء ، فعصمه ربه عن
الفحشاء ، وحماه عن مكر النساء ، فهو سيد السادة النجباء ، السبع الأتقياء ،
المذكورين في الصحيحين عن خاتم الأنبياء ، في قوله عليه الصلاة والسلام
من رب الأرض والسماء : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام
عادل ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ، ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج
منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل
تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، وشاب نشأ في عبادة
الله ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله "

والمقصود
أنها دعته إليها وحرصت على ذلك أشد الحرص ، فقال " معاذ الله إنه ربي "
يعنى زوجها صاحب المنزل سيدي " أحسن مثواي " أي أحسن إلي وأكرم مقامي عنده "
إنه لا يفلح الظالمون " وقد تكلمنا على قوله تعالى : " ولقد همت به وهم
بها لولا أن رأى برهان ربه " بما فيه كفاية ومقنع في التفسير

وأكثر أقوال المفسرين هاهنا متلقي من كتب أهل الكتاب ، فالإعراض عنه أولى بنا

والذي
يجب أن يعتقد : أن الله تعالى عصمه وبرأه ، ونزهه عن الفاحشة وحماه عنها
وصانه منها ، ولهذا قال تعالى : " كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من
عبادنا المخلصين "

" واستبقا الباب " أي هرب منها طالباً الباب
ليخرج منه فراراً منها فاتبعته في أثره " وألفيا " أي وجدا " سيدها " أي
زوجها " لدى الباب " فبدرته بالكلام وحرضته عليه " قالت ما جزاء من أراد
بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم " اتهمته وهي المتهمة وبرأت عرضها
ونزهت ساحتها ، فلهذا قال يوسف عليه السلام : " هي راودتني عن نفسي " احتاج
إلى أن يقول الحق عند الحاجة

" وشهد شاهد من أهلها " قيل كان
صغيراً في المهد قاله ابن عباس ، وروى عن أبي هريرة وهلال بن يساف والحسن
البصري وسعيد بن جبير والضحاك ، واختاره ابن جرير ، وروى فيه حديثاً
مرفوعاً عن ابن عباس ، ووقفه غيره عنه

وقيل كان رجلاً قريباً إلى
وقطفير بعلها ، وقيل قريباً إليها ، وممن قال إنه كان رجلاً : ابن عباس
وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وزيد بن أسلم

فقال
: " إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين " أي لأنه يكون قد
راودها فدافعته حتى قدت مقدم قميصه " وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو
من الصادقين " أي لأنه يكون قد هرب منها فاتبعته وتعلقت فيه فانشق قميصه
لذلك ، وكذلك كان ولهذا قال تعالى : " فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من
كيدكن إن كيدكن عظيم " أي هذا الذي جرى من مكركن ، أنت راودتيه عن نفسه ،
ثم اتهمتيه بالباطل

ثم أضرب بعلها عن هذا صفحاً فقال : " يوسف أعرض
عن هذا " أي لا تذكره لأحد ، لأن كتمان مثل هذه الأمور هو الأليق والأحسن ،
وأمرها بالإستغفار لذنبها الذي صدر منها والتوبة إلى ربها ، فإن العبد إذا
تاب إلى الله تاب الله عليه

وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الأصنام ،
إلا أنهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب ويؤاخذ بها هو الله وحده لا شريك له
في ذلك ولهذا قال لها بعلها ، وعذرها من بعض الوجوه ، لأنها رأت ما لا صبر
لها على مثله ، إلا أنه عفيف نزيه برىء العرض سليم الناحية فقال : "
استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين "

" وقال نسوة في المدينة امرأة
العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين * فلما
سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئا وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت
اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن
هذا إلا ملك كريم * قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه
فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين * قال رب السجن
أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين *
فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم "

يذكر تعالى
ما كان من قبل نساء المدينة ، من نساء الأمراء وبنات الكبراء في الطعن على
امرأة العزيز وعيبها ، والتشنيع عليها في مراودتها فتاها ، وحبها الشديد
له ، وهو لا يساوي هذا ، لأنه مولى من الموالي وليس مثله أهلا لهذا ولهذا
قلن : " إنا لنراها في ضلال مبين " أي في وضعها الشيء في غير محله

"
فلما سمعت بمكرهن " أي بتشنيعهن عليها والتنقص لها ، والإشارة إليها
بالعيب والمذمة بحب مولاها وعشق فتاها ، فأظهرن ذماً وهي معذورة في نفس
الأمر ، فلهذا أحبت أن تبسط عذرها عندهن ، وتبين أن هذا الفتي ليس كما حسبن
، ولا من قبيل ما لديهن فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها ، وأعتدت لهن
ضيافة مثلهن ، وأحضرت جملة ذلك شيئاً مما يقطع بالسكاكين ، كالأترج ونحوه ،
وآتت كل واحدة منهن سكيناً ، وكانت قد هيأت يوسف عليه السلام ، وألبسته
أحسن الثياب وهو في غاية طراوة الشباب وأمرته بالخروج عليهن بهذه الحالة ،
فخرج وهو أحسن من البدر لا محالة

" فلما رأينه أكبرنه " أي أعظمنه
وأجللنه وهبنه ، وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم ، وبهرهن حسنه حتى
اشتغلن عن أنفسهن ، وجعلن يحززن في أيديهن بتلك السكاكين ولا يشعرن بالجراح
" وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم "

وقد جاء في
حديث الإسراء : " فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن " قال السهيلي
وغيره من الأئمة : معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام ، لأن
الله تعالى خلق آدم بيده ، ونفخ فيه من روحه ، فكان في غاية نهايات الحسن
البشري ولهذا يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم وحسنه ، ويوسف كان على
النصف من حسن آدم ولم يكن بينهما أحسن منهما ، كما أنه لم تكن أنثى بعد
حواء أشبه بها من سارة امرأة الخليل عليه السلام

قال ابن مسعود :
وكان وجه يوسف مثل البرق ، وكانت إذا أتته امرأة لحاجة غطى وجهه وقال غيره
: كان في الغالب مبرقعاً لئلا يراه الناس ولهذا لما قام عذرن امرأة
العزيز في محبتها لهذا المعني المذكور ، وجرى لهن وعليهن ما جرى من تقطيع
أيديهن بجراح السكاكين ، وما ركبهن من المهابة والدهش عند رؤيته ومعاينته

"
قالت فذلكن الذي لمتنني فيه " ثم مدحته بالعفة التامة فقالت : " ولقد
راودته عن نفسه فاستعصم " أي امتنع " ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا
من الصاغرين "

وكان بقية النساء حرضنه على السمع والطاعة لسيدته ،
فأبي أشد الإباء ، ونأى لأنه من سلالة الأنبياء ، ودعا فقال في دعائه لرب
العالمين : " رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب
إليهن وأكن من الجاهلين " يعنى إن وكلتني إلى نفسي ، فليس لي من نفسي إلا
العجز والضعف ، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله فأنا ضعيف
إلا ما قويتني وعصمتني وحفظتني وحطتني بحولك وقوتك

ولهذا قال
تعالى : " فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم * ثم بدا
لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين * ودخل معه السجن فتيان قال
أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل
الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين * قال لا يأتيكما طعام
ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت
ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون * واتبعت ملة آبائي إبراهيم
وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا
وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون * يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير
أم الله الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم
وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا
إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون * يا صاحبي السجن أما
أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر
الذي فيه تستفتيان "

يذكر تعالى عن العزيز وامرأته أنهم بدا لهم ،
أي ظهر لهم من الرأي بعد ما علموا براءة يوسف أن يسجنوه إلى وقت ، ليكون
ذلك أقل لكلام الناس في تلك القضية ، وأحمد لأمرها ، وليظهروا أنه راودها
عن نفسها فسجن بسببها ، فسجنوه ظلماً وعدواناً

وهذا مما قدر الله له ، ومن جملة ما عصمه به ، فإنه أبعد له عن معاشرتهن ومخالطتهم

ومن هاهنا استنبط بعض الصوفية ما حكاه عنهم الشافعي : أن من العصمة ألا تجد !

قال
الله : " ودخل معه السجن فتيان " قيل : كان أحدهما ساقي الملك واسمه فيما
قيل بنوا والآخر خبازه ، يعنى الذي يلي طعامه ، وهو الذي يقوله له الترك
الجاشنكير واسمه فيما قيل مجلث وكان الملك قد اتهمهما في بعض الأمور
فسجنهما فلما رأيا يوسف في السجن أعجبتهما سمته وهديه ، ودله وطريقته ،
وقوله وفعله ، وكثرة عبادته ربه ، وإحسانه إلى خلقه ، فرأى كل واحد منهما
رؤيا تناسبه

قال أهل التفسير : رأيا في ليلة واحدة أما الساقي
فرأى كأن ثلاثة قضبان من حبلة وقد أورقت وأينعت عناقيد العنب ، فأخذها
فاعتصرها في كأس الملك وسقاه ورأى الخباز على رأسه ثلاث سلال من خبز ،
وضواري الطيور تأكل من السلة الأعلى

فقصاها عليه وطلبا منه أن
يعبرها لهما وقالا : " إنا نراك من المحسنين " فأخبرهما أنه عليم بتعبيرها
خبير بأمرها " قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن
يأتيكما " قيل : معناه مهما رأيتما من حلم فإني أعبره لكم قبل وقوعه فيكون
كما أقول وقيل معناه أني أخبركم بما يأتيكما من الطعام قبل مجيئه حلواً
وحامضاً ، كما قال عيسى : " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم "

وقال
لهما : إن هذا من تعليم الله إياى ، لأني مؤمن به موحد له متبع ملة آبائي
الكرام : إبراهيم الخليل ، وإسحاق ويعقوب " ما كان لنا أن نشرك بالله من
شيء ذلك من فضل الله علينا " أي أن هدانا لهذا ، " وعلى الناس " أي بأن
أمرنا أن ندعوهم إليه ونرشدهم وندلهم عليه وهو في فطرهم مركوز ، وفي جبلتهم
مغروز ، " ولكن أكثر الناس لا يشكرون "

ثم دعاهم إلى التوحيد وذم
عبادة ما سوى الله عز وجل ، وصغر أمر الأوثان وحقرها ، وضعف أمرها فقال : "
يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار * ما تعبدون من
دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم
إلا لله " أي المتصرف في خلقه الفعال لما يريد ، الذي يهدي من يشاء ويضل من
يشاء " أمر أن لا تعبدوا إلا إياه " أي وحده لا شريك له و " ذلك الدين
القيم " أي المستقيم والصراط القويم " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " أي فهم
لا يهتدون إليه مع وضوحه وظهوره

وكانت دعوته لهما في هذه الحال في
غاية الكمال ، لأن نفوسهما معظمة له ، منبعثة على تلقى ما يقول بالقبول ،
فناسب أن يدعوهما إلى ما هو الأنفع لهما مما سألا عنه وطلبا منه

ثم
لما قام بما وجب عليه وأرشد إلى ما أرشد إليه قال : " يا صاحبي السجن أما
أحدكما فيسقي ربه خمرا " قالوا وهو الساقي " وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير
من رأسه " قالوا وهو الخباز " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان " أي وقع هذا
لا محالة ، ووحب كونه على كل حالة ولهذا جاء في الحديث : " الرؤيا على رجل
طائر على ما لم تعبر ، فإذا عبرت وقعت "

وقد روى عن ابن مسعود ومجاهد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهما قالا : لم نر شيئاً ، فقال لهما : " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان "

" وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين "

يخبر
تعالى أن يوسف قال للذي ظنه ناجياً منهما وهو الساقي : " اذكرني عند ربك "
يعنى اذكر أمري وما أنا فيه من السجن بغير جرم عند الملك وفي هذا دليل
على جواز السعي في الأسباب ، ولا ينافي ذلك التوكل على رب الأرباب

وقوله
: " فأنساه الشيطان ذكر ربه " أي فأنسى الناجي منهما الشيطان أن يذكر ما
وصاه به يوسف عليه السلام قال مجاهد ومحمد بن إسحاق وغير واحد وهو الصواب
، وهو منصوص أهل الكتاب

" فلبثت " يوسف " في السجن بضع سنين "
والبضع : ما بين الثلاث إلى التسع ، وقيل إلى السبع ، وقيل إلى الخمس ،
وقيل ما دون العشرة : حكاها الثعلبي ، ويقال بضع نسوة وبضعة رجال

ومنع
الفراء استعمال البضع فيما دون العشر قال وإنما يقال نيف وقال الله
تعالى : " فلبث في السجن بضع سنين " وقال تعالى " في بضع سنين " وهذا رد
لقوله

قال الفراء : ويقال بضعة عشر وبعضة وعشرون إلى التسعين ، ولا
يقال : بضع ومائة ، وبضع وألف وخالف الجوهري فيما زاد على بضعة عشر ،
فمنع أن يقال بضعة وعشرون إلى تسعين وفي الصحيح : " الإيمان بضع وستون
شعبة " وفي رواية : " وسبعون شعبة ، وأعلاها قول لا إله إلا الله ، وأدناها
إماطة الأذى عن الطريق "

ومن قال إن الضمير في قوله : " فأنساه الشيطان ذكر ربه " عائد على يوسف فقد ضعف ما قاله ، وإن كان قد روى عن ابن عباس وعكرمة

والحديث الذي رواه ابن جرير في هذا الموضع ضعيف من كل وجه ، تفرد بإسناده إبراهيم ابن يزيد الخوري المكي وهو متروك

ومرسل الحسن وقتادة لا يقبل ، ولا هاهنا بطريق الأولى والأحرى والله أعلم

فأما
قول ابن حبان في صحيحه عند ذكر السبب الذي من أجله لبث يوسف في السجن
ما لبث : أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي ، حدثنا مسدد بن مسرهد ، حدثنا
خالد بن عبد الله ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله يوسف لولا الكلمة التي
قالها " اذكرني عند ربك " ما لبث في السجن ما لبث ، ورحم الله لوطاً إن كان
ليأوي إلى ركن شديد ، إذ قال لقومه : " لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن
شديد " ، قال : فما بعث الله نبياً بعده إلا في ثروة من قومه "

فإنه
حديث منكر من هذا الوجه ومحمد بن عمرو بن علقمة له أشياء ينفرد بها وفيها
نكارة وهذه اللفظة من أنكرها وأشدها والذي في الصحيحين يشهد بغلطها
والله أعلم

" وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف
وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا
تعبرون * قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين * وقال الذي
نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون * يوسف أيها الصديق
أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي
أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون * قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه
في سنبله إلا قليلا مما تأكلون * ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما
قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون * ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس
وفيه يعصرون "

هذا كان من جملة أسباب خروج يوسف عليه السلام من
السجن على وجه الإحترام والإكرام ، وذلك أن ملك مصر ، وهو الريان بن الوليد
بن ثروان بن أراشة بن فاران بن عمرو ابن عملاق بن لاوذ ابن سام بن نوح ،
رأي هذه الرؤيا

قال أهل الكتاب : رأى كأنه على حافة نهر ، وكأنه قد
خرج منه سبع بقرات سمان ، فجعلن يرتعن في روضة هناك ، فخرجت سبع هزال ضعاف
من ذلك النهر ، فرتعن معهن ثم ملن عليهن فأكلنهن ، فاستيقظ مذعوراً ، ثم
نام فرأي سبع سنبلات خضر في قصبة واحدة ، وإذا سبع أخر دقاق يابسات فأكلنهن
، فاستيقظ مذعوراً

فلما قصها على ملئه وقومه لم يكن فيهم من يحسن
تعبيرها ، بل " قالوا أضغاث أحلام " أي أخلاط أحلام من الليل ، لعلها لا
تعبير لها ، ومع هذا فلا خبرة لنا بذلك ولهذا قالوا : " وما نحن بتأويل
الأحلام بعالمين " فعند ذلك تذكر الناجي منهما ، الذي وصاه يوسف بأن يذكره
عند ربه فنسيه إلى حينه هذا ، وذلك عن تقدير الله عز وجل وله الحكمة في
ذلك فلما سمع رؤيا الملك ، ورأى عجز الناس عن تعبيرها ، تذكر أمر يوسف ،
وما كان أوصاه به من التذكار

ولهذا قال تعالى : " وقال الذي نجا
منهما وادكر " أي تذكر " بعد أمة " أي بعد مدة من الزمان ، وهو بضع سنين
وقرأ بعضهم كما حكى عن ابن عباس وعكرمة والضحاك : " وادكر بعد أمة " أي بعد
نسيان وقرأها مجاهد : " بعد أمة " بإسكان الميم وهو النسيان أيضاً يقال
أمه الرجل يأمه أمها وأمهاً إذا نسى قال الشاعر :

أمهت وكنت لا أنسى حديثاً كذلك الدهر يزرى بالعقول

فقال
لقومه وللملك : " أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون " أي فأرسلوني إلى يوسف
فجاءه فقال : " يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف
وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون "

وعند
أهل الكتاب : أن الملك لما ذكره له الساقي ، استدعاه إلى حضرته ، وقص عليه
ما رآه ففسره له وهذا غلط والصواب ما قصه الله في كتابه القرآن لا ما
عربه هؤلاء الجهلة الثيران من فرى وهذيان

فبذل يوسف عليه السلام
ما عنده من العلم بلا تأخر ولا شرط ، ولا طلب الخروج سريعاً ، بل أجابهم
إلى ما سألوه ، وعبر لهم ما كان من منام الملك ، الدال على وقوع سبع سنين
من الخصب ويعقبها سبع جدب " ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس " يعنى
يأتيهم الغيث والخصب والرفاهية " وفيه يعصرون " يعنى ما كانوا يعصرونه من
الأقطاب والأعناب والزيتون والسمسم وغيرها

فعبر لهم وعلى الخير
دلهم ، وأرشدهم إلى ما يعتمدونه في حالتي خصبهم وجدبهم وما يفعلونه من
ادخار حبوب سنى الخصب في السبع الأول في سنبله ، إلا ما يرصد بسبب الأكل ،
ومن تقليل البذر في سني الجدب في السبع الثانية ، إذ الغالب على الظن أنه
لا يرد البذر من الحقل ، وهذا يدل على كمال العلم وكمال الرأي والفهم


" وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال
النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم * قال ما خطبكن إذ راودتن
يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن
حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين * ذلك ليعلم أني لم أخنه
بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين * وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة
بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم "

لما أحاط الملك علماً
بكمال علم يوسف عليه الصلاة والسلام ، وتمام عقله ، ورأيه السديد وفهمه ،
أمر بإحضاره إلى حضرته ، ليكون من جملة خاصته فلما جاءه الرسول بذلك ، أحب
ألا يخرج حتى يتبين لكل أحد أنه حبس ظلماً وعدواناً ، وأنه برىء الساحة
مما نسبوه إليه بهتاناً " قال ارجع إلى ربك " يعني الملك " فاسأله ما بال
النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم " قيل معناه : إن سيدي
العزيز يعلم براءتي مما نسب إلي ، أي فمر الملك فليسألهن : كيف كان امتناعي
الشديد عند مراودتهن إياي ؟ وحثهن لي على الأمر الذي ليس برشيد ولا سديد ؟

فلما سئلن عن ذلك اعترفن بما وقع من الأمر ، وما كان منه من الأمر الحميد " قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء "

فعند
ذلك " قالت امرأة العزيز " وهي زليخا " الآن حصحص الحق " أي ظهر وتبين
ووضح ، والحق أحق أن يتبع " أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين " أي
فيما يقوله ، ومنه أنه برىء وأنه لم يراودني ، وأنه حبس ظلماً وعدواناً ،
وزوراً وبهتاناً

وقوله : " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله
لا يهدي كيد الخائنين " قيل إنه من كلام يوسف ، أي إنما طلبت تحقيق هذا
ليعلم العزيز أني لم أخنه بظهر الغيب وقيل إنه من تمام كلام زليخا ، أي
إنما اعترفت بهذا ليعلم زوجي أني لم أخنه في نفس الأمر ، وإنما كان مراودة
لم يقع معها فعل فاحشة

وهذا القول هو الذي نصره طائفة كثيرة من أئمة المتأخرين وغيرهم ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم سوى الأول

"
وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم "
قيل إنه من كلام يوسف ، وقيل من كلام زليخا وهو مفرع على القولين الأولين
وكونه من تمام كلام زليخا أظهر وأنسب وأقوى والله أعلم

" وقال
الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين *
قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم * وكذلك مكنا ليوسف في الأرض
يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين * ولأجر
الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون "

لما ظهر للملك براءة عرضه ،
ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه مما نسبوه إليه " قال الملك ائتوني به
أستخلصه لنفسي " أي أجعله من خاصتي ، ومن أكابر دولتي ، ومن أعيان حاشيتي ،
فلما كلمه وسمع مقاله وتبين حاله " قال إنك اليوم لدينا مكين أمين " أي ذو
مكانة وأمانة

" قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " طلب
أن يوليه النظر فيما يتعلق بالأهراء لما يتوقع من حصول الخلل فيما بعد مضي
سبع سني الخصب ، لينظر فيها بما يرضي الله في خلقه ، من الإحتياط لهم
والرفق بهم ، وأخبر الملك أنه حفيظ ، أي قوي على حفظ ما لديه أمين عليه ،
عليم بضبط الأشياء ومصالح الأهراء

وفي هذا دليل على جواز طلب الولاية لمن علم من نفسه الأمانة والكفاءة

وعند
أهل الكتاب : أن فرعون عظم يوسف عليه السلام جداً وسلطه على جميع أرض مصر
، وألبسه خاتمه ، وألبسه الحرير وطوقه الذهب وحمله على مركبه الثاني ،
ونودي بين يديه أنت رب ومسلط ، وقال له : لست أعظم منك إلا بالكرسي

قالوا : وكان يوسف إذا ذاك ابن ثلاثين سنة ، وزوجه امرأة عظيمة الشأن ، وحكى الثعلبي أنه عزل قطفير عن وظيفته وولاها يوسف

وقيل
: إنه لما مات زوجه امرأته زليخا فوجدها عذراء ، لأن زوجها كان لا يأتي
النساء ، فولدت ليوسف عليه السلام رجلين هما : أفرايم ومنسا قال : واستوثق
ليوسف ملك مصر ، وعمل فيهم بالعدل فأحبه الرجال والنساء

حكي أن
يوسف كان يوم دخل على الملك عمره ثلاثين سنة ، وأن الملك خاطبه بسبعين لغة ،
وفي كل ذلك يجاوبه بكل لغة منها ، فأعجبه ذلك مع حداثة سنة والله أعلم

قال الله تعالى : " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء " أي بعد السجن والضيق والحصر ، صار مطلق الركاب

بديار مصر ، " يتبوأ منها حيث يشاء " أي أين شاء حل منها مكرماً محسوداً معظماً

"
نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين " من أي هذا كله من جزاء الله
وثوابه للمؤمن مع ما يدخر له في آخرته من الخير الجزيل والثواب الجميل

ولهذا قال : " ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون "
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 2:43 pm


ويقال : إن قطفير زوج زليخا كان قد مات ، فولاه الملك مكانه وزوجه امرأته زليخا ، فكان وزير صدق

وذكر محمد بن إسحاق أن صاحب مصر - الوليد بن الريان - أسلم على يدي يوسف عليه السلام فالله أعلم وقد قال بعضهم :

وراء مضيق الخوف متسع الأمن وأول مفروح به غــايــة الحزن

فلا تيأسن ، فالله ملك يوسفـا خزائنه بعد الخلاص من السجن

" وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون * ولما جهزهم بجهازهم
قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين *
فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون * قالوا سنراود عنه أباه
وإنا لفاعلون * وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا
انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون "

يخبر تعالى عن قدوم إخوة يوسف عليه السلام إلى الديار المصرية يمتارون
طعاماً ، وذلك بعد إتيان سني الجدب وعمومها على سائر العباد والبلاد

وكان يوسف عليه السلام إذا ذاك الحاكم في أمور الديار المصرية ديناً ودنيا
فلما دخلوا عليه عرفهم ولم يعرفوه ، لأنهم لم يخطر ببالهم ما صار إليه
يوسف عليه السلام من المكانة والعظمة ، فلهذا عرفهم وهم له منكرون

وعند أهل الكتاب : أنهم لما قدموا عليه سجدوا له فعرفهم ، وأراد ألا يعرفوه
فأغلظ لهم في القول ، وقال : أنتم جواسيس ، جئتم لنا لتأخذوا خير بلادي
فقالوا : معاذ الله إنما جئنا نمتار لقومنا من الجهد والجوع الذي أصابنا ،
ونحن بنو أب واحد من كنعان ، ونحن اثنا عشر رجلاً ذهب منا واحد ، وصغيرنا
عند أبينا فقال : لا بد أن أستعلم أمركم وعندهم : أنه حبسهم ثلاثة أيام
ثم أخرجهم ، واحتبس شمعون عنده ليأتوه بالأخ الآخر وفي بعض هذا نظر

قال تعالى : " ولما جهزهم بجهازهم " أي أعطاهم من الميرة ما جرت به عادته ،
من إعطاء كل إنسان حمل بعير لا يزيده عليه " قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم "
وكان قد سألهم عن حالهم ، وكم هم ؟ فقالوا : كنا اثني عشر رجلاً ، فذهب
منا واحد وبقي شقيقه عند أبينا فقال : إذا قدمتم من العام المقبل فأتوني
به معكم

" ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين " ؟ أي قد أحسنت نزلكم وقراكم
، فرغبهم ليأتوه به ثم رهبهم إن لم يأتوه به فقال : " فإن لم تأتوني به
فلا كيل لكم عندي ولا تقربون " أي فلست أعطيكم ميرة ، ولا أقريكم بالكلية ،
عكس ما أسدي إليهم أولاً

فاجتهد في إحضاره معهم ليبل شوقه منه بالترغيب والترهيب

" قالوا سنراود عنه أباه " أي سنجتهد في مجيئه معنا وإتيانه إليك بكل ممكن ، " وإنا لفاعلون " أي وإنا لقادرون على تحصيله

ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم وهي ما جاءوا به يتعوضون به عن الميرة في
أمتعتهم من حيث لا يشعرون بها " لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم
لعلهم يرجعون " قيل أراد أن يردوها إذا وجدوها في بلادهم ، وقيل خشي ألا
يكون عندهم ما يرجعون به مرة ثانية ، وقيل تذمم أن يأخذ منهم عوضاً عن
الميرة

وقد اختلف المفسرون في بضاعتهم على أقوال سيأتي ذكرها ، وعند أهل الكتاب أنها كانت صرراً من ورق ، وما أشبه والله أعلم

" فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا
نكتل وإنا له لحافظون * قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل
فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين * ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت
إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ
أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير * قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا
من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول
وكيل * وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما
أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل
المتوكلون * ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من
شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس
لا يعلمون "

يذكر تعالى ما كان من أمرهم بعد رجوعهم إلى أبيهم وقولهم له : " منع منا
الكيل " أي بعد عامنا هذا إن لم ترسل معنا أخانا ، فإن أرسلته معنا لم يمنع
منا

" ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي " أي
شيء نريد وقد ردت إلينا بضاعتنا ؟ " ونمير أهلنا " أي نمتار لهم ونأتيهم
بما يصلحهم في سنتهم ومحلهم ، " ونحفظ أخانا ونزداد " بسببه " كيل بعير "

قال الله تعالى : " ذلك كيل يسير " أي في مقابلة ذهاب ولده الآخر

وكان يعقوب عليه السلام أضن شيء بولده بنيامين ، لأنه كان يشم فيه رائحة أخيه ويتسلى به عنه ، ويتعوض بسببه منه

فلهذا قال : " لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن
يحاط بكم " أي إلا أن تغلبوا كلكم عن الإتيان به " فلما آتوه موثقهم قال
الله على ما نقول وكيل "

أكد المواثيق وقرر العهود ، واحتاط لنفسه في ولده ، ولن يغني حذر من قدر !
ولولا حاجته وحاجة قومه إلى الميرة ، لما بعث الولد العزيز ، ولكن الأقدار
لها أحكام ، والرب تعالى يقدر ما يشاء ويختار ما يريد ويحكم ما يشاء وهو
الحكيم العليم

ثم أمرهم ألا يدخلوا المدينة من باب واحد ، ولكن ليدخلوا من أبواب متفرقة
وقيل : أراد ألا يصيبهم أحد بالعين ، وذلك لأنهم كانوا أشكالاً حسنة وصوراً
بديعة قاله ابن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب وقتادة والسدي والضحاك

وقيل : أراد أن يتفرقوا لعلهم يجدون خبراً ليوسف أو يحدثون عنه بأثر قاله إبراهيم النخعي

والأول أظهر ولهذا قال : " وما أغني عنكم من الله من شيء "

وقال تعالى : " ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من
شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس
لا يعلمون "

وعند أهل الكتاب : أنه بعث معهم هدية إلى العزيز من الفستق واللوز والصنوبر والبطم والعسل ، وأخذوا الدراهم الأولى وعرضاً آخر

" ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا
يعملون * فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها
العير إنكم لسارقون * قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون * قالوا نفقد صواع
الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم * قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا
لنفسد في الأرض وما كنا سارقين * قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين * قالوا
جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين * فبدأ بأوعيتهم قبل
وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في
دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم *
قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال
أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون * قالوا يا أيها العزيز إن له أبا
شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين * قال معاذ الله أن نأخذ
إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون "

يذكر تعالى ما كان من أمرهم حين دخلوا بأخيهم بنيامين على شقيقه يوسف ،
وإيوائه إليه ، وإخباره له سراً عنهم بأنه أخوه ، وأمره بكتم ذلك عنهم
وسلاه عما كان منهم من الإساءة إليه

ثم احتال على أخذه منهم وتركه إياه عنده دونها ، فأمر فتيانه بوضع سقايته ،
وهي التي كان يشرب بها ويكيل بها للناس الطعام ، عن غرة في متاع بنيامين ،
ثم أعلمهم بأنهم قد سرقوا صواع الملك ، ووعدهم جعالة على رده ، حمل بعير ،
وضمنه المنادي لهم فأقبلوا على من اتهمهم بذلك فذنبوه وهجنوه فيما قاله
لهم : " قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين "
يقولون : أنتم تعلمون منا خلاف ما رميتمونا به من السرقة

" قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين * قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه
كذلك نجزي الظالمين " وهذه كانت شريعتهم : أن السارق يدفع إلى المسروق منه
ولهذا قالوا : " كذلك نجزي الظالمين "

قال الله تعالى : " فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه "
ليكون ذلك أبعد للتهمة وأبلغ في الحيلة ، ثم قال الله تعالى : " كذلك كدنا
ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك " أي لولا اعترافهم بأن جزاءه من
وجد في رحله فهو جزاؤه ، لما كان يقدر يوسف على أخذه منهم في سياسة ملك مصر
" إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء " أي في العلم : " وفوق كل ذي علم
عليم "

وذلك لأن يوسف كان أعلم منهم ، وأتم رأياً وأقوى عزماً وحزماً ، وإنما فعل
ما فعل عن أمر الله له في ذلك ، لأنه يترتب على هذا الأمر مصلحة عظيمة بعد
ذلك ، من قدوم أبيه وقومه عليه ووفودهم إليه

فلما عاينوا استخراج الصواع من حمل بنيامين " قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له
من قبل " يعنون يوسف ، قيل كما قد سرق صنم جده أبي أمه فكسره وقيل كانت
عمته قد علقت عليه بين ثيابه وهو صغير منطقاً كانت لإسحاق ، ثم استخرجوها
من بين ثيابه وهو لا يشعر بما صنعت ، وإنما أرادت أن يكون عندها وفي
حضانتها لمحبتها له وقيل كان يأخذ الطعام من البيت فيطعمه الفقراء وقيل
غير ذلك فلهذا : " قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في
نفسه " وهي كلمته بعدها ، وقوله : " أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون "
أجابهم سراً لا جهراً ، حلماً وكرماً وصفحاً وعفواً ، فدخلوا معه في الترفق
والتعطف فقالوا : " يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه
إنا نراك من المحسنين * قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده
إنا إذا لظالمون " أي إن أطلقنا المتهم وأخذنا البرىء ، وهذا ما لا نفعله
ولا نسمح به ، وإنما نأخذ من وجدنا متاعنا عنده

وعند أهل الكتاب : أن يوسف تعرف إليهم حينئذ وهذا مما غلوا فيه ولم يفهموه جيداً

" فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ
عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي
أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين * ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا
إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين * واسأل القرية
التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون * قال بل سولت لكم
أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم *
وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم * قالوا
تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين * قال إنما أشكو
بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون * يا بني اذهبوا فتحسسوا من
يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم
الكافرون "

يقول تعالى مخبراً عنهم لما استيأسوا من أخذه منه : خلصوا يتناجون فيما
بينهم ، قال كبيرهم وهو روبيل : " ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا
من الله " لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ؟ لقد أخلفتم عهده ، وفرطتم فيه كما
فرطتم في أخيه يوسف من قبله ، فلم يبق لي وجه أقابله به " فلن أبرح الأرض "
أي لا أزال مقيماً هاهنا " حتى يأذن لي أبي " في القدوم عليه ، " أو يحكم
الله لي " بأن يقدرني على رد أخي إلى أبي " وهو خير الحاكمين "

" ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق " أي أخبروه بما رأيتم من
الأمر في ظاهر المشاهدة " وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين *
واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها " أي فإن هذا الذي
أخبرناك به - من أخذهم أخانا لأنه سرق - أمر اشتهر بمصر وعلمه العير التي
كنا نحن وهم هناك " وإنا لصادقون "

" قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل " أي ليس الأمر كما ذكرتم ، لم
يسرق ، فإنه ليس سجية له ولا خلقة وإنما " سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل
"

قال ابن إسحاق وغيره : لما كان التفريط منهم في بنيامين مترتباً على صنيعهم
في يوسف ، قال لهم ما قال وهذا كما قال بعض السلف : إن من جزاء السيئة
السيئة بعدها !

ثم قال : " عسى الله أن يأتيني بهم جميعا " يعنى يوسف وبنيامين وروبيل : "
إنه هو العليم " أي بحالي وما أنا فيه من فراق الأحبة " الحكيم " فيما
يقدره ويفعله ، وله الحكمة البالغة والحجة القاطعة

" وتولى عنهم " أي أعرض عن بنيه : " وقال يا أسفى على يوسف " ذكره حزنه الجديد بالحزن القديم ، وحرك ما كان كامناً كما قال بعضهم :

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول

وقال آخر :

لقــد لامني عند القبور على البكا رفيقي لتذراف الدموع السوافك

فقــال : أتبكي كل قبر رأيــــته لقبر ثوى بين اللوى فالدكـادك

فقلت له : إن الأسى يبعث الأسى دعنـى فهـذا كلــه قبر مــــالك

وقوله : " وابيضت عيناه من الحزن " أي من كثرة البكاء ، " فهو كظيم " أي مكظم من كثرة حزنه وأسفه وشوقه إلى يوسف

فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وألم الفراق " قالوا " له على وجه الرحمة
والرأفة والحرص عليه : " تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من
الهالكين "

يقولون : لا تزال تتذكره حتى ينحل جسدك وتضعف قوتك ، فلو رفقت بنفسك كان أولى بك

" قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون " يقول
لبنيه : لست أشكو إليكم ولا إلى أحد من الناس ما أنا فيه ، إنما أشكوه إلى
الله عز وجل ، وأعلم أن الله سيجعل لي مما أنا فيه فرجاً ومخرجاً ، وأعلم
أن رؤيا يوسف لا بد أن تقع ، ولا بد أن أسجد له أنا وأنتم حسب ما رأى
ولهذا قال : " وأعلم من الله ما لا تعلمون "

ثم قال لهم محرضاً على تطلب يوسف وأخيه ، وأن يبحثوا عن أمرهما : " يا بني
اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح
الله إلا القوم الكافرون " أي لا تيأسوا من الفرج بعد الشدة ، فإنه لا ييأس
من روح الله وفرجه ، وما يقدره من المخرج في المضايق ، إلا القوم الكافرون

" فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة
مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين * قال هل علمتم
ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون * قالوا أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف
وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين
* قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين * قال لا تثريب عليكم
اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين * اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه
أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين "

يخبر تعالى عن رجوع إخوة يوسف إليه وقدومهم عليه ، ورغبتهم فيها لديه من
الميرة ، والصدقة عليهم برد أخيهم بنيامين إليهم : " فلما دخلوا عليه قالوا
يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر " أي من الجدب وضيق الحال وكثرة العيال ،
" وجئنا ببضاعة مزجاة " أي ضعيفة لا يقبل مثلها منا إلا أن تتجاوز عنا
قيل كانت دراهم رديئة ، وقيل قليلة ، وقيل حب الصنوبر وحب البطم ونحو ذلك
وعن ابن عباس : كانت خلق الغرائر والحبال ونحو ذلك

" فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين " قيل بقولها ، قاله
السدي ، وقيل برد أخينا إلينا ، قال ابن جريج وقال سفيان بن عيينة : إنما
حرمت الصدقة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونزع بهذه الآية رواه ابن
جرير

فلما رأى ما هم فيه من الحال ، وما جاءوا به مما لم يبق عندهم سواه من ضعيف
المال ، تعرف إليهم وعطف عليهم ، قائلاً لهم عن أمر ربه وربهم ، وقد حسر
عن جبينه الشريف ، وما يحويه من الحال الذي يعرفون فيه : " هل علمتم ما
فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون "

" قالوا " وتعجبوا كل العجب ، وقد ترددوا إليه مراراً عديدة وهم لا يعرفون أنه هو " أإنك لأنت يوسف " ؟

" قال أنا يوسف وهذا أخي " يعنى أنا يوسف الذي صنعتم معه ما صنعتم ، وسلف
من أمركم فيه ما فرطتم وقوله " وهذا أخي " تأكيد لما قال ، وتنبيه على ما
كانوا أضمروا لهما من الحسد ، وعملوا في أمرهما من الإحتيال ولهذا قال : "
قد من الله علينا " أي بإحسانه إلينا وصدقته علينا ، وإيوائه لنا وشده
معاقد عزنا ، وذلك بما أسلفنا من طاعة ربنا ، وصبرنا على ما كان منكم
وطاعتنا وبرنا لأبينا ، ومحبته الشديدة لنا وشفقته علينا " إنه من يتق
ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين "

" قالوا تالله لقد آثرك الله علينا " أي فضلك وأعطاك ما لم يعطنا ، " وإن
كنا لخاطئين " أي فيما أسدينا إليك وها نحن بين يديك " قال لا تثريب
عليكم اليوم " أي لست أعاتبكم على ما كان منكم بعد يومكم هذا ثم زادهم على
ذلك فقال : " يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " ومن زعم أن الوقف على
قوله : " لا تثريب عليكم " وابتدأ بقوله : " اليوم يغفر الله لكم " فقوله
ضعيف والصحيح الأول

ثم أمرهم بأن يذهبوا بقميصه ، وهو الذي يلى جسده ، فيضعوه على عيني أبيه ،
فإنه يرجع إليه بصره بعد ما كان ذهب ، بإذن الله ، وهذا من خوارق العادات
ودلائل النبوات وأكبر المعجزات

ثم أمرهم أن يتحملوا بأهلهم أجمعين إلى ديار مصر ، إلى الخير والدعة وجمع الشمل بعد الفرقة ، على أكمل الوجوه وأعلى الأمور

" ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون * قالوا
تالله إنك لفي ضلالك القديم * فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد
بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون * قالوا يا أبانا
استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين * قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور
الرحيم "

قال عبد الرزاق : أنبأنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي
الهذيل ، سمعت ابن عباس يقول : " ولما فصلت العير " قال : لما خرجت العير
هاجت ريح ، فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف فقال : " إني لأجد ريح يوسف لولا أن
تفندون " قال : فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة أيام وكذا رواه الثوري وشعبة
وغيرهم عن أبي سنان به

وقال الحسن البصري وابن جريج المكي : كان بينهما مسيرة ثمانين فرسخاً ، وكان له منذ فارقه ثمانون سنة

وقوله : " لولا أن تفندون " أي تقولون إنما قلت هذا من الفند ، وهو الخرف وكبر السن

قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة " تفندون " تسفهون ، وقال مجاهد أيضاً والحسن : تهرمون

" قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم " قال قتادة والسدي : قالوا له كلمة غليظة

قال الله تعالى : " فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا " أي
بمجرد ما جاء ألقى القميص على وجه يعقوب فرجع من فوره بصيراً بعد ما كان
ضريراً وقال لبنيه عند ذلك : " ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون
" أي أعلم أن الله سيجمع شملي بيوسف ، وسيقر عيني به ، وسيريني فيه ومنه
ما يسرني

فمنذ ذلك : " قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين " طلبوا منه
أن يستغفر لهم لله عز وجل عما كانوا فعلوا ونالوا منه ومن ابنه ، وما
كانوا عزموا عليه ، ولما كان من نيتهم التوبة قبل الفعل ، وفقهم الله
للاستغفار عند وقوع ذلك منهم ، فأجابهم أبوهم إلى ما سألوا ، وما عليه
عولوا قائلاً : " سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم "

قال ابن مسعود وإبراهيم التيمي وعمرو بن قيس وابن جريج وغيرهم : أرجأهم إلى
وقت السحر قال ابن جرير : حدثني أبو السائب : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت
عبد الرحمن بن إسحاق يذكر عن محارب بن دثار قال : كان عمر يأتي المسجد
فسمع إنساناً يقول : اللهم دعوتني فأجبت ، وأمرتني فأطعت ، وهذا السحر
فاغفر لي قال : فاستمع إلى الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود ، فسأل
عبد الله عن ذلك فقال : إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر بقوله : " سوف أستغفر
لكم ربي " وقد قال تعالى : " والمستغفرين بالأسحار "

وثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ينزل ربنا
كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول : هل من تائب فأتوب عليه هل من سائل فأعطيه
؟ هل من مستغفر فأغفر له " ؟ وقد ورد في حديث : " أن يعقوب أرجأ بنيه إلى
ليلة الجمعة "

قال ابن جرير : حدثني المثني ، قال : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب
الدمشقي ، حدثنا الوليد ، أنبأنا ابن جريج ، عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس ،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سوف أستغفر لكم ربي " يقول : " حتى
ليلة الجمعة ، وهو قول أخي يعقوب لبنيه "

وهذا غريب من هذا الوجه ، وفي رفعه نظر ، والأشبه أن يكون موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما

" فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين *
ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل
قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد
أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم
الحكيم * رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات
والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين "

هذا إخبار عن حال اجتماع المتحابين بعد الفرقة الطويلة ، التي قيل : إنها
ثمانون سنة ! وقيل : ثلاث وثمانون سنة وهما روايتان عن الحسن ، وقيل : خمس
وثلاثون سنة قاله قتادة وقال محمد بن إسحاق : ذكروا أنه غاب عنه ثماني
عشرة سنة قال : وأهل الكتاب يزعمون أنه غاب عنه أربعين سنة

وظاهر سياق القصة يرشد إلى تحديد المدة تقريباً ، فإن المرأة راودته وهو
شاب ابن سبع عشرة سنة ، فيما قاله غير واحد ، فامتنع فكان في السجن بضع
سنين ، وهي سبع عند عكرمة وغيره ثم أخرج فكانت سنوات الخصب السبع ، ثم لما
أمحل الناس في السبع البواقي ، جاء إخوته يتمارون في السنة الأولي وحدهم ،
وفي الثانية ومعهم أخوه بنيامين ، وفي الثالثة تعرف إليهم وأمرهم بإحضار
أهليهم أجمعين ، فجاءوا كلهم

" فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه " واجتمع بهما خصوصاً وحدهما دون
إخوته ، " وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " قيل هذا من المقدم والمؤخر ،
تقديره قال : ادخلوا مصر ، وآوي إليه أبويه ، وضعفه ابن جرير وهو معذور
وقيل : بل تلقاهما وآواهما في منزل الخيام ، ثم لما اقتربوا من باب مصر "
ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " قاله السدي ، ولو قيل : إن الأمر لا يحتاج
إلى هذا أيضاً

وعند أهل الكتاب : أن يعقوب لما وصل إلى أرض جاشر - وهي أرض بلبيس - خرج
يوسف لتلقيه ، وكان يعقوب قد بعث ابنه يهوذا بين يديه مبشراً بقدومه ،
وعندهم أن الملك أطلق لهم أرض جاشر ، يكونون فيها ، ويقيمون بها بنعمهم
ومواشيهم وقد ذكر جماعة من المفسرين ، أنه لما أزف قدوم نبي الله يعقوب -
وهو إسرائيل - أراد يوسف أن يخرج لتلقيه ، فركب معه الملك وجنوده ، خدمة
ليوسف وتعظيماً لنبي الله إسرائيل وأنه دعا للملك ، وأن الله رفع عن أهل
مصر بقية سني الجدب ببركة قدومه إليهم فالله أعلم

وكان جملة من قدم مع يعقوب من بنيه وأولادهم - فيما قاله أبو إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة عن ابن مسعود - ثلاثة وستين إنساناً

وقال موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب ، عن عبد الله بن شداد : كانوا ثلاثة وثمانين إنساناً

وقال أبو إسحاق عن مسروق : دخلو وهم ثلاثمائة وتسعون إنساناً

قالوا : وخرجوا مع موسى وهم أزيد من ستمائة ألف مقاتل ، وفي نص أهل الكتاب : أنهم كانوا سبعين نفساً وسموهم

قال الله تعالى : " ورفع أبويه على العرش " قيل : كانت أمه قد ماتت كما هو
عند علماء التوراة وقال بعض المفسرين : أحياها الله تعالى وقال آخرون :
بل كانت خالته ليا والخالة بمنزلة الأم

وقال ابن جرير وآخرون : بل ظاهر القرآن يقتضي بقاء حياة أمه إلى يومئذ ،
فلا يعول على نقل أهل الكتاب فيما خالفه وهذا قوي والله أعلم

ورفعهما على العرش ، أي أجلسهما معه على سريره : " وخروا له سجدا " أي سجد
له الأبوان والإخوة الأحد عشر ، تعظيماً وتكريماً وكان هذا مشروعاً لهم ،
ولم يزل ذلك معمولاً به في سائر الشرائع حتى حرم في ملتنا

" وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل " أي هذا تعبير ماكنت قصصته عليك :
من رؤيتي الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر ، حين رأيتهم لي ساجدين ، و
أمرتني بكتمانها ، ووعدتني ما وعدتني عند ذلك " قد جعلها ربي حقا وقد أحسن
بي إذ أخرجني من السجن " أي بعد الهم والضيق ، جعلني حاكماً نافذ الكلمة في
الديار المصرية حيث شئت " وجاء بكم من البدو " أي البادية وكانوا
يسكنون أرض العربات من بلاد الخيل " من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي
" أي فيما كان منهم من الأمر الذي تقدم وسبق ذكره

ثم قال : " إن ربي لطيف لما يشاء " أي إذا أراد شيئاً هيأ أسبابه ، ويسرها
وسهلها وجوه لا يهتدي إليها العباد ، بل يقدرها ويسرها بلطيف صنعه وعظيم
قدرته أي بجميع " إنه هو العليم " بالأمور " الحكيم " في خلقه وشرعه
وقدره

وعند أهل الكتاب : أن يوسف باع أهل مصر وغيرهم من الطعام الذي كان تحت يده ،
بأموالهم كلها ، من الذهب والفضة ، والعقار والأثاث ، وما يملكونه كله ،
حتى باعهم بأنفسهم فصاروا أرقاء ثم أطلق لهم أرضهم وأعتق رقابهم على أن
يعملوا ، ويكون خمس ما يستغلون من زروعهم وثمارهم للملك فصارت سنة أهل مصر
بعده

وحكى الثعليب : أنه كان لايشبع في تلك السنين ، حتى لاينسى الجيعان ، وأنه
إنما كان يأكل أكلة واحدة نصف النهار قال : فمن ثم اقتدى به الملوك في
ذلك قلت : وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، لايشبع
بطنه عام الرمادة حتى ذهب الجدب وأتى الخصب

قال الشافعي : قال رجل من الأعراب لعمر بعدما ذهب عام الرمادة : لقد انجلت عنك وإنك لابن حرة !

ثم لما رأى يوسف عليه السلام نعمته قد تمت ، وشمله قد اجتمع ، وعرف أن هذه
الدار لا يقر بها قرار ، وأن كل شيء فيها ومن عليها فان ، وما بعد التمام
إلا النقصان ، فنعد ذلك أثنى على ربه بما هو أهله ، واعترف له بعظيم إحسانه
وفضله ، وسأل منه - وهو خير المسئولين - أن يتوفاه ، أي حين يتوفاه على
الإسلام ، وأن يلحقه بعباده الصالحين ، وهكذا كما يقال في الدعاء : اللهم
أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين أي حين تتوفانا

ويحتمل أنه سأل ذلك عند احتضاره عليه السلام ، كما سأل النبي صلى الله عليه
وسلم عند احتضاره أن يرفع روحه إلى الملأ الأعلى ، و الرفقاء الصالحين من
النبيين والمرسلين ، كما قال : اللهم في الرفيق الأعلى ثلاثاً ثم قضى

ويحتمل أن يوسف عليه السلام سأل الوفاء على الإسلام منجزاً في صحة بدنه
وسلامته ، أن ذلك كان سائغاً في ملتهم وشرعتهم ، كما روي عن ابن عباس أنه
قال : ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف

فأما في شريعتنا فقد نهى عن الدعاء ، بالموت إلا عند الفتن ، كما في حديث
معاذ في الدعاء الذي رواه أحمد : " وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير
مفتونين " وفي الحديث الآخر : " ابن آدم الموت خير لك من الفتنة " وقالت
مريم عليها السلام : " يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا " وتمنى الموت
علي بن أبي طالب ، لما تفاقمت الأمور وعظمت الفتن واشتد القتال ، وكثر
القيل والقال وتمنى ذلك البخاري أبو عبد الله صاحب الصحيح ، لما اشتد
عليه الحال ولقي من مخالفيه الأهوال

فأما في حال الرفاهية فقد روى البخاري و مسلم في صحيحهما من حديث أنس
بن مالك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لايتمنين أحدكم الموت لضر
نزل به ، إما محسناً فلعله يزداد ، وإما مسيئاً فلعله يستعتب ، ولكن ليقل :
اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي "
والمراد بالضر هاهنا : ما يخص العبد في بدنه ، من مرض ونحوه ، لا في دينه

والظاهر أن نبي الله يوسف عليه السلام سأل ذلك ، إما عند احتضاره ، أو إذا كان ذلك أن يكون كذلك

وقد ذكر ابن إسحاق عن أهل الكتاب : أن يعقوب أقام بديار مصر عند يوسف سبع
عشرة سنة ، ثم توفي عليه السلام وكان قد أوصى إلى يوسف عليه السلام أن
يدفن عند أبويه إبراهيم وإسحاق ، قال السدي : فصبره وسيره إلى بلاد الشام
فدفنه بالمغارة عند أبيه إسحاق وجده الخليل عليه السلام

وعند أهل الكتاب : أن عمر يعقوب يوم دخل مصر مائة وثلاثون سنة وعندهم أنه
أقام بأرض مصر سبع عشرة سنة ، ومع هذا قالوا : فكان جميع عمره مائة وأربعين
سنة

هدا نص كتابهم وهو غلط : أما في النسخة أو منهم ، أو قد أسقطوا الكسر وليس
بعادتهم فيما هو أكثر من هذا ، فكيف يستعملون الطريقة ها هنا

وقد قال تعالى في كتابه العزيز : " أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ
قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل
وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون "

يوصي بنيه بالإخلاص ، وهو دين الإسلام الذي بعث الله به الأنبياء عليهم السلام

وقد ذكر أهل الكتاب : أن أوصى بنيه واحداً واحداً ، وأخبرهم بما يكون من
أمرهم وبشر يهوذا بخروج نبي عظيم من نسله تطيعه الشعوب ، وهو عيسى ابن
مريم والله أعلم

وذكروا : أنه لما مات يعقوب بكي عليه أهل مصر سبعين يوماً ، وأمر يوسف
الأطباء فطيبوه بطيب ومكث فيه أربعين يوماً ثم استأذن يوسف ملك مصر في
الخروج مع أبيه ليدفنه عند أهله ، فأذن له وخرج معه أكابر مصر وشيوخها ،
فلما وصلوا حبرون ودفنوه في المغارة التي كان اشتراها إبراهيم الخليل من
عفرون بن صخر الحيثي ، وعملوا له عزاء سبعة أيام

قالوا : ثم رجعوا إلى بلادهم ، وعزى إخوة يوسف يوسف في أبيهم ، وترققوا له فأكرمهم وأحسن منقلبهم ، فأقاموا ببلاد مصر

ثم حضرت يوسف عليه السلام الوفاة ، فأوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من مصر
فيدفن عند آبائه ، فحنطوه ووضعوه في تابوت ، فكان بمصر حتى أخرجه معه موسى
عليه السلام ، فدفنه عند آبائه كما سيأتي قالوا : فمات وهو ابن مائة سنة
وعشر سنين

هذا نصهم وفيما رأيته وفيما حكاه ابن جرير أيضاً ، وقال مبارك ابن فضالة عن
الحسن : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وغاب عن أبيه ثمانين
سنة ، وعاش بعد ذلك ثلاثاً وعشرين سنة ، ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة
وقال غيره : أوصى إلى أخيه يهوذا ، صلوات الله عليه وسلامه


قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 9:44 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصة أيوب عليه السلام

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قال ابن إسحاق : كان رجلاً من الروم وهو أيوب بن موص بن رازح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل

وقال غيره : هو أيوب بن موص بن رعويل بن العيص بن إسحاق بن يعقوب ، وقيل غيره ذلك في نسبه

وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط عليه السلام ، وقيل كان أبوه ممن آمن بإبراهيم عليه السلام يوم ألقي في النار فلم تحرقه

والمشهور الأول ، لأنه من ذرية إبراهيم ، كما قررنا عند قوله تعالى : " ومن
ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون " الآيات ، من أن الصحيح أن
الضمير عائد على إبراهيم دون نوح عليهما السلام

وهو من الأنبياء المنصوص على الإيحاء إليهم في سورة النساء في قوله تعالى :
" إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب " الآية

فالصحيح أنه من سلالة العيص بن إسحاق وامرأته قيل : اسمها ليا بنت يعقوب ،
وقيل رحمة بنت أفراثيم ، وقيل ليا بنت منسا بن يعقوب وهذا أشهر فلهذا
ذكرناه هاهنا

ثم نعطف بذكر أنبياء بني إسرائيل بعد ذكر قصته إن شاء الله ، وبه الثقة وعليه التكلان

قال الله تعالى : " وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين *
فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا
وذكرى للعابدين " وقال تعالى في سورة ص : " واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه
أني مسني الشيطان بنصب وعذاب * اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب * ووهبنا
له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب * وخذ بيدك ضغثا فاضرب
به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب "

وروى ابن عساكر من طريق الكلبي أنه قال : أول نبي بعث إدريس ، ثم نوح ، ثم
إبراهيم ، ثم إسماعيل ، ثم إسحاق ، ثم يعقوب ، ثم يوسف ، ثم لوط ، ثم هود ،
ثم صالح ، ثم موسى وهارون ، ثم إلياس ، ثم اليسع ، ثم عرف بن سويلخ بن
أفراثيم بن يوسف بن يعقوب ، ثم يونس بن متى من بني يعقوب ، ثم أيوب بن زراح
ابن آموص بن ليفرز بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم وفي بعض هذا الترتيب نظر
: فإن هوداً وصالحاً : المشهود أنهما بعد نوح وقبل إبراهيم والله أعلم

قال علماء التفسير والتاريخ وغيرهم : كان أيوب رجلاً كثير المال من سائر
صنوفه وأنواعه ، من الأنعام والعبيد والمواشي ، والأراضي المتسعة بأرض
الثنية من أرض حوران ، وحكى ابن عساكر : أنها كلها كانت له وكان له أولاد
وأهلون كثير

فسلب منه ذلك جميعه ، وابتلى في جسده بأنواع من البلاء ولم يبق منه عضو
سليم سوى قلبه ولسانه ، يذكر الله عز وجل بهما وهو في ذلك صابر محتسب
ذاكر الله عز وجل في ليله ونهاره وصباحه ومسائه

وطال مرضه حتى عافه الجليس ، وأوحش منه الأنيس ، وأخرج من بلده وألقى على
مزبلة خارجها ، وانقطع عنه الناس ، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته ، كانت
ترعى له حقه ، وتعرف قديم إحسانه إليها وشفقته عليها فكانت تتردد إليه
فتصلح من شأنه ، وتعينه على قضاء حاجته ، وتقوم بمصلحته ، وضعف حالها وقل
مالها حتى كانت تخدم الناس بالأجر ، لتطعمه وتقوم بأوده ، رضي الله عنها
وأرضاها ، وهي صابرة معه على ما حل بهما من فراق المال والولد ، وما يختص
بها من المصيبة بالزوج ، وضيق ذات اليد وخدمة الناس ، بعد السعادة والنعمة
والخدمة والحرمة فإنا لله وإنا إليه راجعون

وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أشد الناس
بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل " وقال : " يبتلى الرجل
على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه "

ولم يزد هذا كل أيوب عليه السلام إلا صبراً واحتساباً وحمداً وشكراً حتى إن
المثل ليضرب بصبره عليه السلام ، ويضرب المثل أيضاً بما حصل له من أنواع
البلايا

وقد روى عن وهب بن منبه وغيره من علماء بني إسرائيل في قصة أيوب خبر طويل ،
في كيفية ذهاب ماله وولده ، وبلائه في جسده والله أعلم بصحته

وعن مجاهد أنه قال : كان أيوب عليه السلام أول من أصابه الجدري

وقد اختلفوا في مدة بلواه على أقوال : فزعم وهب أنه ابتلي ثلاث سنين لا
تزيد ولا تنقص وقال أنس : ابتلي سبع سنين وأشهراً ، وألقى على مزبلة لبني
إسرائيل تختلف الدواب في جسده حتي فرج الله عنه وأعظم له الأجر وأحسن
الثناء عليه وقال حميد : مكث في بلواه ثماني عشرة سنة وقال السدي : تساقط
لحمه حتى لم يبق إلا العظم والعصب ، فكانت امرأته تأتيه بالرماد تفرشه
تحته ، فلما طال عليها ، قالت : يا أيوب لو دعوت ربك لفرج عنك ، فقال :
قد عشت سبعين سنة صحيحاً ، فهل قليل لله أن أصبر له سبعين سنة ؟ فجزعت من
هذا الكلام ، وكانت تخدم الناس بالأجر وتطعم أيوب عليه السلام

ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها ، لعلمهم أنها امرأة أيوب ، خوفاً أن
ينالهم من بلائه أو تعديهم بمخالطته ، فلما لم تجد أحداً يستخدمها ، عمدت
فباعت لبعض بنات الأشراف إحدي ضفيرتيها بطعام طيب كثير ، فأتت به أيوب ،
فقال : من أين لك هذا ؟ وأنكره ، فقالت : خدمت به أناساً فلما كان الغد لم
تجد أحداً فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به ، فأنكره وحلف لا يأكله
حتى تخبره من أين لها هذا الطعام ؟ فكشفت عن رأسها خمارها ، فلما رأى رأسها
محلوقاً قال في دعائه : " ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين "

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا جرير بن حازم ، عن
عبد الله ابن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب أخوان ، فجاءا يوماً فلم
يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه ، فقاما من بعيد ، فقال أحدهما لصاحبه : لو
كان الله علم من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا ، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم
يجزع مثله من شيء قط ، فقال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط
شبعاناً وأنا أعلم مكان جائع فصدقني ، فصدق من السماء وهما يسمعان ثم قال :
اللهم إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصاً قط وأنا أعلم مكان عار فصدقني
فصدق من السماء وهما يسمعان ثم قال : اللهم بعزتك وخر ساجداً ، فقال اللهم
: بعزتك لا أرفع رأسي أبداً حتى تكشف عني ، فما رفع رأسه حتى كشف عنه

وقال ابن أبي حاتم وابن جرير جميعاً : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أنبأنا
ابن وهب ، أخبرني نافع بن يزيد ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني
عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد ، إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه
له ، كانا يغدوان إليه ويروحان ، فقال أحدهما لصاحبه : تعلم والله لقد
أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين قال صاحبه : وما ذاك ؟ قال :
منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه ربه فيكشف ما به ، فلما راحا إليه لم يصبر
الرجل حتى ذكر ذلك له ، فقال أيوب : لا أدرى ما تقول ؟ غير أنا الله عز وجل
يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان ، فيذكران الله فأرجع إلى بيتي
فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق

قال : وكان يخرج في حاجته ، فإذا قفاها أمسكت امرأته بيده حتى يرجع ، فلما
كان ذات يوم أبطأت عليه ، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه : أن " اركض برجلك
هذا مغتسل بارد وشراب " فاستبطأته فتلقته تنظر ، وأقبل عليها قد أذهب الله
ما به من البلاء ، وهو أحسن ما كان ، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك !
هل رأيت نبي الله هذا المبتلى ؟ فوالله القدير على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه
به منك إذا كان صحيحاً قال : فإني أنا هو ، قال : وكان له أندران أندر
للقمح وأندر للشعير ، فبعث الله سحابتين ، فلما كانت إحداهما على أندر
القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى
فاض"

هذا لفظ ابن جرير ، وهكذا رواه بتمامه ابن حبان في صحيحه عن حمد بن
الحسن بن قتيبة ، عن حرملة ، عن ابن وهب به وهذا غريب رفعه جداً ، والأشبه
أن يكون موقوفاً

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ،
أنبأنا على بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : وألبسه الله حلة
من الجنة فتنحى أيوب وجلس في ناحية ، فجاءت امرأته فلم تعرفه ، فقالت : يا
عبد الله أين ذهب هذا المبتلى الذي كان ها هنا ؟ لعل الكلاب ذهبت به أو
الذئاب ، وجعلت تكلمه ساعة ، فقال : ويحك أنا أيوب ! قالت : أتسخر منى يا
عبد الله ؟ فقال : ويحك أنا أيوب قد رد الله علي جسدي

قال ابن عباس : ورد الله عليه ماله وولده بأعيانهم ، ومثلهم معهم

وقال وهب بن منبه : أوحي الله إليه : قد رددرت عليك أهلك ومالك ومثلهم
معهم ، فاغتسل بهذا الماء فإن فيه شفاءك وقرب من صحابتك قرباناً ، واستغفر
لهم فإنهم قد عصوني فيك رواه ابن أبي حاتم

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عمرو بن مرزوق ، حدثنا همام ،
عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : " لما عافي الله أيوب عليه السلام أمطر عليه جراداً
من ذهب ، فجعل يأخذ منه بيده ويجعل في ثوبه قال : فقيل له : يا أيوب أما
تشبع ؟ قال : يارب ومن يشبع من رحمتك ؟ "

وهكذا رواه الإمام أحمد عن أبي داود الطيالسي ، وعبد الصمد عن همام ، عن
قتادة به ورواه ابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن محمد الأزدي ، عن
إسحاق بن راهويه ، عن عبد الصمد به ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب ، وهو
على شرط الصحيح والله أعلم

وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي
هريرة : أرسل على أيوب رجل من جراد من ذهب ، فجعل يقبضها في ثوبه ، فقيل :
يا أيوب ألم يكفك ما أعطيناك ؟ قال : أي رب من يستغني عن ذلك ! هذا
موقوف ، وقد روى عن أبي هريرة من وجه مرفوعاً

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق : حدثنا معمر ، عن همام بن منبه قال
: هذا ما حدثنا أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
بينما أيوب يغتسل عرياناً خر عليه رجل جراد من ذهب ، فجعل أيوب يحثى في
ثوبه فناداه ربه عز وجل : يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال : بلى
يارب ، ولكن لا غني لي عن بركتك " رواه البخاري من حديث عبد الرزاق به

وقوله : " اركض برجلك " أي اضرب الأرض برجلك ، فامتثل ما أمر به ، فأنبع
الله عيناً باردة الماء ، وأمر أن يغتسل فيها ويشرب منها ، فأذهب الله عنه
ما كان يجده من الألم والأذي ، والسقم والمرض الذي كان في جسده ظاهراً
وباطناً ، وأبدله الله بعد ذلك كله صحة ظاهرة وباطنة ، وجمالاً تاماً
ومالاً كثيراً ، حتى صب له من المال صباً ، مطراً عظيماً جراداً من ذهب

وأخلف الله له أهله ، كما قال تعالى : " وآتيناه أهله ومثلهم معهم " فقيل :
أحياهم الله بأعيانهم ، وقيل : آجره فيمن سلف ، وعوضه عنهم في الدنيا
بدلهم وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة ، وقوله : " رحمة من عندنا " أي
رفعنا عنه شدته ، وكشفنا ما به من ضر ، رحمة منا به ورأفة وإحساناً "
وذكرى للعابدين " أي تذكرة لمن ابتلى في جسده أو ماله أو ولده ، فله أسوة
بنبي الله أيوب ، حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حق فرج
الله عنه

ومن فهم من هذا اسم امرأته فقال : هي رحمة من هذه الآية فقد أبعد النجعة
وأغرق النزع وقال الضحاك عن ابن عباس : رد الله إليها شبابها وزادها حتى
ولدت له ستة وعشرين ولداً ذكراً

وعاش أيوب بعد ذلك سبعين سنة بأرض الروم على دين الحنيفية ثم غيروا بعده دين إبراهيم

وقوله : " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه
أواب " هذه رخصة من الله تعالى لعبده ورسوله أيوب عليه السلام ، فيما كان
من خلفه ليضربن امرأته مائة سوط فقيل حلفه ذلك لبيعها ضفائرها ، وقيل لأنه
عارضها الشيطان في صورة طبيب يصف لها دواء لأيوب فأتته فأخبرته فعرف أنه
الشيطان ، فحلف ليضربنها مائة سوط ، فلما عافاه الله عز وجل أفتاه أن يأخذ
ضغثاً وهو كالعثكال الذي يجمع الشماريخ ، فيجمعها كلها ويضربها به ضربة
واحدة ، ويكون هذا منزلاً منزلة الضرب بمائة سوط ويبر ولا يحنث

وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه ، ولا سيما في حق امرأته
الصابرة المحتسبة ، المكابدة الصديقة البارة الراشدة ، رضي الله عنها

ولهذا عقب الله الرخصة وعللها بقوله : " إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه
أواب " وقد استعمل كثير من الفقهاء هذه الرخصة في باب الأيمان والنذور ،
وتوسع آخرون فيها حتى وضعوا كتاب الحيل في الخلاص من الأيمان ، وصدروه بهذه
الآية الكريمة وأتوا فيه بأشياء من العجائب والغرائب وسنذكر طرفاً من ذلك
في كتاب الأحكام ، عند الوصول إليه إن شاء الله تعالى

وقد ذكر ابن جرير وغيره من علماء التاريخ : أن أيوب عليه السلام لما توفي كان عمره ثلاثاً وتسعين سنة ، وقيل إنه عاش أكثر من ذلك

وقد روى ليث عن مجاهد ما معناه : أن الله يحتج يوم القيامة بسليمان عليه
السلام على الأغنياء ، وبيوسف عليه السلام على الأرقاء ، وبأيوب عليه
السلام على أهل البلاء

وأنه أوصى إلى ولده حومل وقال بالأمر بعده ولده بشر بن أيوب ، وهو الذي يزعم كثير من الناس أنه ذو الكفل فالله أعلم

ومات ابنه هذا وكان نبياً فيما يزعمون وكان عمره من السنين خمساً وسبعين

ولنذكر ها هنا قصة ذي الكفل ، إذ قال بعضهم : إنه ابن أيوب عليهما السلام وهذه هي

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 9:45 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصة ذي الكفل الذي زعم قوم أنه ابن أيوب

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قال الله تعالى بعد قصة أيوب في سورة الأنبياء : " وإسماعيل وإدريس وذا
الكفل كل من الصابرين * وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين "

وقال تعالى بعد قصة أيوب أيضاً في سورة ص : " واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق
ويعقوب أولي الأيدي والأبصار * إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار * وإنهم
عندنا لمن المصطفين الأخيار * واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من
الأخيار "

فالظاهر من ذكره في القرآن العظيم بالثناء عليه مقروناً مع هؤلاء السادة
الأنبياء أنه نبي ، عليه من ربه الصلاة والسلام ، وهذا هو المشهور

وقد زعم آخرون أنه لم يكن نبياً ، وإنما كان رجلاً صالحاً وحكماً مقسطاً عادلاً وتوقف ابن جرير في ذلك فالله أعلم

وروى ابن جرير وأبو نجيح عن مجاهد : أنه لم يكن نبياً وإنما كان رجلاً
صالحاً وكان قد تكفل لبني قومه أن يكفيهم أمرهم ، ويقضي بينهم بالعدل ففعل
فسمي ذا الكفل

وروى ابن جرير وابن حاتم من طريق داود بن أبي هند ، عن مجاهد أنه قال :
لما كبر اليسع قال : لو أني استخلفت رجلاً على الناس يعمل عليهم في حياتي ،
حيث أنظر كيف يعمل فجمع الناس فقال : من يتقبل مني بثلاث أستخلفه : يصوم
النهار ، ويقوم الليل ، ولا يغضب

قال : فقام رجل تزدريه العين ، فقال : أنا ، فقال : أنت تصوم النهار وتقوم
الليل ولا تغضب ؟ قال : نعم قال : فرده ذلك اليوم ، وقال مثلها في اليوم
الآخر ، فسكت أناس ، وقام ذلك الرجل فقال: أنا أستخلفه

قال : فجعل إبليس يقول للشياطين : عليكم بفلان ، فأعياهم ذلك ، فقال :
دعوني وإياه ، فأتاه في صورة شيخ كبير فقير ، وأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة ،
وكان لا ينام الليل والنهار إلا تلك النومة ، فدق الباب فقال : من هذا ؟
قال : شيخ كبير مظلوم قام : فقام ففتح الباب فجعل يقص عليه ، فقال : إن
بيني وبين قومي خصومة ، وأنهم ظلموني وفعلوا بي وفعلوا ، وجعل يطول عليه
حتى حضر الرواح وذهبت القائلة فقال : إذا رحت فإنني آخذ لك بحقك

فانطلق رواح فكان في مجلسه ، فجعل ينظر هل يرى الشيخ فلم يره فقام يتبعه
فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينتظره فلا يراه ، فلما رجع إلى القائلة
أخذ مضجعه أتاه فدق الباب ، فقال : من هذا ؟ فقال : الشيخ الكبير المظلوم
ففتح له فقال : ألم أقل لك إذا قعدت فأتني ؟ قال : إنهم أخبث قوم ، إذا
عرفوا أنك قاعد قالوا : نعطيك حقك ، وإذا قمت جحدوني قال : فانطلق فإذا
رحت فأتني

قال : ففاتته القائلة ، فراح فجعل ينتظره فلا يراه ، شق عليه النعاس فقال
لبعض أهله : لا تدعن أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام ، فإني قد شق على
النوم فلما كان تلك الساعة جاء ، فقال له الرجل ، وراءك وراءك فقال : قد
أتيته أمس وذكرت له أمرى فقال : لا والله ، لقد أمرنا أن لا ندع أحداً
يقربه فلما أعياه نظر فرأى كوة في البيت فتسور منها ، فإذا هو في البيت ،
وإذا هو يدق الباب من داخل قال : فاستيقظ الرجل ، فقال : يا فلان ألم
آمرك ؟ قال : أما من قبلي والله فلم تؤت ، فانظر من أين أتيت ؟

قال : فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه ، وإذا الرجل معه في البيت
فعرفه فقال : أعدو الله ؟ قال : نعم ؟ أعييتني في كل شيء ففعلت كل ما ترى
لأغضبك

فسماه الله ذا الكفل ، لأنه تكفل بأمر فوفي به !

وقد روى ابن أبي حاتم أيضاً عن ابن عباس قريباً من هذا السياق وهكذا روى عن
عبد الله بن الحارث ومحمد بن قيس وابن حجيرة الأكبر ، وغيرهم من السلف نحو
هذا

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي : حدثنا أبو الجماهر ، أنبأنا سعيد بن بشير ،
حدثنا قتادة ، عن كنانة بن الأخنس ، قال : سمعت الأشعري - يعني أبا موسى
رضي الله عنه - وهو على هذا المنبر يقول : ما كان ذو الكفل نبياً ، ولكن
كان رجل صالح كل يوم مائة صلاة ، فتكفل له ذو الكفل من بعده في فكان يصلى
كل يوم مائة صلاة ، فسمي ذا الكفل

ورواه ابن جرير من طريق عبد الرزاق ، عن معمر عن قتادة ، قال أبو موسى الأشعري فذكره منقطعاً

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا أسباط بن محمد حدثنا الأعمش
عن عبد الله ابن عبد الله عن سعد مولي طلحة ، عن ابن عمر قال : سمعت من
رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين - حتى
عد سبع مرار - لم أحدث به ، ولكني قد سمعته أكثر من ذلك قال : " كان الكفل
من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله ، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينا راً
على أن يطأها ، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت ، فقال لها ،
ما يبكيك ؟ أأكرهتك ؟ قالت : لا ، ولكن هذا عمل لم أعمله قط ، وإنما
حملتني عليه الحاجة قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قط ! ثم نزل فقال : اذهبي
بالدنانير لك ثم قال : والله لا يعصي الله الكفل أبداً ، فمات من ليلته
فأصبح مكتوباً على بابه : قد غفر الله للكفل "

ورواه الترمذي من حديث الأعمش به وقال : حسن ، وذكر أن بعضهم رواه فوقفه على ابن عمر

فهو حديث غريب جداً وفي إسناده نظر ، فإن سعداً هذا قال أبو حاتم : لا
أعرفه إلا بحديث واحد ووثقه ابن حبان ، ولم يرو عنه سوى عبد الله بن عبد
الله الرازي هذا فالله أعلم

وإن كان محفوظاً فليس هو ذا الكفل وإنما لفظ الحديث : الكفل من غير إضافة فهو رجل آخر غير المذكور في القرآن فالله تعالى أعلم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 9:48 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

باب ذكر أمم أهلكوا بعامة

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

وذلك قبل نزول التوراة بدليل قوله تعالى : " ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى " الآية

كما
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم والبزار من حديث عوف الأعرابي عن ابن أبي
نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : ما أهلك الله قوماً بعذاب من السماء أو من
الأرض ، بعدما أنزل التوراة على وجه الأرض ، غير القرية التي مسخوا قردة
ألم تر أن الله تعالى يقول : " ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا
القرون الأولى "

ورفعه البزار في رواية له ، والأشبه والله أعلم وقفه فدل على أن كل أمة أهلكت بعامة قبل موسى عليه السلام

فمنهم :


قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 9:50 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

أصحاب الرس

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قال الله تعالى في سورة الفرقان : " وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا * وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا "

وقال تعالى في سورة ق : " كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود * وعاد
وفرعون وإخوان لوط * وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد "

وهذا السياق والذي قبله ، يدل على أنهم أهلكوا ودمروا وتبروا ، وهو الهلاك

وهذا يرد اختيار ابن جرير من أنهم أصحاب الأخدود الذين ذكروا في سورة
البروج ، لأن أولئك عند ابن إسحاق وجماعة كانوا بعد المسيح عليه السلام
وفيه نظر أيضاً

وروى ابن جرير قال : قال ابن عباس : أصحاب الرس أهل قرية من قرى ثمود

وقد ذكر الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر في أول تاريخه ، عند ذكر بناء
دمشق ، عن تاريخ أبي القاسم عبدالله بن عبدالله بن جرداد وغيره ، أن أصحاب
الرس كانوا بحضور ، فبعث الله اليه نبياً يقال له حنظلة بن صفوان ، فكذبوه
وقتلوه ، فصال عاد بن عوص بن إرم ابن سام بن نوح وولده من الرس فنزل
الأحقاف وأهلك الله أصحاب الرس وانتشروا في اليمن كلها ، وفشوا مع ذلك في
الأرض كلها ، حتى نزل جبرون بن سعد بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ،
وبني مدينتها ، وسماها جبرون ، وهي إرم ذأت العماد ، وليس أعمدة الحجارة في
موضع أكثر منها بدمشق ، فبعث الله هود بن عبد الله بن رباح بن خالد بن
الحلود بن عاد ، إلى عاد ، يعنى أولاد عاد بالأحقاف فكذبوه فأهلكهم الله عز
وجل

فهذا يقتضي أن أصحاب الرس قبل عاد بدهور متطاولة فالله أعلم

وروى ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن أبي عاصم ، عن أبيه عن شبيب بن بشر ، عن
عكرمة ، عن ابن عباس قال : الرس بئر بأذربيجان وقال الثوري عن أبي بكر عن
عكرمة قال : الرس بئر رسوا فيها نبيهم ، أي دفنوه فيها

قال ابن جريج : قال عكرمة : أصحاب الرس بفلج وهم أصحاب يس وقال قتادة : فلج من قرى اليمامة

قلت : فإن كانوا أصحاب يس كما زعمه عكرمة ، فقد أهلكوا بعامة ، قال الله
تعالى في قصتهم : " إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون " وستأتي قصتهم
بعد هؤلاء

وإن كانوا غيرهم ، وهو الظاهر ، فقد أهلكوا أيضاً وتبروا وعلى كل تقدير فينافي ما ذكره ابن جرير

وقد ذكر أبو بكر محمد بن الحسن النقاش : أن أصحاب الرس كانت لهم بئر ترويهم
وتكفي أرضهم جميعاً ، وكان لهم ملك عادل حسن السيرة فلما مات وجدوا عليه
وجداً عظيماً ، فلما كان بعد أيام تصور لهم الشيطان في صورته وقال : إني لم
أمت ، ولكن تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم ، ففرحوا أشد الفرح ، وأمر بضرب
حجاب بينهم وبينه ، وأخبرهم أنه لا يموت أبداً ، فصدق به أكثرهم ، وافتتنوا
به وعبدوه ، فبعث الله فيهم نبياً ، فأخبرهم أن هذا شيطان يخاطبهم من وراء
الحجاب ونهاهم عن عبادته ، وأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له

قال السهيلي ، وكان يوحي إليه في النوم ، وكان اسمه حنظلة بن صفوان ،
فعدوا عليه فقتلوه وألقوه في البئر ، فغار ماؤها وعطشوا بعد ريهم ، ويبست
أشجارهم وانقطعت ثمارهم ، وخربت ديارهم وتبدلوا بعد الأنس بالوحشة ، وبعد
الاجتماع بالفرقة ، وهلكوا عن آخرهم ، وسكن في مساكنهم الجن والوحوش ، فلا
يسمع ببقاعهم إلا عزيف الجن وزئير الأسود وصوت الضباع

فأما ما رواه - أعني ابن جرير - عن محمد بن حميد عن سلمة عن ابن إسحاق عن
محمد بن كعب القرظي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول
الناس يدخلون الجنة يوم القيامة العبد الأسود " وذلك أن الله تعالى بعث
نبياً إلى أهل قرية فلم يؤمن به من أهلها إلا ذلك العبد الأسود ، ثم إن أهل
القرية عدوا على النبي فحفروا له بئراً فألقوه فيها ثم أطبقوا عليه بحجر
أصم ، قال : فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره ، ثم يأتي بحطبه فيبيعه
ويشتري به طعاماً وشراباً ، ثم يأتي به إلى تلك البئر فيرفع تلك الصخرة
ويعينه الله عليها ويدلى إليه طعامه وشرابه ، ثم يردها كما كانت

قال : فكان كذلك ما شاء الله أن يكون ثم إنه ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع
، فجمع حطبه وحزم حزمته وفرغ منها ، فلما أراد أن يحتملها وجد سنة فاضطجع
فنام ، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائماً ثم إنه هب فتمطى فتحول لشقه
الآخر ، فاضطجع فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى ثم إنه هب واحتمل حزمته
ولا يحسب أنه نام إلا ساعة من نهار ، فجاء إلى القرية فباع حزمته ثم اشترى
طعاماً وشراباً كما كان يصنع ثم إنه ذهب إلى الحفيرة ، إلى موضعها الذي
كانت فيه ، يلتمسه فلم يجده وقد كان بدا لقومه فيه بداء ، فاستخرجوه وآمنوا
به وصدقوه

قال : فكان نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل ، فيقولون له ما ندري ؟ حتى
قبض الله النبي عليه السلام وهب الأسود من نومته بعد ذلك ، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " إن ذلك الأسود لأول من يدخل الجنة "

فإنه حديث مرسل ومثله فيه نظر ولعل بسط قصته من كلام محمد بن كعب القرظي والله أعلم

ثم قد رده ابن جرير نفسه ، وقال : لايجوز أن يحمل هؤلاء على أنهم أصحاب
الرس المذكورون في القرآن ، قال : لأن الله أخبر عن أصحاب الرس أنه أهلكهم
وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيهم اللهم إلا أن يكون حدثت لهم أحداث آمنوا
بالنبي بعد هلاك آبائهم والله أعلم

ثم اختار أنهم أصحاب الأخدود وهو ضعيف ، لما تقدم ، ولما ذكر في قصة أصحاب
الأخدود حيث توعدوا بالعذاب في الآخرة ، إن لم يتوبوا ، ولم يذكر هلاكهم ،
وقد صرح بهذا أصحاب الرس والله تعالى أعلم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 9:51 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصة قوم يس

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

وهم أصحاب القرية أصحاب يس قال الله تعالى : " واضرب لهم مثلا أصحاب
القرية إذ جاءها المرسلون * إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث
فقالوا إنا إليكم مرسلون * قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من
شيء إن أنتم إلا تكذبون * قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون * وما علينا
إلا البلاغ المبين * قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم
منا عذاب أليم * قالوا طائركم معكم أإن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون * وجاء
من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لا
يسألكم أجرا وهم مهتدون * وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون * أأتخذ
من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون * إني
إذا لفي ضلال مبين * إني آمنت بربكم فاسمعون * قيل ادخل الجنة قال يا ليت
قومي يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين * وما أنزلنا على قومه من
بعده من جند من السماء وما كنا منزلين * إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم
خامدون "

اشتهر عن كثير من السلف والخلف أن هذه القرية أنطاكية رواه ابن إسحاق
فيما بلغه عن ابن عباس وكعب الأحبار ووهب ابن منبه ، وكذا روى عن بريدة بن
الخصيب وعكرمة قتادة والزهري وغيرهم قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس
وكعب ووهب أنهم قالوا : وكان لهم ملك اسمه انطيخس بن أنطيخس وكان يعبد
الأصنام فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل وهم : صادوق ومصدوق وشلوم ، فكذبهم


وهذا ظاهر أنهم رسل من الله عز وجل ، وزعم قتادة أنهم كانوا رسلاً من
المسيح وكذا قال ابن جرير ، عن وهب ، عن ابن سليمان ، عن شعيب الجبائي :
كان اسم المرسلين الأولين : شمعون ، ويوحنا ، واسم الثالث بولس ، والقرية
أنطاكية

وهذا القول ضعيف جداً ، لأن أهل أنطاكية لما بعث إليهم المسيح ثلاثة من
الحواريين كانوا أول مدينة آمنت بالمسيح في ذلك الوقت ولهذا كانت إحدى
المدني الأربع التي تكون فيها بتاركة النصاري وهن : أنطاكية ، والقدس ،
والإسكندرية ، ورومية ، ثم بعدها القسطنطينية ولم يهلكوا وأهل هذه القرية
المذكورة في القرآن أهلكوا ، كما قال في آخر قصتها بعد قتلهم صديق المرسلين
: " إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون " ولكن إن كانت الرسل الثلاثة
المذكورون في القرآن بعثوا إلى أهل أنطاكية قديماً فكذبوهم وأهلكهم الله ،
ثم عمرت بعد ذلك ، فلما كان في زمن المسيح آمنوا برسله إليهم ، فلا يمنع
هذا والله أعلم

فأما القول بأن هذه القصة المذكورة في القرآن هي قصة أصحاب المسيح فضعيف
لما تقدم ، ولأن ظاهر سياق القرآن يقتضي أن هؤلاء الرسل من عند الله

قال الله تعالى : " واضرب لهم مثلا " يعنى لقومك يا محمد " أصحاب القرية "
يعني المدينة " إذ جاءها المرسلون * إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا
بثالث " أي أيدناهما بثالث في الرسالة ، " فقالوا إنا إليكم مرسلون "
فردوا عليهم بأنهم بشر مثلهم ، كما قالت الأمم الكافرة لرسلهم ، يستبعدون
أن يبعث الله نبياً بشرياً فأجابو بأن الله يعلم أنا رسله إليكم ، ولو كنا
كذبنا عليه لعاقبنها وانتقم منا أشد الإنتقام " وما علينا إلا البلاغ
المبين " أي إنما علينا أن نبلغكم ما أرسلنا به إليكم والله هو الذي يهدي
من يشاء ويضل من يشاء " قالوا إنا تطيرنا بكم " أي تشاءمنا بما جئنمونا به
" لئن لم تنتهوا لنرجمنكم " قيل بالمقال ، وقيل بالفعال ، ويؤيد الأول
قوله : " وليمسنكم منا عذاب أليم " توعدم بالقتل والإهانة

" قالوا طائركم معكم " أي مردود عليكم " أإن ذكرتم " أي بسبب أنا ذكرنا
بالهدى ودعوناكم إليه ، توعدتمونا بالقتل والإهانة " بل أنتم قوم مسرفون "
أي لا تقبلون الحق ولا تريدونه

وقوله تعالى : " وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى " يعنى لنصرة الرسل وإظهار
الإيمان بهم " قال يا قوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم
مهتدون " أي يدعونكم إلى الحق المحض بلا أجرة ولا جعالة

ثم دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، ونهاهم عن عبادة ما سواه مما لا
ينفع شيئاً لا في الدنيا ولا في الآخرة " إني إذا لفي ضلال مبين " أي إن
تركت عبادة الله وعبدت معه سواه

ثم قال مخاطباً للرسل : " إني آمنت بربكم فاسمعون " قيل : فاستمعوا مقالتي
واشهدوا لي بها عند ربكم ، وقيل معناه : فاستمعوا يا قومي إيماني برسل الله
جهرة فعند ذلك قتلوه ، قيل رجماً ، وقيل عضاً ، وقيل وثبوا إليه وثبة رجل
واحد فقتلوه

وحكى ابن إسحاق عن بعض أصحابه عن ابن مسعود قال : وطئوه بأرجلهم ، حتى أخرجوا قصبته

وقد روى الثوري عن عاصم الأحول ، عن أبي مجلز : كان اسم هذا الرجل حبيب بن
مري ثم قيل : كان نجاراً ، وقيل حياكاً ، وقيل إسكافاً ، وقيل قصاراً ،
وقيل كان يتعبد في غار هناك فالله أعلم

وعن ابن عباس : كان حبيب النجار قد أسرع فيه الجذام ، وكان كثير الصدقة
فقتله قومه ، ولهذا قال تعالى : " قيل ادخل الجنة " يعنى لما قتله قومه
أدخله الله الجنة ، فلما رأى فيها من النضرة والسرور " قال يا ليت قومي
يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين " يعنى ليؤمنوا بما آمنت به
فيحصل لهم ما حصل لي

قال ابن عباس : نصح قومه في حياته بقوله : " يا قوم اتبعوا المرسلين " وبعد
مماته في قوله : " يا ليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من
المكرمين " رواه ابن أبي حاتم وكذلك قال قتادة : لا يلقى المؤمن إلا
ناصحاً ، لا يلقى غاشاً ، لما عاين من عاين من كرامة الله " يا ليت قومي
يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين " تمنى والله أن يعلم قومه بما
عاين من كرامة الله وما هو عليه !

قال قتادة : فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله : " إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون "

وقوله تعالى : " وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين " أي

وما احتجنا في الإنتقام منهم إلى إنزال جند من السماء عليهم

هدا معنى ما رواه ابن إسحاق عن بعض أصحابه عن ابن مسعود قال مجاهد وقتادة :
وما أنزل عليهم جنداً ، أي رسالة أخرى قال ابن جرير: والأول أولى

قلت : وأقوى ، ولهذا قال : " وما كنا منزلين " أي وما كنا نحتاج في
الإنتقام إلى هذا حين كذبوا رسلنا وقتلوا ولينا " إن كانت إلا صيحة واحدة
فإذا هم خامدون "

قال المفسرون : بعث الله إليه جبريل عليه السلام ، فأخذ بعضادتي الباب
الذي لبلدهم ، ثم صاح بهم صيحة واحدة فإذا هم خامدون ، أي قد أخمدت أصواتهم
، وسكنت حركاتهم ، ولم يبق منهم عين تطرف

وهذا كله مما يدل على أن هذه القرية ليست أنطاكية ، لأن هؤلاء أهلكوا
بتكذيبهم رسل الله إليهم ، وأهل أنطاكية آمنوا واتبعوا رسل المسيح من
الحواريين إليهم فلهذا قيل إن أنطاكية أول مدينة آمنت بالمسيح

فأما الحديث الذي رواه الطبراني من حديث حسين الأشقر ، عن سفيان بن عيينة
عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : " السبق ثلاثة : فالسابق إلى موسى : يوشع بن نون ، والسابق إلى عيسى :
صاحب يس ، والسابق إلى محمد : علي بن أبي طالب " فإنه حديث لا يثبت ، لأن
حسيناً هذا متروك شيعي من الغلاة ، وتفرد بهذا مما يدل على ضغفه بالكلية
والله أعلم


قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 9:54 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصة يونس عليه السلام

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قال الله تعالى في سورة يونس : " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا
قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى
حين "

وقال تعالى في سورة الأنبياء : " وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر
عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين *
فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين "

وقال تعالى في سورة الصافات : " وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلى الفلك
المشحون * فساهم فكان من المدحضين * فالتقمه الحوت وهو مليم * فلولا أنه
كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون * فنبذناه بالعراء وهو سقيم
* وأنبتنا عليه شجرة من يقطين * وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون * فآمنوا
فمتعناهم إلى حين "

وقال تعالى في سورة القلم : " فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى
وهو مكظوم * لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم * فاجتباه
ربه فجعله من الصالحين "

قال أهل التفسير : بعث الله يونس عليه السلام إلى أهل نينوي من أرض
الموصل ، فدعاهم إلى الله عز وجل ، فكذبوه وتمردوا على كفرهم وعنادهم ،
فلما طال ذلك عليه من أمرهم خرج من بين أظهرهم ، ووعدهم حلول العذاب بهم
بعد ثلاث

قال ابن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة ، وغير واحد من السلف والخلف :
فلما خرج من بين ظهرانيهم ، وتحققوا نزول العذاب بهم قذف الله في قلوبهم
التوبة والإنابة ، وندموا على ما كان منهم إلى نبيهم ، فلبسوا المسوح
وفرقوا بين كل بهيمة وولدها ، ثم عجوا إلى الله عز وجل ، وصرخوا وتضرعوا
إليه ، وتمسكنوا لديه ، وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والأمهات ،
وجأرت الأنعام والدواب والمواشي فرغت الإبل وفصلانها ، وخارت البقر
وأولادها ، وثغت الغنم وحملانها وكانت ساعة عظيمة هائلة

فكشف الله العظيم بحوله وقوته ورأفته ورحمته ، عنهم العذاب الذي كان قد اتصل بهم سببه ، ودار على رءوسهم كقطع الليل المظلم

ولهذا قال تعالى : " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها " أي هلا وجدت
فيما سلف من القرون قرية آمنت بكاملها ، فدل على أنه لم يقع ذلك ، بل كما
قال تعالى : " وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم
به كافرون " وقوله : " إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في
الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين " أي آمنوا بكاملهم

وقد اختلف المفسرون : هل ينفعهم هذا الإيمان في الدار الآخرة فينقذهم من العذاب الأخروى كما أنقذهم من العذاب الدنيوي ؟ على قولين :

الأظهر من السياق : نعم والله أعلم كما قال تعالى : " لما آمنوا " وقال
تعالى : " وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون * فآمنوا فمتعناهم إلى حين "
وهذا المتاع إلى حين لاينفي أن يكون معه غيره من رفع العذاب الأخروي
والله أعلم

وقد كانوا مائة ألف لا محالة واختلفوا في الزيادة : فعن مكحول عشرة آلاف
وروى الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث زهير عمن سمع أبا العالية :
حدثني أبي بن كعب ، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله : "
وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون " قال : " يزيدون عشرين ألفاً " فلولا هذا
الرجل المبهم لكان هذا الحديث فاصلاً في هذا الباب

وعن ابن عباس : كانوا مائة ألف وثلاثين ألفاً ، وعنه : وبضعة وثلاثين
ألفاً وعنه وبضعة وأربعين ألفاً وقال سعيد بن جبير : كانوا مائة ألف
وسبعين ألفاً

واختلفوا : هل كان إرساله إليهم قبل الحوت أو بعده ؟ أو هما أمتان ؟ على ثلاثة أقوال : هي مبسوطة في التفسير

والمقصود عليه السلام لما ذهب مغاضباً بسبب قومه ، ركب سفينة في البحر فلجت
بهم ، واضطربت وماجت بهم وثقلت بما فيها ، وكادوا يغرقون على ما ذكره
المفسرون

قالوا : فاشتوروا فيها بينهم على أن يقترعوا ، فمن وقعت عليه القرعة ألقوه من السفينة ليتخففوا منه

فلما اقترعوا وقعت القرعة على نبي الله يونس فلم يسمحوا به ، فأعادوها
ثانية فوقعت عليه أيضاً ، فشمر ليخلع ثيابه ويلقى بنفسه فأبوا عليه ذلك ثم
أعادوا القرعة ثالثة فوقعت عليه أيضاً ، لما يريده الله به من الأمر
العظيم

قال الله تعالى : " وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلى الفلك المشحون *
فساهم فكان من المدحضين * فالتقمه الحوت وهو مليم " وذلك أنه لما وقعت
عليه القرعة ألقي في البحر وبعث الله عز وجل حوتاً عظيماً من البحر الأخضر
فالتقمه وأمره الله تعالى ألا يأكل له لحماً ولايهشم له عظماً فليس لك
برزق ، فأخذه فطاف به البحار كلها وقيل إنه ابتلع ذلك الحوت حوت آخر أكبر
منه

قالوا : ولما استقر في جوف الحوت حسب أنه قد مات ، فحرك جوارحه فتحركت ،
فإذا هو حي فخر لله ساجداً وقال : يارب اتخذت لك مسجداً في موضع لم يعبدك
أحد في مثله

وقد اختلفوا في مقدار لبثه في بطنه ، فقال مجاهد عن الشعبي : التقمه ضحى
ولفظه عشية ، وقال قتادة : فمكث فيه ثلاثاً ، وقال جعفر الصادق : سبعة
أيام ويشهد له شعر أمية ابن أبي الصلت :

وأنت بفضل منك نجيت يونساً وقد بات في أضعاف حوت لياليا

وقال سعيد بن أبي الحسن وأبو مالك : مكث في جوفة أربعين يوماً والله أعلم كم مقدار ما لبث فيه

والمقصود أنه لما جعل الحوت يطوف به في قرار البحار اللجية ، ويقتحم به لجج
الموج الأجاجي ، فسمع تسبيح الحيتان للرحمن ، وحتى سمع تسبيح الحصى لفالق
الحب والنوى ، ورب السموات السبع والأرضين السبع وما بينهما وما تحت الثرى ،
فعند ذلك وهنالك ، قال ما قال بلسان الحال والمقال ، كما أخبر عنه ذو
العزة والجلال الذي يعلم السر والنجوى ، ويكشف الضر والبلوى ، سمع الأصوات
وإن ضعفت ، وعالم الخفيات وإن دقت ، ومجيب الدعوات وإن عظمت ، حيث قال في
كتابه المبين ، المنزل على رسوله الأمين ، وهو أصدق القائلين ورب العالمين
وإله المرسلين : " وذا النون إذ ذهب " أي إلى أهله " مغاضبا فظن أن لن نقدر
عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين *
فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين " " فظن أن لن نقدر عليه "
أن نضيق عليه وقيل معناه : نقدر من التقدير وهي لغة مشهورة ، قدر وقدر
كما قال الشاعر :

فلا عائد ذاك الزمان الذي مضى تباركت ، ما تقدر يكن ، فلك الأمر

" فنادى في الظلمات " قال ابن مسعود وابن عباس وعمرو بن ميمون وسعيد بن
جبير ومحمد بن كعب والحسن وقتادة والضحاك : ظلمة الحوت ، وظملة البحر ،
وظلمة الليل

وقال سالم بن أبي الجعد : ابتلع الحوت حوت آخر فصارت ظلمة الحوتين مع ظلمة البحر

وقوله تعالى : " فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون "

قيل معنا فلولا أنه سبح الله هنالك ، وقال ما قال من التهليل والتسبيح ،
والإعتراف لله بالخضوع ، والتوبة إليه والرجوع إليه للبث هنالك إلى يوم
القيامة ، ولبعث من جوف ذلك الحوت وهذا معنى ما روى عن سعيد بن جبير في
إحدى الروايتين عنه

وقيل معناه : " فلولا أنه كان " من قل أخذ الحوت له " من المسبحين " أي
المطيعين المصلين الذاكرين الله كثيراً قاله الضحاك ابن قيس وابن عباس
وأبو العالية ووهب بن منبه وسعيد بن جبير والضحاك والسدي وعطاء بن السائب
والحسن البصري وقتادة وغير واحد واختاره ابن جرير

ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد وبعض أهل السنن عن ابن عباس أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال له : " يا غلام إني معلمك كلمات : احفظ الله
يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة "

وروى ابن جرير في تفسيره ، والبزار في مسنده من حديث محمد بن إسحاق ، عمن
حدثه ، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما أرأد الله حبس يونس في بطن الحوت
أوحى الله إلى الحوت : أن أخذه ولا تخدش له لحماً ولا تكسر له عظماً فلما
انتهى به إلى أسفل البحر يونس حساً ، فقال في نفسه : ما هذا ؟ فأوحى الله
إليه وهو في بطن الحوت : إن هذا تسبيح دواب البحر قال : فسبح وهو في بطن
الحوت ، فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا : يا ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفاً
بأرض غريبة ! قال : ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر
قالوا : العبد الصالح ، الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح ؟
قال : نعم قال ؟ فشفعوا له عند ذلك ، فأمر الحوت فقذفه في الساحل كما قال
الله : " وهو سقيم " "

هذا لفظ ابن جرير إسناداً ومتناً ثم قال البزار : لا نعلمه يروى عن النبي
صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد كذا قال

وقد قال ابن أبي حاتم في تفسيره : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن عبد الرحمن
بن أخي وهب ، حدثنا عمى ، حدثني أبو صخر ، أن يزيد الرقاشي قال : سمعت أنس
بن مالك ، ولا أعلم إلا أن أنساً يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : " إن يونس النبي عليه السلام حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات
وهي في بطن الحوت كال : اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
فأقبلت هذه الدعوة تحت العرش ، فقالت الملائكة : يارب صوت ضعيف معروف من
بلاد غريبة فقال : أما تعرفون ذاك ؟ فقالوا : لا يارب ومن هو ؟ قال : عبدي
يونس قالوا : عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مجابة ؟
قالوا : يا ربنا أو لا ترحم ما كان يصنعه في الرخاء فتنجيه من البلاء ؟
قال : بلى فأمر الحوت فطرحه في العراء "

ورواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب به

زاد ابن أبي حاتم : قال أبو صخر حميد بن زياد فأخبرني ابن قسيط وأنا أحدثه
هذا الحديث ، أنه سمع أبا هريرة يقول : طرح بالعراء ، وأنبت الله عليه
اليقطينة قلنا : يا أبا هريرة وما اليقطينة ؟ قال : شجرة الدباء ، قال
أبو هريرة : وهيأ الله له أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض ، أو قال : هشاش
الأرض ، قال : فتفسخ عليه فترويه من لبنها كل عشية وبكرة حتى نبت

وقال أمية بن أبي الصلت في ذلك بيتاً من شعره

فأنبت يقطيناً عليه برحمة من الله لولا الله أصبح ضاويا

وهذا غريب أيضاً من هذا الوجه ويزيد الرقاشي ضعيف ، ولكن يتقوى بحديث أبي هريرة المتقدم ، كما يتقوى ذاك بهذا والله أعلم

وقد قال الله تعالى : " فنبذناه " أي ألقيناه " بالعراء " وهو المكان القفر
الذي ليس فيه شيء من الأشجار ، بل هو عار منها ، " وهو سقيم " أي ضعيف
البدن قال ابن مسعود : كهيئة الفرخ ليس عليه ريش ، وقال ابن عباس والسدي
وابن زيد : كهيئة الصبي حين يولد وهو المنفوش ليس عليه شيء

" وأنبتنا عليه شجرة من يقطين " قال ابن مسعود وابن عباس وعكرمة ومجاهد
وسعيد ابن جبير ووهب بن منبه وهلال بن يساف وعبد الله بن طاووس والسدي
وقتادة والضحاك وعطاء الخرساني وغير واحد : هو القرع

قال بعض العلماء : في إنبات القرع عليه حكم جمة ، منها أن ورقه في غاية
النعومة ، وكثير وظليل ، ولا يقربه ذباب ، ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى
آخره ، نياً ومطبوخاً ، ويقشره وببزره أيضاً وفيه نفع كثير وتقوية للدماغ
وغير ذلك

وتقدم كلام أبي هريرة في تسخير الله تعالى له تلك الأروية التي كانت ترضعه
لبنها وترعى في البرية ، وتأتيه بكرة وعشية وهذا من رحمة الله به ونعمته
عليه وإحسانه إليه ولهذا قال الله تعالى : " فاستجبنا له ونجيناه من الغم "
أي الكرب والضيق الذي كان فيه " وكذلك ننجي المؤمنين " أي وهذا صنيعنا بكل
من دعانا واستجار بنا

قال ابن جرير : حدثني عمران بن بكار الكلاعي ، حدثنا يحيى بن صالح ، حدثنا
أبو يحيى ابن عبد الرحمن ، حدثني بشر بن منصور ، عن على بن زيد ، عن سعيد
بن المسيب قال : سمعت سعد بن مالك - وهو ابن أبي وقاص - يقول : سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اسم الله الذي إذا دعى به أجاب ، وإذا
سئال به أعطى دعوة يونس بن متى قال : فقلت : يا رسول الله هي يونس خاصة
أم لجماعة المسلمين ؟ قال : هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا بها ،
ألم تسمع قول الله تعالى : " فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك
إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين "
فهو شرط من الله لمن دعاه به"

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر عن كثير
بن زيد ، عن المطلب بن حنطب قال أبو خالد : أحسبه عن مصعب - يعني ابن سعد -
عن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من دعا بدعاء يونس
استجيب له " قال أبو سعيد الأشج : يريد به : " وكذلك ننجي المؤمنين "
وهذان طريقان عن سعد

وثالث أحسن منهما : وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن عمير ، حدثنا
يونس بن أبي إسحاق الهمداني ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعد ، حدثني والدي
محمد ، عن أبيه سعد - وهو ابن أبي وقاص رضي الله عنه - قال : مررت بعثمان
بن عفان في المسجد فسلمت عليه ، فملأ عينيه مني ثم لم يرد علي السلام ،
فأتيت عمر بن الخطاب فقلت : يا أمير المؤمنين هل حدث في الإسلام شيء ؟
قال : لا وما ذاك ؟ قلت : لا ، إلا أني مررت بعثمان آنفاً في المسجد فسلمت
عليه فلأ عينيه مني ثم لم يرد علي السلام قال : فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه
، فقال : مامنعك ألا تكون رددت على أخيك السلام ؟ قال : ما فعلت قال سعد :
قلت : بلى ، حتى حلف وحلفت قال : ثم إن عثمان ذكر فقال : بلى ، وأستغفر
الله وأتوب إليه ، إنك مررت بي آنفاً ، وأنا أحدث نفسي بكلمة سمعتها من
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا والله ما ذكرتها قط إلا تغشى بصري وقلبي
غشاوة ، قال سعد : فأنا أنبئك بها ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر
لنا أول دعوة ، ثم جاء أعرابي فشغله حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاتبعته ، فلما أشفقت أن يسبقني إلى منزله ضربت بقدمي الأرض ، فالتفت إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " من هذا ؟ أبو إسحاق ؟ " قال : قلت :
نعم يا رسول الله ، قال : " مه " ؟ قلت : لا والله ، الا أنك ذكرت لنا أول
دعوة ، ثم جاء هذا الأعرابي فشغلك ، قال : " نعم دعوة ذي النون إذ هو في
بطن الحوت : " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " فانه لم يدع
بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له "

ورواه الترمذي و النسائي من حديث إبراهيم بن محمد بن سعد به

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 9:56 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

ذكر فضل يونس عليه السلام

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قال الله تعالى : " وإن يونس لمن المرسلين " وذكره تعالى في جملة الأنبياء
الكرام في سورتي النساء والأنعام ، عليهم من الله أفضل الصلاة والسلام

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ،
عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ينبغي لعبد أن
يقول أنا خير من يونس بن متى "

ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري به

وقال البخاري أيضاً : حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أبي
العالية عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما ينبغي لعبد
أن يقول إني خير من يونس بن متى ، ونسبه إلى أبيه "

ورواه أحمد و مسلم و أبو داود من حديث شعبة به ، قال شعبة فيما حكاه
أبو داود عنه : لم يسمع قتادة من أبي العالية سوى أربعة أحاديث ، وهذا
أحدها

وقد رواه الإمام أحمد عن عفان ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن
يونس بن مهران ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما
ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس ابن متى " تفرد به أحمد

وراه الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن الحسن بن كيسان ، حدثنا
عبد الله بن رجاء ، أنبأنا إسرائيل ، عن أبي يحيى العتاب ، عن مجاهد ، عن
ابن عباس أن رسول الله عليه وسلم قال : " لا ينبغي لأحد أن يقول أنا عند
الله خير من يونس بن متى " إسناده جيد ولم يخرجوه

وقال البخاري : حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، عن سعد ابن إبراهيم ،
سمعت حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : " لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى "
وكذا رواه مسلم من حديث شعبة

وفي البخاري و مسلم من حديث عبد الله بن الفضل ، عن عبد الرحمن بن
هرمز الأعرج ، عن أبي هريرة في قصة المسلم الذي لطم وجه اليهودي حين قال :
لا والذي اصطفى موسى على العالمين

قال البخاري في آخره : " و لا أقول : إن أحداً أفضل من يونس بن متى "
وهذا اللفظ يقوى أحد القولين من المعنى : " لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير
من يونس بن متى " أي ليس لأحد أن يفضل نفسه على يونس

والقول الآخر : لا ينبغي لأحد أن يفضلني على يونس بن متى كما قد ورد في
بعض الأحاديث : " لا تفضلوني على الأنبياء ولا على يونس بن متى "

وهذا من باب الهضم والتواضع منه صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله والمرسلين

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 9:58 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم نشأته حتى الرسالة

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465


وهو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم
عليهم السلام ، قال تعالى : " واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان
رسولا نبيا * وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا * ووهبنا له من
رحمتنا أخاه هارون نبيا "

وقد ذكره الله تعالى في مواضع كثيرة متفرقة من القرآن وذكر قصته في مواضع
متعددة مبسوطة وغير مطولة وقد تكلمنا على ذلك كله في مواضعه من التفسير
وسنورد سيرته هاهنا من ابتدائها إلى آخرها من الكتاب والسنة وما ورد في
الآثار المنقولة من الإسرائيليات الذي ذكرها السلف وغيرهم إن شاء الله ،
وبه الثقة وعليه التكلان

قال الله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم" طسم * تلك آيات الكتاب المبين *
نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون * إن فرعون علا في الأرض
وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من
المفسدين * ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة
ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما
كانوا يحذرون "

يذكر تعالى ملخص القصة ثم يبسطها بعد هذا ، فذكر أنه يتلو على نبيه خبر
موسى وفرعون بالحق ، أي بالصدق الذي كأن سامعه مشاهد للأمر معاين له

" إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا " أي تجبر وعتا وطغى وبغى ، وآثر
الحياة الدنيا ، وأعرض عن طاعة الرب الأعلى وجعل أهلها شيعاً ، أي قسم
رعيته إلى أقسام ، وفرق وأنواع ، يستضعف طائفة منهم ، وهم شعب بني إسرائيل
الذين هم من سلالة نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله وكانوا
إذ ذاك خيار أهل الأرض وقد سلط عليهم هذا الملك الظالم الغاشم الكافر
الفاجر يستعبدهم ويستخدمهم في أخس الصنائع والحرف وأرداها وأدناها ومع هذا
" يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين "

وكان الحامل له على هذا الصنيع القبيح أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما
بينهم ما يأثرونه عن إبراهيم عليه السلام ، من أنه سيخرج من ذريته غلام
يكون هلاك ملك مصر على يديه ، وذلك - والله أعلم - حين كان جرى على سارة
امرأة الخليل من ملك مصر ، من إرادته إياها على السوء وعصمة الله لها
وكانت هذه البشارة مشهورة في بني إسرائيل فتحدث بها القبط فيما بينهم ،
ووصلت إلى فرعون فذكرها له بعض أمرائه وأساورته وهم يسمرون عنده ، فأمر عند
ذلك بقتل أبناء بني إسرائيل ، حذراً من وجود هذا الغلام ولن يغني حذر من
قدر !

وذكر السدي عن أبي صالح وأبي مالك ، عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود ،
وعن أناس من الصحابة : أن فرعون رأى في منامه ، كأن ناراً قد أقبلت من نحو
بيت المقدس ، فأحرقت دور مصر وجميع القبط ولم تضر بني إسرائيل فلما استيقظ
هاله ذلك ، فجمع الكهنة والحذقة والسحرة ، وسألهم عن ذلك ، فقالوا : هذا
غلام يولد من هؤلاء ، يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه ، فلهذا أمر بقتل
الغلمان وترك النسوان

ولهذا قال الله تعالى : " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض " وهم
بنو إسرائيل ، " ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " أي الذين يئول ملك مصر
وبلادها إليهم : " ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما
كانوا يحذرون " أي سنجعل الضعيف قوياً والمقهور قاهراً والذليل عزيزاً ،
وقد جرى هذا كله لبني إسرائيل ، كما قال تعالى : " وأورثنا القوم الذين
كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك
الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا " الآية وقال تعالى : " فأخرجناهم من
جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم * كذلك وأورثناها بني إسرائيل " وسيأتي
تفصيل ذلك في موضعه إن شاء الله

والمقصود أن فرعون احترز كل الإحتراز ألا يوجد موسى ، حتى جعل رجالاً
وقوابل يدورون على الحبالي ، ويعلمون ميقات وضعهن ، فلا تلد امرأة ذكراً
إلا ذبحه أولئك الذباحون من ساعته

وعند أهل الكتاب : أنه إنما كان يأمر بقتل الغلمان ، لتضعف شوكة بني إسرائيل ، فلا يقاوموهم إذا غالبوهم أو قاتلوهم

وهذا فيه نظر ، بل هو باطل وإنما هذا في الأمر يقتل الولدان بعد بعثة موسى
، كما قال تعالى : " فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين
آمنوا معه واستحيوا نساءهم " ولهذا قالت بنو إسرائيل لموسى : " أوذينا من
قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا "

فالصحيح أن فرعون إنما أمر بقتل الغلمان أولاً ، حذراً من وجود موسى

هذا ، والقدر يقول : يا أيهذا الملك الجبار ، المغرور بكثرة جنوده وسلطة
بأسه واتساع سلطانه ، قد حكم العظيم الذي لا يغالب ولا يمانع ، ولا تخالف
أقداره ، إن هذا المولود الذي تحترز منه ، وقد قتلت بسببه من النفوس ما لا
يعد ولا يحصى ، لا يكون مرباه إلا في دارك وعلى فراشك ، ولا يغذي إلا
بطعامك وشرابك في منزلك ، وأنت الذي تتبناه وتربيه وتتفداه ، ولا تطلع على
سر معناه ، ثم يكون هلاكك في دنياك وأخراك على يديه ، لمخالفتك ما جاءك به
من الحق المبين ، وتكذيبك ما أوحي إليه ، لتعلم أنت وسائر الخلق ، أن رب
السموات والأرض هو الفعال لما يريد ، وأنه هو القوي الشديد ، ذو البأس
العظيم ، والحول والقوة ، والمشيئة التي لا مرد لها !

وقد ذكر غير واحد من المفسرين : أن القبط شكوا إلى فرعون قلة بني إسرائيل ،
بسبب قتل ولدانهم الذكور ، وخشي أن تتفاني الكبار مع قتل الصغار ، فيصيرون
هم الذين يلون ما كان بنو إسرائيل يعالجون فأمر فرعون بقتل الأبناء عاماً
وأن يتركوا عاماً فدكروا أن هارون عليه السلام ولد في عام المسامحة عن قتل
الأبناء ، وأن موسى عليه السلام ولد في عام قتلهم ، فضاقت أمه به ذرعاً
واحترزت من أول ما حبلت ، ولم يكن يظهر عليها مخايل الحبل فلما وضعت ألهمت
أن اتخذت له تابوتاً ، فربطته في حبل وكانت دارها متاخمة للنيل ، فكانت
ترضعه ، فإذا خشيت من أحد وضعته في ذلك التابوت فأرسلته في البحر ، وأمسكت
طرف الحبل عندها ، فإذا ذهبوا استرجعته إليها به

قال الله تعالى : " وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في
اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين * فالتقطه
آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين *
وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا
وهم لا يشعرون "

هذا الوحي وحي إلهام وإرشاد كما قال تعالى : " وأوحى ربك إلى النحل أن
اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون * ثم كلي من كل الثمرات
فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها " الآية وليس هو بوحى نبوة كما زعمه
ابن حزم وغير واحد من المتكلمين بل الصحيح الأول ، كما حكاه أبوه الحسن
الأشعري عن أهل السنة والجماعة

قال السهيلي : واسم أم موسى أيارخا وقيل ، أياذخت المقصود أنها أرشدت
إلى هذا الذي ذكرناه ، وألقى في خلدها وروعها ألا تخافي ولا تحزني ، فإنه
إن ذهب فإن الله سيرده إليك ، وإن الله سيجعله نبياً مرسلاً ، يعلى كلمته
في الدنيا والآخرة ، فكانت تصنع ما أمرت به فأرسلته ذات يوم وذهلت أن تربط
طرف الحبل عندها فذهب مع النيل فمر على دار فرعون " فالتقطه آل فرعون " قال
الله تعالى : " ليكون لهم عدوا وحزنا " قال بعضهم : هذه ( لام ) العاقبة ،
وهو ظاهر إن كان متعلقاً بقوله : " فالتقطه " وأما إن جعل متعلقاً بمضمون
الكلام ، وهو أن آل فرعون قيضوا لالتقاطه ليكون لهم عدواً وحزناً ، وصارت
اللام معللة كغيرها والله أعلم ويقوى هذا التقدير الثاني قوله : " إن
فرعون وهامان " وهو الوزير السوء " وجنودهما " التابعين لهما " كانوا
خاطئين " أي كانوا على خلاف الصواب ، فاستحقوا هذه العقوبة والحسرة

وذكر المفسرون : أن الجواري التقطنة من البحر في تابوت مغلق عليه ، فلم
يتجاسرن على فتحه ، حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون آسية بنت مزاحم بن
عبيد بن الريان بن الوليد ، الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف ، وقيل إنها
كانت من بني إسرائيل من سبط موسى وقيل بل كانت عمته ، حكاه السهيلي
فالله أعلم

وسيأتي مدحها والثناء عليها في قصة مريم بنت عمران ، وأنهما يكونان يوم القيامة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة

فلما فتحت الباب وكشفت الحجاب ، ورأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار النبوية
والجلالة الموسوية ، فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حباً شديداً جداً
فلما جاء فرعون قال : ما هذا ؟ وأمر بذبحه ، فاستوهبته منه ودفعت عنه وقالت
: " قرة عين لي ولك " فقال لها فرعون : أما لك فنعم وأما لي فلا ، أي لا
حاجة لي به والبلاء موكل بالمنطق !

وقولها : " عسى أن ينفعنا " قد أنالها الله ما رجت من النفع أما في الدنيا
فهداها الله به ، وأما في الآخرة فأسكنها جنته بسببه " أو نتخذه ولدا "
وذلك أنهما تبنياه ، لأنه لم يكن يولد لهما ولد قال الله تعالى : " وهم لا
يشعرون " أي لا يدرون ماذا يريد الله بهم ، أن قيضهم لالتقاطه ، من النقمة
العظيمة لفرعون وجنوده ؟

وعند أهل الكتاب أن التي التقطت موسى دربته ابنة فرعون وليس لامرأته ذكر بالكلية وهذا من غلطهم على كتاب الله عز وجل

وقال الله تعالى : " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن
ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين * وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم
لا يشعرون * وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت
يكفلونه لكم وهم له ناصحون * فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم
أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون "

قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو عبيدة والحسن وقتادة
والضحاك وغيرهم : " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " أي من كل شيء من أمور
الدنيا إلا مكن موسى " إن كادت لتبدي به " أي لتظهر أمره وتسأل عنه جهرة "
لولا أن ربطنا على قلبها " أي صبرناها وثبتناها " لتكون من المؤمنين *
وقالت لأخته " وهي ابنته الكبيرة : " قصيه " أي اتبعي أثره ، واطلبي لي
خبره " فبصرت به عن جنب " قال مجاهد : عن بعد وقال قتادة : جعلت تنظر إليه
وكأنها لا تريده ولهذا قال : " وهم لا يشعرون " وذلك لأن موسى عليه
السلام لما استقر بدار فرعون أرادوا أن يغذوه برضاعة فلم يقبل ثدياً ولا
أخذ طعاماً ، فحاروا في أمره ، واجتهدوا على تغذيته بكل ممكن فلم يفعل ،
كما قال تعالى : " وحرمنا عليه المراضع من قبل " فأرسلوه مع القوابل
والنساء إلى السوق ، لعلهم يجدون من يوافق رضاعته فبينما هم وقوف به
والنساء إلى السوق عكوف عليه إذ بصرت به أخته ، فلم تظهر أنها تعرفه بل
قالت : " هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون " ؟ قال ابن عباس
: لما قالت ذلك ، قالوا لها : ما يدريك بنصحهم وشفقتهم عليه ؟ فقالت :
رغبة في سرور الملك ورجاء منفعته

فأطلقوها وذهبوا معها إلى منزلهم ، فأخذته أمه ، فلما أرضعته التقم ثديها
وأخذ يمتصه ويرتضعه ، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً ، وذهب البشير إلى آسية
يعلمها بذلك ، فاستدعتها إلى منزلها وعرضت عليها أن تكون عندها ، وأن تحسن
إليها فأبت عليها وقالت إن لي بعلاً وأولاداً ، ولست أقدر على هذا إلا أن
ترسليه معي فأرسلته معها ، ورتبت لها رواتب ، وأجرت عليها النفقات
والكساوى والهبات ، فرجعت به تحوزه إلى رحلها وقد جمع الله شمله بشملها

قال الله تعالى : " فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد
الله حق " أي كما وعدها برده ورسالته ، فهذا رده ، وهو دليل على صدق
البشارة برسالته " ولكن أكثرهم لا يعلمون "

وقد امتن على موسى بهذا ليلة كلمه ، فقال له فيما قال : " ولقد مننا عليك
مرة أخرى * إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى * أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في
اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني "
وذلك أنه كان يراه أحد إلا أحبه " ولتصنع على عيني " قال قتادة وغير واحد
من السلف : أي تطعم وترفه وتعذي بأطيب المآكل ، وتلبس أحسن الملابس بمرأى
مني ، وذلك كله بحفظي وكلاءتي لك فيما صنعت بك ولك ، وقدرته من الأمور التي
لا يقدر عليها غيري " إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك
إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا "
وسنورد حديث الفتون في موضعه بعد هذا إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة وعليه
التكلان

" ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين * ودخل
المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا
من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال
هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين * قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي
فغفر له إنه هو الغفور الرحيم * قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا
للمجرمين "

لما ذكر تعالى أنه أنعم على أمه برده لها وإحسانه بذلك وامتنانه عليها ،
شرع في ذكر أنه لما بلغ أشده واستوى ، وهو احتكام الخلق والخلق ، وهو سن
الأربعين في قول الأكثرين ، آتاه الله حكماً وعلماً ، وهو النبوة والرسالة
التي كان بشر بها أمه حين قال : " إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين "

ثم شرع في ذكر سبب خروجه * من بلاد مصر ، وذهابه إلى أرض مدين وإقامته
هنالك ، حتى كمل الأجل وانقضى الأمد ، وكان ما كان من كلام الله له ،
وإكرامه بما أكرمه به ، كما سيأتي

قال تعالى : " ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها " قال ابن عباس وسعيد بن
جبير وعكرمة وقتادة والسدي : وذلك نصف النهار ، وعن ابن عباس : بين
العشائين

" فوجد فيها رجلين يقتتلان " أي يتضاربان ويتهارشان " هذا من شيعته " أي
إسرائيلي " وهذا من عدوه " أي قبطي قاله ابن عباس وقتادة والسدي ومحمد بن
إسحاق

" فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه " وذلك أن موسى عليه السلام ،
كانت له بديار مصر صولة ، بسبب نسبته إلى تبني فرعون له وتربيته في بيته ،
وكانت بنو إسرائيل قد عزوا وصارت لهم وجاهة ، وارتفعت رءوسهم بسبب أنهم
أرضعوه ، وهم أخواله - أي من الرضاعة - فلما استغاث ذلك الإسرائيلي موسى
عليه السلام على ذلك القبطي أقبل إليه موسى " فوكزه " قال مجاهد : أي طعنه
بجمع كفه ، وقال قتادة : بعصاً كانت معه ، " فقضى عليه " أي فمات منها

وقد كان ذلك القبطي كافراً مشركاً بالله العظيم ، ولم يرد موسى قتله
بالكلية ، وإنما أراد زجره وردعه ، ومع هذا " قال " موسى : " هذا من عمل
الشيطان إنه عدو مضل مبين * قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو
الغفور الرحيم * قال رب بما أنعمت علي " أي من العز والجاه " فلن أكون
ظهيرا للمجرمين "

" فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له
موسى إنك لغوي مبين * فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى
أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض
وما تريد أن تكون من المصلحين * وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى
إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين * فخرج منها خائفا
يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين "

يخبر تعالى أن موسى أصبح بمدينة مصر خائفاً - أي من فرعون وملئه - أن
يعلموا أن هذا القتيل الذي رفع إليه أمره ، إنما قتله موسى في نصرة رجل من
بني إسرائيل ، فتقوى ظنونهم أن موسى منهم ، ويترتب على ذلك أمر عظيم

فصار يسيرفي المدينة في صبيحة ذلك اليوم " خائفا يترقب " أي يتلفت ، فبينما
هو كذلك ، إذ ذلك الرجل الإسرائيلي الذي استنصره بالأمس يستصرخه ، أي يصرخ
به ويستغيثه على آخر قد قتله ، فعنفه موسى ولامه على كثرة شره ومخامته ،
قال له : " إنك لغوي مبين " ثم أراد أن يبطش بذلك القبطي ، الذي هو عدو
لموسى وللإسرائيلي ، فيردعه عنه ويخلصه منه ، فلما عزم على ذلك وأقبل على
القبطي " قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن
تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين "

قال بعضهم : إنما قال هذا الكلام الإسرائيلي الذي اطلع على ما صنع موسى
بالأمس ، وكأنه لما رأى موسى مقبلاً إلى القبطي اعتقد أنه جاء إليه ، لما
عنفه قبل ذلك بقوله : " إنك لغوي مبين " فقال ما قال لموسى ، وأظهر الأمر
الذي كان وقع بالأمس فذهب القبطي فاستعدي فرعون على موسى وهذا الذي لم
يذكر كثير من الناس سواه ويحتمل أن قائل هذه هو القبطي ، وأنه لما رآه
مقبلاً إليه خافه ، ورأى من سجيته انتصاراً جديداً للإسرائيلي فقال ما قال
من باب الظن والفراسة : إن هذا لعله قاتل ذاك القتيل بالأمس ، أو لعله فهم
من كلام الإسرائيلي حين استصرخه عليه ما دله على هذا والله أعلم

والمقصود أن فرعون بلغه أن موسى هو قاتل ذلك المقتول بالأمس فأرسل في طلبه ،
وسبقهم رجل ناصح من طريق أقرب " وجاء رجل من أقصى المدينة " ساعياً إليه
مشفقاً عليه فقال : " يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج " أي من
هذه البلدة " إني لك من الناصحين " أي فيما أقوله لك

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 10:03 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

خروج موسى من مصر إلى مدين

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قال الله تعالى : " فخرج منها خائفا يترقب " أي فخرج من مدينة مصر من فوره
على وجهه لا يهتدي إلى طريق ولا يعرفه ، قائلاً : " رب نجني من القوم
الظالمين * ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل * ولما
ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان
قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير * فسقى لهما
ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير "

يخبر تعالى عن خروج عبده ورسوله وكليمه من مصر خائفاً يترقب ، أي يتلفت ،
وخشية أن يدركه أحد من قوم فرعون ، وهو لا يدري أين يتوجه ، ولا إلى أين
يذهب ، وذلك لأنه لم يخرج من مصر قبلها

" ولما توجه تلقاء مدين " أي اتجه له طريق يذهب فيه ، " قال عسى ربي أن
يهديني سواء السبيل " أي عسى أن تكون هذه الطريق موصلة إلى المقصود وكذا
وقع ، فقد أوصلته إلى مقصود وأي مقصود

" ولما ورد ماء مدين " وكانت بئراً يسقون منها ، ومدين هي المدينة التي
أهلك الله فيها أصحاب الأيكة ، وهم قوم شعيب عليه السلام ، وقد كان هلاكهم
قبل زمن موسى عليه السلام في أحد قولي العلماء

ولما ورد الماء المذكور " وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان " أي تكفكفان عنهما غنمهما أن تختلط بغنم الناس

وعند أهل الكتاب أنهن كن سبع بنات ، وهذا أيضاً من الغلط ، ولعلهن كن سبعاً
، ولكن إنما كان تسقي اثنتان منهن ، وهذا الجمع ممكن إن كان ذاك محفوظاً ،
وإلا فالظاهر أنه لم يكن له سوى بنتين " قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى
يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير " أي لا نقدر على ورود الماء إلا بعد صدور
الرعاء ، لضعفنا ، وسبب مباشرتنا هذه الرعية ضعف أبينا وكبره قال الله
تعالى : " فسقى لهما "

قال المفسرون : وذلك أن الرعاء كانوا إذا فرغوا من وردهم وضعوا على فم
البئر صخرة عظيمة ، فتجيء هاتان المرأتان فيشرعان غنمهما في فضل أغنام
الناس ، فلما كان ذلك اليوم ، جاء موسى فرفع تلك الصخرة وحده ، ثم استقى
لهما وسقى غنمهما ثم رد الحجر كما كان قال أمير المؤمنين عمر : وكان لا
يرفعه إلا عشرة ، وإنما استقى ذنوباً واحداً فكفاهما

ثم تولى إلى الضل ، قالوا : وكان ظل شجرة من السمر وروى ابن جرير عن ابن
مسعود ، أنه رآها خضراء ترف " فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير "
قال ابن عباس : سار من مصر إلى مدين لم يأكل إلا البقل وورق الشجر ، وكان
حافياً فسقطت نعلاً قدميه من الحفاء وجلس في الظل - وهو صفوة الله من خلقه -
وإن بطنه للاصق بظهره من الجوع ، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه وإنه
لمحتاج إلى شق تمرة

قال عطاء بن السائب لما قال : " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " أسمع المرأة

" فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت
لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين * قالت
إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين * قال إني أريد أن
أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك
وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين * قال ذلك بيني وبينك
أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل "

لما جلس موسى عليه السلام في الظل وقال : " رب إني لما أنزلت إلي من خير
فقير " سمعته المرأتان فيما قيل ، فذهبتا إلى أبيهما فيقال : إنه استنكر
سرعة رجوعهما ، فأخبرتاه بما كان من أمر موسى عليه السلام فأمر إحداهما ،
أن تذهب إليه فتدعوه : " فجاءته إحداهما تمشي على استحياء " أي مشي الحرائر
، " قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا " صرحت له بهذا لئلا يوهم
كلامها ريبة وهذا من تمام حيائها وصيانتها : " فلما جاءه وقص عليه القصص "
وأخبره خبره وما كان من أمره في خروجه من بلاد مصر فراراً من فرعونها "
قال " له ذلك الشيخ : " لا تخف نجوت من القوم الظالمين " أي خرجت من
سلطانهم فلست في دولتهم

وقد اختلفوا في هذا الشيخ من هو ؟ فقيل هو شعيب عليه السلام وهذا هو
المشهور عند كثيرين ، وممن نص عليه الحسن البصري ومالك بن أنس ، وجاء
مصرحاً به في حديث ، ولكن في إسناده نظر

وصرح طائفة بأن شعيباً عليه السلام عاش عمراً طويلاً بعد هلاك قومه ، حتى أدركه موسى عليه السلام هذا ، وتزوج بابنته

وروى ابن أبي حاتم وغيره عن الحسن البصري : أن صاحب موسى عليه السلام هذا ،
اسمه شعيب ، وكان سيد الماء ، ولكن ليس بالنبي صاحب مدين وقيل : إنه ابن
أخي شعيب ، وقيل : ابن عمه ، وقيل : رجل مؤمن من قوم شعيب ، وقيل : رجل
اسمه يثرون هكذا هو في كتب أهل الكتاب : يثرون كاهن مدين أي كبيرها
وعالمها

وقال ابن عباس وأبو عبيدة بن عبد الله : اسمه يثرون زاد أبو عبيدة : وهو ابن أخي شعيب وزاد ابن عباس : صاحب مدين

والمقصود : أنه لما أضافه وأكرم مثواه ، وقص عليه ما كان من أمره بشره بأنه
قد نجا ، فعند ذلك قالت إحدى البنتين لأبيها : " يا أبت استأجره " أي لرعي
غنمك ، ثم مدحته بأنه قوي أمين

قال عمر وابن عباس وشريح القاضي وأبو مالك وقتادة ومحمد بن إسحاق وغير واحد
: لما قالت ذلك ، قال لها أبوها : وما علمك بهذا ؟ فقال : إنه رفع صخرة لا
يطيق رفعها إلا عشرة ، وإنه لما جئت معه تقدمت أمامه ، فقال : كوني من
ورائي ، فإذا اختلف الطريق فاحذفي لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق

قال ابن مسعود : أفرس الناس ثلاثة : صاحب يوسف حين قال لامرأته : " أكرمي
مثواه " وصاحبة موسى حين قالت : " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي
الأمين " وأبو بكر حين استخلف عمر بن الخطاب

" قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن
أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين "

استدل بهذه جماعة من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله ، على صحة ما إذا باعه أحد
هذين العبدين أو الثوبين ونحو ذلك ، أن يصح ، لقوله : " إحدى ابنتي هاتين "

وفي هذا نظر ، لأن هذه مراوضة لا معاقدة والله أعلم

واستدل أصحاب أحمد على صحة الإستئجار بالطعمة والكسوة ، كما جرت به العادة ،
واستأنسوا بالحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه مترجماً عليه في كتابه
: باب استئجار الأجير على طعام بطنه حدثنا محمد بن المصفى الحمصي ، حدثنا
بقية بن الوليد ، عن مسلمة بن على ، عن سعيد بن أبي أيوب ، عن الحارث بن
يزيد ، عن على بن رباح قال : سمعت عتبة ابن الندر يقول : كنا عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقرأ : " طسم " حتى إذا بلغ قصة موسى ، قال : " إن
موسى عليه السلام آجر نفسه ثماني سنين - أو عشر سنين - على عفة فرجه وطعام
بطنه "

وهذا الحديث من هذا الوجه لا يصح ، لأن مسلمة بن على الخشني الدمشقي
البلاطي ضعيف عند الأئمة لا يحتج بتفرده ، ولكن قد روى من وجه آخر ، فقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكر ، حدثني
أبي لهيعة ح وحدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد
الله بن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد الحضرمي ، عن علي بن رباح اللخمي قال :
سمعت عتبة بن الندر السلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن موسى عليه السلام آجر نفسه بعفة فرجه
وطعمة بطنه "

ثم قال تعالى : " ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله
على ما نقول وكيل " يقول : إن موسى قال لصهره : الأمر على ما قلت ، فأيهما
قضيت فلا عدوان علي والله على مقالتنا سامع وشاهد ، ووكيل علي وعليك ، ومع
هذا فلم يقض موسى إلا أكمل الأجلين وأتمهما وهو العشر سنين كوامل تامة

قال البخاري : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا
مروان بن شجاع ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، قال : سألني يهودي من
أهل الحيرة : أي الأجلين قضي موسى ؟ فقلت : لا أدرى حتى أقدم على حبر
العرب فأسأله فقدمت فسألت ابن عباس فقال : قضى أكثرهما وأطيبهما ، أن رسول
الله إذا قال فعل

تفرد به البخاري من هذا الوجه ، وقد رواه النسائي في حديث الفتون ، كما سيأتي من

طريق القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير به

وقد رواه ابن جرير عن أحمد بن محمد الطوسي ، وابن أبي حاتم عن أبيه
كلاهما عن الحميدي ، عن سفيان بن عيينة ، حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي
يعقوب ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : " سألت جبريل أي الأجلين قضي موسى ؟ قال : أتمهما وأكلهما "


وإبراهيم هذا غير معروف إلا بهذا الحديث وقد رواه البزار عن أحمد بن أبان
القرشي ، عن سفيان بن عيينة ، عن إبراهيم بن أعين ، عن الحكم بن أبان ، عن
عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره

وقد رواه سنيد عن حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مرسلاً

أن رسول الله سأل عن ذلك جبريل فسأل جبريل إسرافيل ، فسأل إسرافيل الرب عز وجل فقال : أبرها وأوفاهما

وبنحوه رواه ابن أبي حاتم من حديث يوسف بن سرج مرسلاً

ورواه ابن جرير من طريق محمد بن كعب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : أوفاهما وأتمهما

وقد رواه البزار وابن أبي حاتم من حديث عويد بن أبي عمران الجوني ، وهو
ضعيف ، عن أبيه عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم سئل : أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : أوفاهما وأبرهما قال :
وإن سئلت أي المرأتين تزوج ؟ فقال الصغرى منهما

وقد رواه البزار وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن لهيعة ، عن الحارث بن
يزيد الحضرمي ، عن على بن رباح ، عن عتبة بن الندر ، أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : " إن موسى آجر نفسه بعفة فرجه وطعام بطنه " فلما وفي
الأجل قيل : يا رسول الله أي الأجلين ؟ ،قال : أبرهما وأوفاهما

فلما أراد فراق شعيب - سأل امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما
يعيشون به ، فأعطاها ما ولدت غنمه ، من قالب لون من ولد ذلك العام ، وكانت
غنمه سوداء حساناً ، فانطلق موسى عليه السلام إلى عصا قسمها من طرفها ثم
وضعها في أدني الحوض ، ثم أوردها فسقاها ، ووقف موسى عليه السلام بإزاء
الحوض ، فلم يصدر منها شاة إلا ضرب جنبها شاة شاة ، قال : فأتأمت وألبنت
ووضعت كلها في قوالب ألوان ، إلا شاة أو شاتين ، ليس فيها فشوش ، ولا ضبوب ،
ولا عزوز ، ولا ثعول ، ولا كموش تفوت الكف قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" لو افتتحتم الشام وجدتم بقايا تلك الغنم وهي السامرية "

قال ابن لهيعة : الفشوش : واسعة الشخب ، والضبوب : طويلة الضرع تجره
والعزوز : ضيقة الشخب والثعول : الصغيرة الضرع كالحلمتين ، والكموش : التي
لا يحكم الكف على ضرعها لصغره

وفي صحة رفع هذا الحديث نظر وقد يكون موقوفاً كما قال ابن جرير : حدثنا
محمد بن المثنى ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا أبي ، عن قتادة ، حدثنا أنس
بن مالك قال : لما دعا نبي الله موسى صاحبه إلى الأجل الذي كان بينهما ،
قال له صاحبه : كل شاة ولدت على غير لونها فلك ولدها ، فعمد موسى فوضع
حبالاً على الماء فلما رأت الحبال فزعت فجالت جولة فولدن كلهن بلقاً إلا
شاءة واحدة ، فذهب بأولادهن كلهن ذلك العام وهذا إسناد جيد رجاله ثقات
والله أعلم

وقد تقدم عن نقل أهل الكتاب عن يعقوب عليه السلام حين فارق خاله لابان
أنه أطلق له ما يولد من غنمه بلقاً ، ففعل نحو ما ذكر عن موسى عليه
السلام فالله أعلم

قال الله : " فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال
لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم
تصطلون * فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من
الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين * وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز
كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين * اسلك
يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك
برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين "

تقدم أن موسى قضى أتم الأجلين وأكملهما ، وقد يؤخذ هذا من قوله : " فلما قضى موسى الأجل " وعن مجاهد : أنه أكمل عشراً وعشراً بعدها

وقوله : " وسار بأهله " أي من عند صهره ، زاعماً - فيما ذكره غير واحد من
المفسرين وغيرهم - أنه اشتاق إلى أهله ، فقصد زيارتهم ببلاد مصر في صورة
مختف فلما سار بأهله ومعه ولدان منهم وغنم قد استفادها مدة مقامه

قالوا : واتفق ذلك في ليلة مظلمة باردة ، وتاهوا في طريقهم فلم يهتدوا إلى
السلوك في الدرب المألوف ، وجعل يورى زناده فلا يورى شيئاً ، واشتد الظلام
والبرد

فبينما هو كذلك إذ أبصر عن بعد ناراً تأجج في جانب الطور - وهو الجبل
الغربي منه عن يمينه فـ " قال لأهله امكثوا إني آنست نارا " وكأنه والله
أعلم رآها دونهم ، لأن هذه النار هي نور في الحقيقة ، ولا يصلح رؤيتها لكل
أحد : " لعلي آتيكم منها بخبر " أي لعلي أستعلم من عندها عن الطريق : " أو
جذوة من النار لعلكم تصطلون " فدل على أنهم كانوا قد تاهوا عن الطريق في
ليلة باردة ومظلمة ، لقوله في الآية الأخرى : " وهل أتاك حديث موسى * إذ
رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على
النار هدى " فدل على وجود الظلام وكونهم تاهوا عن الطريق ، وجمع الكل في
سورة النمل في قوله : " إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر
أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون " وقد أتاهم بخبر وأي خبر ، ووجد عندها
هدي وأي هدي ، واقتبس منها نوراً وأي نور ؟


قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 10:06 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

إرسال موسى لفرعون وقومه

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قال الله تعالى : " فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين "

وقال في النمل : " فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان
الله رب العالمين " أي سبحان الله الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد " يا
موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم "

وقال في سورة طه : " فلما أتاها نودي يا موسى * إني أنا ربك فاخلع نعليك
إنك بالواد المقدس طوى * وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى * إنني أنا الله لا
إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري * إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى
كل نفس بما تسعى * فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى "

قال غير واحد من المفسرين من السلف والخلف : لما قصد موسى إلى تلك النار
التي رآها فانتهى إليها ، وجدها تأجج في شجرة خضراء من العوسج وكل ما لتلك
النار في اضطرام ، وكل ما لخضرة تلك الضجرة في ازدياد فوقف متعجباً وكانت
تلك الشجرة في لحف جبل غربي منه عن يمينه ، كما قال تعالى : " وما كنت
بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين " وكان موسى في
واد اسمه طوى فكان موسى مستقبل القبلة ، وتلك الشجرة عن يمينه من ناحية
الغرب ، فناداه ربه بالواد المقدس طوي ، فأمر أولاً بخلع نعليه تعظيماً
وتكريماً وتوقيراً لتلك البقعة المباركة ولا سيما في تلك الليلة المباركة

وعند أهل الكتاب : أنه وضع يده على وجهه من شدة ذلك النور ، مهابة له وخوفاً على بصره

ثم خاطبه تعالى كما يشاء قائلاً له : " إني أنا الله رب العالمين " " إنني
أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري " أي أنا رب العالمين
الذي لا إله إلا هو ، الذي لا تصلح العبادة وإقامة الصلاة إلا له

ثم أخبره أن هذه الدنيا ليست بدار قرار ، و إنما الدار الباقية يوم
القيامة التي لا بد من كونها ووجودها : " لتجزى كل نفس بما تسعى " أي من
خير وشر ، وحضه وحثه على العمل لها ، ومجانبة من لا يؤمن بها ممن عصي مولاه
واتبع هواه ، ثم قال مخاطباً ومؤانساً ومبيناً له أنه القادر على كل شيء ،
والذي يقول للشيء كن فيكون : " وما تلك بيمينك يا موسى " أي أما هذه عصاك
التي تعرفها منذ صحبتها ؟ أي بلى هذه عصاي التي أعرفها وأتحققها ،

" قال ألقها يا موسى * فألقاها فإذا هي حية تسعى "

وهذا خارق عظيم وبرهان قاطع على أن الذي يكلمه هو الذي يقول لشيء كن فيكون ، وأنه الفعال بالإختيار

وعند أهل الكتاب : أنه سأل برهاناً صادقاً على صدقه عند من يكذبه من أهل
مصر ، فقال له الرب عز وجل : ما هذه التي في يدك ؟ قال : عصاي ، قال :
ألقها إلى الأرض " فألقاها فإذا هي حية تسعى " فهرب موسى من قدامها فأمر
الرب عز وجل أن يبسط يده ويأخذها بذنبها ، فلما استمكن منها ارتدت عصا في
يده

وقد قال الله تعالى في الآية الآخرى : " وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها
جان ولى مدبرا ولم يعقب " أي قد صارت حية عظيمة لها ضخامة هائلة وأنياب
تصك ، وهي مع ذلك في سرعة حركة الجان ، وهو ضرب من الحيات يقال له : الجان
والجنان ، وهو لطيف ولكن سريع الإضطراب والحركة جداً ، فهذه جمعت الضخامة
والسرعة الشديدة فلما عاينها موسى عليه السلام : " ولى مدبرا " أي هارباً
منها ، لأن طبيعته البشرية تقتضي ذلك " ولم يعقب " أي ولم يلتفت ، فناداه
ربه قائلاً له : " يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين "

فلما رجع أمره الله تعالى أن يمسكها " قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها
الأولى " فيقال إنه هابها شديداً ، فوضع يده في كم مدرعته ثم وضع يده في
وسط فمها وعند أهل الكتاب : أمسك بذنبها فلما استمكن منها إذا هي قد عادت
كما كانت عصا ذات شعبتين ، فسبحان القدير العظيم رب المشرقين والمغربين !

ثم أمره تعالى بإدخال يده في جيبه ، ثم أمره بنزعها فإذا هي تتلألأ كالقمر
بياضاً من غير سوء ، أي من غير برص ولا بهق ، ولهذا قال : " اسلك يدك في
جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب " قيل معناه : إذا
حفت فضع يدك على فؤادك يسكن جأشك

وهذا وإن كان خاصاً به ، إلا أن بركة الإيمان به حق بأن ينفع من استعمل ذلك على وجه الإقتداء بالأنبياء

وقال في سورة النمل : " وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع
آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين " أي هاتان الآيتان وهما :
العصا واليد ، هما البرهانان المشار إليهما في قوله : " فذانك برهانان من
ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين " ومع ذلك سبع آيات أخر فذلك
تسع آيات بينات وهي المذكورة في آخر سورة سبحان ، حيث قال تعالى : " ولقد
آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني
لأظنك يا موسى مسحورا "

وهي المبسوطة في سورة الأعراف في قوله : " ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين
ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون * فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن
تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا
يعلمون * وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين *
فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات
فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين " كما سيأتي الكلام على ذلك في موضعه

وهذه التسع الآيات غير العشر الكلمات فإن التسع من كلمات الله القدرية ،
والعشر من كلماته الشرعية ، وإنما نبهنا على هذا لأنه قد اشتبه أمرها على
بعض الرواة ، فظن أن هذه هي هذه ، كما قررنا ذلك في تفسير آخر سورة بني
إسرائيل

والمقصود أن الله سبحانه لما أمر موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون : "
قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون * وأخي هارون هو أفصح مني لسانا
فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون * قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل
لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون "

يقول تعالى مخبراً عن عبده ورسوله وكليمه موسى عليه السلام ، في جوابه لربه
عز وجل ، حين أمره بالذهاب إلى عدوه الذي خرج من ديار مصر فراراً من سطوته
وظلمه ، حين كان من أمره ما كان في قتل ذلك القبطي ولهذا : " قال رب إني
قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون * وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي
ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون " أي أجعله معي معيناً وردءاً ووزيراً
يساعدني ، ويعينني على أداء رسالتك إليهم فإنه أفصح مني لساناً وأبلغ
بياناً

قال الله تعالى مجيباً له إلى سؤاله : " سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا
" أي برهاناً " فلا يصلون إليكما " أي فلا ينالون منكما مكروهاً بسبب
قيامكما بآياتنا ، وقيل ببركة آياتنا " أنتما ومن اتبعكما الغالبون "

وقال في سورة طه : " اذهب إلى فرعون إنه طغى * قال رب اشرح لي صدري * ويسر
لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي " قيل إنه أصابه في لسانه
لثغة ، بسبب تلك الجمرة التي وضعها على لسانه ، والتي كان فرعون أراد
اختبار عقله ، حين أخذ بلحيته وهو صغير فهم بقتله ، فخافت عليه آسية وقالت :
إنه طفل ، فاختبره بوضع ثمرة وجمرة بين يديه فهم بأخذ الثمرة فصرف الملك
يده إلى الجمرة ، فأخذها فوضعها على لسانه فأصابه لثغة بسببها فسأل زوال
بعضها بمقدار ما يفهمون قوله ، ولم يسأل زوالها بالكلية

قال الحسن البصري : والرسل إنما يسألون بحسب الحاجة ، ولهذا بقيت في لسانه بقية

ولهذا قال فرعون ، قبحه الله ، فيما زعم أنه يعيب به الكليم : " ولا يكاد يبين " أي يفصح عن مراده ، ويعبر عما في ضميره وفؤاده

ثم قال موسى عليه السلام : " واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به
أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيرا * ونذكرك كثيرا * إنك كنت بنا
بصيرا * قال قد أوتيت سؤلك يا موسى "

أي قد أجبناك إلى جميع ما سألت ، وأعطيناك الذي طلبت وهذا من وجاهته عند
ربه عز وجل ، حين شفع أن يوحى الله إلى أخيه فأوحى إليه وهذا جاه عظيم ،
قال الله تعالى : " وكان عند الله وجيها " وقال تعالى : " ووهبنا له من
رحمتنا أخاه هارون نبيا "

وقد سمعت أم المؤمنين عائشة رجلاً يقول لأناس وهم سائرون في طريق الحج : أي
أخ أمن على أخيه ؟ فسكت القوم ، فقالت عائشة لمن حول هودجها : هو موسى بن
عمران حين شفع في أخيه هارون فأوحى إليه قال الله تعالى : " ووهبنا له من
رحمتنا أخاه هارون نبيا "

وقال تعالى في سورة الشعراء : " وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين *
قوم فرعون ألا يتقون * قال رب إني أخاف أن يكذبون * ويضيق صدري ولا ينطلق
لساني فأرسل إلى هارون * ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون * قال كلا فاذهبا
بآياتنا إنا معكم مستمعون * فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين * أن
أرسل معنا بني إسرائيل * قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين *
وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين "

تقدير الكلام : فأتياه فقالا له ذلك ، وبلغاه ما أرسلا به من دعوته إلى
عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، وأن يفك أسارى بني إسرائيل من قبضته
وقهره وسطوته ، ويتركهم يعبدون ربهم حيث شاءوا ويتفرغون لتوحيده ودعائه
والتضرع لديه

فتكبر فرعون في نفسه وعتا وطغي ، ونظر إلى موسى بعين الإزدراء والتنقص
قائلاً له : " ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين " أي أما أنت
الذي ربيناه في منزلنا ؟ وأحسنا إليه وأنعمنا عليه مدة من الدهر ؟

وهذا يدل على أن فرعون الذي بعث إليه هو الذي فر منه ، خلافاً لما عند أهل
الكتاب : من أن فرعون الذي فر منه مات في مدة مقامه بمدين ، وأن الذي بعث
إليه فرعون آخر

وقوله : " وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين " أي وقتلت الرجل القبطي ، وفررت منا وجحدت نعمتنا

" قال فعلتها إذا وأنا من الضالين " أي قبل أن يوحى إلي وينزل علي ، " ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين "

ثم قال مجيباً لفرعون عما امتن به من التربية والإحسان إليه : " وتلك نعمة
تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل " أي وهذه النعمة التي ذكرت ، من أنك أحسنت
إلى وأنا رجل واحد من بني إسرائيل تقابل ما استخدمت هذا الشعب العظيم
بكماله ، واستعبدتهم في أعمالك وخدمتك وأشغالك

" قال فرعون وما رب العالمين * قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم
موقنين * قال لمن حوله ألا تستمعون * قال ربكم ورب آبائكم الأولين * قال إن
رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون * قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن
كنتم تعقلون "

يذكر تعالى ما كان بين فرعون وموسى من المقاولة والمحاجة والمناظرة ، وما
أقامه الكليم على فرعون اللئيم ، من الحجة العقلية المعنوية ثم الحسية

وذلك أن فرعون - قبحه الله - أظهر جحد الصانع تبارك وتعالى وزعم أنه الإله :
" فحشر فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى " " وقال فرعون يا أيها الملأ ما
علمت لكم من إله غيري "

وهو في هذه المقالة معاند ، يعلم أنه عبد مربوب وأن الله هو الخالق البارئ
المصور ، الإله الحق كما قال تعالى : " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما
وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين "

ولهذا قال لموسى عليه السلام على سبيل الإنكار لرسالته ، والإظهار أنه ما
نم رب أرسله : " وما رب العالمين " لأنهما قالا له : " إنا رسول رب
العالمين " فكأنه يقول لهما : ومن رب العالمين ؟ الذي تزعمان أنه أرسلكما
وابتعثكما ؟

فأجابه موسى قائلاً : " رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين "
يعني رب العالمين خالق هذه السموات والأرض المشاهدة ، وما بينهما من
المخلوقات المتعددة ، من السحاب والرياح والمطر والنبات والحيوانات التي
يعلم كل موقن أنها لم تحدث بأنفسها ، ولا بد لها من موجد ومحدث وخالق وهو
الله الذي لا إله إلا هو رب العالمين

" قال " أي فرعون " لمن حوله " من أمرائه ومرازبته ووزرائه ، على سبيل
التهكم والتنقص لما قرره موسى عليه السلام : " ألا تستمعون " يعنى كلامه
هذا

" قال " موسى مخاطباً له ولهم : " ربكم ورب آبائكم الأولين " أي هو الذي
خلقكم والذين من قبلكم ، من الآباء والأجداد ، والقرون السالفة في الآباد ،
فإن كل أحد يعلم أنه لم يخلق نفسه ، ولا أبوه ولا أمه ، ولا يحدث من غير
محدث ، وإنما أوجده وخلقه رب العالمين وهذان المقامان هما المذكوران في
قوله تعالى : " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق
"

ومع هذا كله لم يستفق فرعون من رقدته ، ولا نزع عن ضلالته بل استمر على
طغيانه وعناده وكفرانه : " قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون * قال رب
المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون " أي هو المسخر لهذه الكواكب
الزاهرة المسيرة للأفلاك الدائرة خالق الظلام والضياء ، ورب الأرض والسماء
، رب الأولين والآخرين ، خالق الشمس والقمر ، والكواكب السائرة ، والثوابت
الحائرة ، خالق الليل بظلامه ، والنهار بضيائه ، والكل تحت قهره وتسخيره
وتسييره سائرون ، وفي فلك يسبحون ، يتعاقبون في سائر الأوقات ويدورون فهو
تعالى الخالق المالك المتصرف في خلقه بما يشاء

فلما قامت الحجج على فرعون وانقطعت شبهه ، ولم يبق له قول سوى العناد ، عدل
إلى استعمال سلطانه وجاهه وسطوته " قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من
المسجونين * قال أو لو جئتك بشيء مبين * قال فأت به إن كنت من الصادقين *
فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين * ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين "

وهذان هما البرهانان اللذان أيده الله بهما ، وهما العصا واليد ، وذلك مقام
أظهر فيه الخارق العظيم ، الذي بهر به العقول والأبصار ، حين ألقى عصاه
فإذا هي ثعبان مبين أي عظيم

الشكل ، بديع في الضخامة والهول ، والمنظر العظيم الفظيع الباهر ، حتى قيل
إن فرعون لما شاهد ذلك وعاينه ، أخذه رهب شديد وخوف عظيم ، بحيث إنه حصل له
إسهال عظيم أكثر من أربعين مرة في يوم ، وكان قبل ذلك لا يتبرز في كل
أربعين يوماً إلا مرة واحدة ، فانعكس عليه الحال

وهكذا لما أدخل موسى عليه السلام يده في جيبه واستخرجها ، أخرجها وهي كفلقة
القمر تتلألأ نوراً يبهر الأبصار ، فإذا أعادها إلى جيبه واستخرجها رجعت
إلى صفتها الأولى

ومع هذا كله لم ينتفع فرعون - لعنه الله - بشيء من ذلك ، بل استمر على ما
هو عليه ، وأظهر أن هذا كله سحر ، وأراد معارضته بالسحرة ، فأرسل يجمعهم من
سائر مملكته ومن هم في رعيته وتحت قهره ودولته ، كما سيأتي بسطه وبيانه في
موضعه ، من إظهار الله الحق المبين والحجة الباهرة القاطعة على فرعون
وملئه ، وأهل دولته وملته ولله الحمد والمنة

وقال تعالى في سورة طه : " فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى *
واصطنعتك لنفسي * اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري * اذهبا إلى
فرعون إنه طغى * فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى * قالا ربنا إننا
نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى * قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى "

يقول تعالى مخاطباً لموسى فيما كلمه به ليلة أوحى إليه ، وأنعم بالنبوة
عليه ، وكلمه منه إليه : قد كنت مشاهداً لك وأنت في دار فرعون ، وأنت تحت
كنفي وحفظي ولطفي ، ثم أخرجتك من أرض مصر إلى أرض مدين بمشيئتي وقدرتي
وتدبيري ، فلبثت فيها سنين " ثم جئت على قدر " أي منى لذلك ، فوافق ذلك
تقديري وتسييري " واصطنعتك لنفسي " أي اصطفيتك لنفسي برسالتي وبكلامي

" اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري " يعني ولا تفترا في ذكري إذا
قدمتما عليه ووفدتما إليه ، فإنه ذلك عون لكما على مخاطبته ومجاوبته ،
وأداء النصيحة إليه وإقامة الحجة عليه

وقد جاء في بعض الأحاديث : يقول الله تعالى : إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني
وهو ملاق قرنه وقال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا
واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون "

ثم قال تعالى : " اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولا لينا لعله يتذكر
أو يخشى " وهذا من حلمه تعالى وكرمه ورأفته ورحمته بخلقه ، مع علمه بكفر
فرعون وعتوه وتجبره ، وهو إذ ذاك أردى خلقه ، وقد بعث إليه صفوته من خلقه
في ذلك الزمان ، ومع هذا يقول لهما ويأمرهما أن يدعوا إليه بالتي هي أحسن
برفق ولين ، ويعاملاه بألطف معاملة من يرجو أن يتذكر أو يخشى

كما قال لرسوله : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم
بالتي هي أحسن " وقال تعالى : " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن
إلا الذين ظلموا منهم " قال الحسن البصري : " فقولا له قولا لينا " أعذرا
إليه ، قولا له : إن لك رباً ولنا معاداً ، وإنما بين يديك جنة وناراً

وقال وهب بن منبه : قولا له : إني إلى العفو والمغفرة أقرب مني إلى الغضب
والعقوبة قال يزيد الرقاشي عند هذه الآية : يا من يتحبب إلى من يعاديه ،
فكيف بمن يتولاه ويناديه ؟ !

" قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى " وذلك أن فرعون كان
جباراً عنيداً وشيطاناً مريداً ، له سلطان في بلاد مصر طويل عريض ، وجاه
وجنود ، وعساكر وسطوة ، فهاناه من حيث البشرية ، وخافا أنا يسطو عليهما في
بادئ الأمر ، فثبتهما تعالى وهو العلي الأعلى فقال : " لا تخافا إنني معكما
أسمع وأرى " كما قال في الآية الأخرى : " إنا معكم مستمعون "

" فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك
بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى * إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على
من كذب وتولى " يذكر تعالى أنه أمرهما أن يذهبا إلى فرعون فيدعواه إلى الله
تعالى ، أن يعبده وحده لا شريك له وأن يرسل معهما بني إسرائيل ويطلقهم من
أسره وقهره ولا يعذبهم " قد جئناك بآية من ربك " وهو البرهان العظيم في
العصي واليد ، " والسلام على من اتبع الهدى " تقييد مفيد بليغ عظيم ، ثم
تهدداه وتوعداه على التكذيب فقالا : " إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من
كذب وتولى " أي كذب بالحق بقلبه وتولى عن العمل بقالبه

وقد ذكر السدي وغيره : أنه لما قدم من بلاد مدين ، دخل علي أمه وأخيه هارون
، وهما يتعشيان من طعام فيه الطفشيل وهو اللفت ، فآكل معهما ، ثم قال :
يا هارون إن الله أمرني وأمرك أن ندعو فرعون إلى عبادته فقم معي ، فقاما
يقصدان باب فرعون فإذا هو مغلق فقال موسى للبوابين والحجبة ، أعلموه أن
رسول الله بالباب فجعلوا يسخرون منه ويستهزئون به

وقد زعم بعضهم أنه لم يؤذن لهما عليه إلا بعد حين طويل ، قال محمد بن إسحاق
: أذن لهما بعد سنتين ، لأنه لم يك أحد يتجاسر على الإستئذان لهما فالله
أعلم ويقال إن موسى تقدم إلى الباب فطرقه بعصاه ، فانزعج فرعون وأمر
بإحضارهما ، فوقفا بين يديه فدعواه إلى الله عز وجل كما أمرهما

وعند أهل الكتاب : أن الله قال لموسى عليه السلام : إن هارون اللاوي - يعنى
الذي من نسل لاوي بن يعقوب - سيخرج ويتلقاك ، وأمره أن يأخذ معه مشايخ بني
إسرائيل إلى فرعون ، وأمره أن يظهر ما آتاه من الآيات وقال له : إني سأقسى
قلبه فلا يرسل الشعب ، وأكثر آياتي وأعاجيبي بأرض مصر وأوحي الله إلى
هارون أن يخرج إلى أخيه يتلقاه بالبرية عند جبل حوريب ، فلما تلقاه أخبره
موسى أمره به ربه فلما دخلا مصر جميعاً شيوخ بني إسرائيل وذهبا إلى فرعون ،
فلما بلغاه رسالة الله قال : من هو الله ؟ لا أعرفه ولا أرسل بني إسرائيل

وقال الله مخبراً عن فرعون : " قال فمن ربكما يا موسى * قال ربنا الذي أعطى
كل شيء خلقه ثم هدى * قال فما بال القرون الأولى * قال علمها عند ربي في
كتاب لا يضل ربي ولا ينسى * الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا
وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى * كلوا وارعوا أنعامكم
إن في ذلك لآيات لأولي النهى * منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم
تارة أخرى "

يقول تعالى مخبراً عن فرعون : إنه أنكر إثبات الصانع تعالى قائلاً : " فمن
ربكما يا موسى * قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى " أي هو الذي خلق
الخلق وقدر لهم أعمالاً وأرزاقاً وآجالاً ، وكتب ذلك عنده في كتابه اللوح
المحفوظ ، ثم هدى كل مخلوق إلى ما قدره له ، فطابق عمله فيهم على الوجه
الذي قدره وعلمه ، وقدرته وقدره لكمال علمه ، وهذه الآية كقوله تعالى : "
سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى " أي قدر قدراً وهدى
الخلائق إليه

" قال فما بال القرون الأولى " يقول فرعون لموسى : فإذا كان ربك هو الخالق
المقدر الهادي الخلائق لما قدره ، وهو بهذه المثابة من أنه لا يستحق
العبادة سواه ، فلم عبد الأولون غيره ؟ وأشركوا به من الكواكب والأنداد ما
قد علمت ؟ فهلا اهتدى إلى ما ذكرته القرون الأولى ؟ " قال علمها عند ربي في
كتاب لا يضل ربي ولا ينسى " أي هم وإن عبدوا غيره فليس ذلك بحجة لك ، ولا
يدل على خلاف ما أقول لأنهم جهلة مثلك ، وكل شيء فعلوه مستطر عليهم في
الزبر ، من صغير وكبير ، وسيجزيهم على ذلك ربي عز وجل ، ولا يظلم أحداً
مثقال ذرة ، لأن جميع أفعال العباد مكتوبة عنده في كتاب لا يضل عنه شيء ولا
ينسى ربي شيئاً

ثم ذكر له عظمة الرب وقدرته على خلق الأشياء ، وجعله الأرض مهاداً والسماء
سقفاً محفوظاً ، وتسخيره السحاب والأمطار لرزق العباد ودوابهم وأنعامهم ،
كما قال : " كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى " أي لذي
العقول الصحيحة المستقيمة والفطر القويمة غير المستقيمة ، فهو تعالى
الخالق الرازق ، كما قال تعالى : " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم
والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء
وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا
وأنتم تعلمون "

ولما ذكر إحياء الأرض بالمطر ، واهتزازها بإخراج نباتها فيه نبه به على
المعاذ فقال : " منها " أي من الأرض " خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم
تارة أخرى " كما قال تعالى : " كما بدأكم تعودون " وقال تعالى : " وهو الذي
يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض
وهو العزيز الحكيم "


قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 10:10 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



جحود فرعون وقصة موسى مع السحرة



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465




قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



ثم قال تعالى : " ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى * قال أجئتنا لتخرجنا
من أرضنا بسحرك يا موسى * فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا
نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى * قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى "



يخبر تعالى عن شقاء فرعون وكثرة جهله وقلة عقله ، في تكذيبه بآيات الله
واستكباره عن اتباعها ، وقوله لموسى : إن هذا الذي جئت به سحر ، ونحن
نعارضك بمثله ، ثم طلب من موسى أن يواعده إلى وقت معلوم ومكان معلوم


وكان هذا من أكبر مقاصد موسى عليه السلام : أن يظهر آيات الله وحججه
وبراهينه جهرة بحضرة الناس ولهذا " قال موعدكم يوم الزينة " وكان يوم عيد
من أعيادهم ومجتمع لهم " وأن يحشر الناس ضحى " أي من أول النهار في وقت
اشتداد ضياء الشمس ، فيكون الحق أظهر وأجلى ، ولم يطلب أن يكون ذلك ليلاً
في ظلام ، كما يروج عليهم محالاً وباطلاً ، بل طلب أن يكون نهاراً جهرة ،
لأنه على بصيرة من ربه ، ويقين بأن الله سيظهر كلمته ودينه ، وإن رغمت أنوف
القبط !


قال الله تعالى : " فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى * قال لهم موسى ويلكم لا
تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى * فتنازعوا أمرهم
بينهم وأسروا النجوى * قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم
بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى * فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح
اليوم من استعلى "


يخبر تعالى عن فرعون أنه ذهب فجمع من كان ببلاده من السحرة ، وكانت بلاد
مصر في ذلك الزمان مملوءة سحرة فضلاء ، في فنهم غاية ، فجمعوا له من كل بلد
ومن كل مكان فاجتمع منهم خلق كثير وجم غفير ، فقيل : كانوا ثمانين ألفاً -
قاله محمد بن كعب - وقيل سبعين ألفاً قاله القاسم بن أبي بردة ، وقال
السدي : بضعة وثلاثين ألفاً ، وعن أبي أمامة : تسعة عشر ألفاً ، وقال محمد
بن إسحاق : خمسة عشرة ألفاً وقال كعب الأحبار : كانوا اثنى عشر ألفاً


وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس : كانوا سبعين رجلاً ، وروى عنه أيضاً أنهم
كانوا أربعين غلاماً من بني إسرائيل ، أمرهم فرعون أن يذهبوا إلى العرفاء
فيتعلموا السحر ، ولهذا قالوا : " وما أكرهتنا عليه من السحر " وفي هذا نظر



وحضر فرعون وأمراؤه وأهل دولته وأهل بدله عن بكرة أبيهم وذلك أن فرعون
نادى فيهم أن يحضروا هذا الموقف العظيم ، فخرجوا وهم يقولون : " لعلنا نتبع
السحرة إن كانوا هم الغالبين "


وتقدم موسى عليه السلام إلى السحرة فوعظهم ، وزجرهم عن تعاطي السحر الباطل ،
الذي فيه معارضة لآيات الله وحججه فقال : " ويلكم لا تفتروا على الله كذبا
فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى * فتنازعوا أمرهم بينهم "


قيل معناه أنهم اختلفوا فيما بينهم ، فقائل يقول : هذا كلام نبي وليس بساحر
، وقائل منهم يقول : بل هو ساحر فالله أعلم وأسروا التناجي بهذا وغيره


" قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما " يقولون : إن
هذا وأخاه هارون ، ساحرانا عليمان مطبقان متقنان لهذه الصناعة ، ومرادهما
أن يجتمع الناس عليهما ويصولا على الملك وحاشيته ، ويستأصلاكم عن آخركم
ويستأمرهما عليكم بهذه الصناعة


" فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى " وإنما قالوا
الكلام الأول ليتدبروا ويتواصوا ، ويأتوا ، بجميع ما عندهم من المكيدة
والمكر والخديعة والبهتان


وهيهات ! كذبت والله الظنون ، وأخطأت الآراء ، أني يعارض البهتان ، والسحر
والهذيان خوارق العادات التي أجراها الديان ، على يدي عبده الكليم ، ورسوله
الكريم المؤيد بالبرهان ، الذي يبهر الأبصار وتحار فيه العقول والأذهان


وقولهم : " فأجمعوا كيدكم " أي جميع ما عندكم " ثم ائتوا صفا " أي جملة
واحدة ، ثم حضوا بعضهم بعضاً على التقدم في هذا المقام ، لأن فرعون كان قد
وعدهم ومناهم ، وما يعدهم الشيطان إلا غروراً


" قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا فإذا
حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى *
قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا
كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى "


لما اصطفى السحرة ووقف موسى وهارون عليهما السلام تجاههم قالوا له : إما أن
تلقي قبلنا ، وإما أن نلقي قبلك " قال بل ألقوا " أنتم ، وكانوا قد عمدوا
إلى حبال وعصي ، فأودعوها الزئبق وغيره ، من الآلات التي تضطرب بسببها تلك
الحبال والعصي اضطراباً يخيل للرائي أنها تسعي باختيارها ، وإنما تتحرك
بسبب ذلك ، فعند ذلك سحروا أعين الناس واسترهبوهم ، وألقوا حبالهم وعصيهم ،
وهم يقولون : " بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون "


قال الله تعالى : " فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر
عظيم " وقال الله تعالى : " فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها
تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى " أي خاف على الناس أن يفتنوا بسحرهم
ومحالهم ، قبل أن يلقى ما في يده ، فإنه لا يصنع شيئاً قبل أن يؤمر ، فأوحى
الله إليه في الساعة الراهنة : " لا تخف إنك أنت الأعلى * وألق ما في
يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى " فعند
ذلك ألقى موسى عصاه وقال : " ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا
يصلح عمل المفسدين * ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون "


وقال تعالى : " وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون *
فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون * فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين * وألقي
السحرة ساجدين * قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون "


وذلك أن موسى عليه السلام لما ألقاها ، صارت حية عظيمة ذات قوائم ، فيما
ذكره غير واحد من علماء السلف ، وعنق عظيم وشكل هائل مزعج ، بحيث إن الناس
انحازوا منها وهربوا سراعاً وتأخروا عن مكانها وأقبلت هي على ما ألقوه من
الحبال والعصي ، فجعلت تلقفه واحداً واحداً أسرع ما يكون من الحركة ،
والناس ينظرون إليها ويتعجبون منها ، وأما السحرة فإنهم رأوا ما هالهم
وحيرهم في أمرهم ، واطلعوا على أمر لم يكن في خلدهم ولا بالهم ولا يدخل تحت
صناعتهم وأشغالهم ، فعند ذلك وهنالك تحققوا بما عندهم من العلم أن هذا ليس
بسحر ولا شعوذة ، ولا محال ولا خيال ، ولا زور ولا بهتان ولا ضلال ، بل
حق لايقدر عليه الا الحق ، الذي ابتعث هذا المؤيد به الحق ، وكشف الله عن
قلوبهم غشاوة الغفلة ، وأنارها بما خلق فيها من الهدى وأزاح عنها القسوة ،
وأنابوا إلى ربهم وخروا له ساجدين ، وقالوا جهرة للحاضرين ولم يخشوا عقوبة
ولا بلوى : " آمنا برب هارون وموسى " كما قال تعالى : " فألقي السحرة سجدا
قالوا آمنا برب هارون وموسى * قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم
الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل
ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى * قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات
والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا * إنا آمنا بربنا
ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى * إنه من
يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا * ومن يأته مؤمنا قد عمل
الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى * جنات عدن تجري من تحتها الأنهار
خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى "


قال سعيد بن جبير وعكرمة والقاسم بن أبي بردة والأوزاعي وغيرهم : لما سجد
السحرة رأوا منازلهم وقصورهم في الجنة تهيأ لهم ، وتزخرف لقدومهم ولهذا لم
يلتفتوا إلى تهويل فرعون وتهديده ووعيده


وذلك لأن فرعون لما رأى هؤلاء السحرة قد أسلموا وأشهروا ذكر موسى وهارون في
الناس على هذه الصفة الجميلة ، أفزعه ذلك ورأى أمراً بهره ، وأعمى بصيرته
وبصره ، وكان فيه كيد ومكر وخداع وصنعة بليغة في الصد عن سبيل الله ، فقال
مخاطباً للسحرة بحضرة الناس : " آمنتم له قبل أن آذن لكم " أي هلا
شاورتموني فيما صنعتم من الأمر الفظيع بحضرة رعيتي ؟ ! ثم تهدد وتوعد وأبرق
وأرعد ، وكذب فأبعد قائلاً : " إنه لكبيركم الذي علمكم السحر " وقال في
الآية أخرى : " إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف
تعلمون "


وهذا الذي قاله من البهتان الذي يعلم كل فرد عاقل ما فيه من الكفر والكذب
والهذيان ، بل لا يروج مثله على الصبيان ، فإن الناس كلهم من أهل دولته
وغيرهم يعلمون أن موسى لم يره هؤلاء يوماً من الدهر ، فكيف يكون كبيرهم
الذي علمهم السحر ؟ ثم هو لم يجمعهم ولا علم باجتماعهم حتى كان فرعون هو
الذي استدعاهم ، واجتباهم من كل فج عميق ، وواد سحيق ، من حواضر بلاد مصر
والأطراف ، ومن المدن والأرياف


قال الله تعالى في سورة الأعراف : " ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى
فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين * وقال موسى يا فرعون
إني رسول من رب العالمين * حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد
جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل * قال إن كنت جئت بآية فأت بها
إن كنت من الصادقين * فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين * ونزع يده فإذا هي
بيضاء للناظرين * قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم * يريد أن
يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون * قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين *
يأتوك بكل ساحر عليم * وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن
الغالبين * قال نعم وإنكم لمن المقربين * قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما
أن نكون نحن الملقين * قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم
وجاؤوا بسحر عظيم * وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون *
فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون * فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين * وألقي
السحرة ساجدين * قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون * قال فرعون
آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها
أهلها فسوف تعلمون * لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين *
قالوا إنا إلى ربنا منقلبون * وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما
جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين "


وقال تعالى في سورة يونس : " ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون
وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين * فلما جاءهم الحق من عندنا
قالوا إن هذا لسحر مبين * قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا
يفلح الساحرون * قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما
الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين * وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم
* فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون * فلما ألقوا قال
موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين * ويحق
الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون "


وقال تعالى في سورة الشعراء : " قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من
المسجونين * قال أو لو جئتك بشيء مبين * قال فأت به إن كنت من الصادقين *
فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين * ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين * قال
للملإ حوله إن هذا لساحر عليم * يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا
تأمرون * قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين * يأتوك بكل سحار عليم *
فجمع السحرة لميقات يوم معلوم * وقيل للناس هل أنتم مجتمعون * لعلنا نتبع
السحرة إن كانوا هم الغالبين * فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أإن لنا لأجرا
إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين * قال لهم موسى
ألقوا ما أنتم ملقون * فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن
الغالبون * فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون * فألقي السحرة ساجدين *
قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون * قال آمنتم له قبل أن آذن لكم
إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف
ولأصلبنكم أجمعين * قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون * إنا نطمع أن يغفر
لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين "


والمقصود أن فرعون كذب وافترى وكفر غاية الكفر في قوله : " إنه لكبيركم
الذي علمكم السحر " وأتي ببهتان يعلمه العالمون في قوله : " إن هذا لمكر
مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون " ، وقوله : " لأقطعن
أيديكم وأرجلكم من خلاف " يعنى يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وعكسه ، "
ولأصلبنكم في جذوع النخل " أي على جذوع النخل لأنها أعلى وأشهر " ولتعلمن
أينا أشد عذابا وأبقى " يعني في الدنيا


" قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات " أي لن نطيعك ونترك ما وقع في
قلوبنا من البينات والدلائل القاطعات " والذي فطرنا " قيل معطوف ، وقيل قسم
" فاقض ما أنت قاض " أي فاعل ما قدرت عليه " إنما تقضي هذه الحياة الدنيا "
أي إنما حكمك علينا في هذه الحياة الدنيا ، فإذا انتقلنا منها إلى الدار
الآخرة صرنا إلى حكم الذي أسلمنا له واتبعنا رسله : " إنا آمنا بربنا ليغفر
لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى " أي ثوابه خير
مما وعدتنا به من التقريب والترغيب " وأبقى " أي وأدوم من هذه الدار
الفانية وفي الآية الأخرى : " قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون * إنا
نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا " أي ما اجترمناه من المآثم والمحارم " أن
كنا أول المؤمنين " أي من القبط ، بموسى وهارون عليهما السلام


وقالوا له أيضاً : " وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا " أي
ليس لنا عندك ذنب إلا إيماننا بما جاءنا به رسولنا ، واتباعنا آيات ربنا
لما جاءتنا " ربنا أفرغ علينا صبرا " أي ثبتنا على ما ابتلينا به من عقوبة
هذا الجبار العنيد ، والسلطان الشديد ، بل الشيطان المريد ، " وتوفنا
مسلمين "


وقالوا أيضاً يعظونه ويخوفونه بأس ربه العظيم : " إنه من يأت ربه مجرما فإن
له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا " يقولون له : فإياك أن تكون منهم فكان
منهم " ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى " أي
المنازل العالية ، " جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء
من تزكى " فاحرص أن تكون منهم ، فحالت بينه وبين ذالك الأقدارالتي لا
تغالب ولاتمانع ، وحكم العلي العظيم بأن فرعون - لعنه الله - من أهل
الجحيم ، ليباشر العذاب الأليم ، يصب من فوق رأيه الحميم ويقال له على وجه
التقريع والتوبيخ ، وهو المقبوح المنبوح والذميم اللئيم : " ذق إنك أنت
العزيز الكريم "


والظاهر من هذه السياقات أن فرعون - لعنه الله - صلبهم وعذبهم رضي الله
عنهم قال عبد الله بن عباس وعبيد بن عمير : كانوا من أول النهار سحرة ،
فصاروا من آخره شهداء بررة !


ويؤيد هذا قولهم : " ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين "


كبراء قوم فرعون يحرضونه إيذاء موسى واصرار فرعون على الباطل وابتلاء آل فرعون


كبراء قوم فرعون يحرضونه إيذاء موسى واصرار فرعون على الباطل وابتلاء آل فرعون


ولما وقع ما وقع من الأمر العظيم ، وهو الغلب الذي غلبته القبط في ذلك
الموقف الهائل ، وأسلم السحرة الذين استنصروا بهم ، لم يزدهم ذلك إلا كفراً
وعناداً وبعداً عن الحق


قال الله تعالى بعد قصص ما تقدم في سورة الأعراف : " وقال الملأ من قوم
فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم
ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون * قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا
إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين * قالوا أوذينا من
قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في
الأرض فينظر كيف تعملون "


يخبر تعالى عن الملأ من قوم فرعون ، وهم الأمراء والكبراء ، أنهم حرضوا
ملكهم فرعون على أذية نبي الله موسى عليه السلام ، ومقابلته بدل التصديق
بما جاء به ، والكفر والرد والأذي


قالوا : " أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك " يعنون - قبحه
الله - أن دعوته إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، والنهي عن عبادة ما سواه
، فساد بالنسبة إلى اعتقاد القبط لعنهم الله وقرأ بعضهم : " ويذرك
وآلهتك " أي وعبادتك ويحتمل شيئين : أحدهما ويذر دينك ، وتقويه القراءة
الأخرى والثاني : ويذر أن يعبدك ، فإنه كان يزعم أنه إله ، لعنه الله


" قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم " أي لئلا يكثر مقاتلتهم " وإنا فوقهم قاهرون " أي غالبون


" قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا " أي إذا هم هموا بأذيتكم والفتك
بكم ، فاستعينوا أنتم بربكم واصبروا على بليتكم " إن الأرض لله يورثها من
يشاء من عباده والعاقبة للمتقين " أي فكونوا أنتم المتقين تكون لكم العاقبة
، كما قال في الآية الأخرى : " وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله
فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة
للقوم الظالمين * ونجنا برحمتك من القوم الكافرين "


وقولهم : " قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا " أي قد كانت
الأبناء تقتل قبل مجيئك وبعد مجيئك إلينا " قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم
ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون "


وقال الله تعالى في سورة حم المؤمن : " ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب "


وكان فرعون الملك ، وهامان الوزير ، وكان قارون إسرائيلياً من قوم موسى ،
إلا أنه كان على دين فرعون وملئه ، وكان ذا مال جزيل جداً ، كما ستأتي قصته
فيما بعد إن شاء الله تعالى


" فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا
نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال " وهذا القتل للغلمان من بعد بعثة
موسى إنما كان على وجه الإهانة والإذلال ، والتقليل لملأ بني إسرائيل لئلا
يكون لهم شوكة يمتنعون بها ، ويصولون على القبط بسببها وكانت القبط منهم
يحذرون ، فلم ينفعهم ذلك ، ولم يرد عنهم قدر الذي يقول للشيء كن فيكون


" وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر
في الأرض الفساد " ولهذا يقول الناس على سبيل التهكم : صار فرعون
مذكراً وهذا منه ، فإن فرعون في زعمه خاف على الناس أن يضلهم موسى عليه
السلام !


" وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب " أي عذت
بالله ولجأت إليه واستجرت بجنابه ، من أن يسطو فرعون وغيره على بسوء وقوله
: " من كل متكبر " أي جبار عنيد لا يرعوى ولا ينتهى ، ولا يخاف عذاب الله
وعقابه ، لأنه لا يعتقد معاداً ولا جزاءً ولهذا قال : " من كل متكبر لا
يؤمن بيوم الحساب "


" وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله
وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم
بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب * يا قوم لكم الملك اليوم
ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا
ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد "


وهذا الرجل هو ابن عم فرعون ، وكان يكتم إيمانه من قومه خوفاً منهم على
نفسه وزعم بعض الناس أنه كان إسرائيلياً ، وهو بعيد ومخالف لسياق الكلام
لفظاً ومعنى والله أعلم


قال ابن جريج قال ابن عباس : لم يؤمن من القبط بموسى إلا هذا ، والذي جاء من أقصا المدينة وامرأة فرعون رواه ابن أبي حاتم


وقال الدارقطني لا يعرف من اسمه شمعان بالشين المعجمة إلا مؤمن آل فرعون حكاه السهيلي


وفي تاريخ الطبراني : أن اسمه خير فالله أعلم


والمقصود أن هذا الرجل كان يكتم إيمانه ، فلما هم فرعون - لعنه الله - بقتل
موسى عليه السلام ، وعزم على ذلك وشاور ملأه فيه خاف هذا المؤمن على موسى ،
فتلطف في رد فرعون بكلام جمع فيه الترغيب والترهيب ، فقال على وجه المشورة
والرأي


وقد ثبت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أفضل
الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر " وهذا من أعلى مراتب هذا المقام ، فإن
فرعون لا أشد جوراً منه ، وهذا الكلام لا أعدل منه ! لأنه فيه عصمة نبي
ويحتمل أنه كاشفهم بإظهار إيمانه ، وصرح لهم بما كان يكتمه والأول أطهر
والله أعلم


قال : " أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله " أي من أجل أنه قال ربي الله فمثل
هذا لا يقابل بهذا بل بالإكرام والإحترام أو الموادعة وترك الإنتقام


يعني لأنه : " قد جاءكم بالبينات من ربكم " أي بالخوارق التي دلت على صدقه
فيما جاء به عمن أرسله ، فهذا إن وادعتموه كنتم في سلامة ، لأنه : " إن يك
كاذبا فعليه كذبه "


ولا يضركم ذلك " وإن يك صادقا " وقد تعرضتم له " يصبكم بعض الذي يعدكم " أي
وأنتم تشفقون أن ينالكم أيسر جزاء مما يتوعدكم به ، فكيف بكم إن حل جميعه
عليكم ؟ وهذا الكلام في هذا المقام ، من أعلى مقامات التلطف والإحتراز
والعقل التام


وقوله : " يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض " يحذرهم أن يسلبوا هذا
الملك العزيز ، فإنه ما تعرضت الدول للدين إلا سلبوا ملكهم وذلوا بعد عزهم !


وكذا وقع لآل فرعون ، ما زالوا في شك وريب ، ومخالفة ومعاندة لما جاءهم
موسى به حتى أخرجهم الله مما كانوا فيه من الملك والأملاك والدور والقصور ،
والنعمة والحبور ، ثم حولوا إلى البحر مهانين ، ونقلت أرواحهم بعد العلو
والرفعة إلى أسفل السافلين


ولهذا قال هذا الرجل المؤمن المصدق ، البار الراشد ، التابع للحق ، الناصح
لقومه ، الكامل العقل : " يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض " أي
عالين على الناس حاكمين عليهم ، " فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا " ؟ أي
لو كنتم أضعاف ما أنتم فيه من العدد والعدة ، والقوة والشدة لما نفعنا ذلك ،
ولا رد عنا بأس مالك الممالك


" قال فرعون " أي في جوابه هذا كله : " ما أريكم إلا ما أرى " أي ما أقول لكم إلا ما عندي " وما أهديكم إلا سبيل الرشاد "


وكذب في كل من هذين القولين وهاتين المقدمتين ، فإنه قد كان يتحقق في باطنه
وفي نفسه أن هذا الذي جاء به موسى من عند الله لا محالة ، وإنما كان يظهر
خلافه بغياً وعدواناً ، وعتواً وكفراناً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 10:14 pm


قال الله تعالى إخباراً عن موسى : " قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب
السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا * فأراد أن يستفزهم من
الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا * وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض
فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا "

وقال تعالى : " فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين * وجحدوا بها
واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين "

وأما قوله : " وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " ، فقد كذب أيضاً ، فإنه لم يكن
على رشاد من الأمر ، بل كان على سفه وضلال وخبل وخيال ، فكان أولاً ممن
يعبد الأصنام والأمثال ، ثم دعا قومه الجهلة الضلال إلى أن اتبعوه وطاوعوه
وصدقوه فيما زعم من الكفر والمحال ، في دعواه أنه رب ، تعالى الله ذو
الجلال !

قال الله تعالى : " ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه
الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون * أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا
يكاد يبين * فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين *
فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين * فلما آسفونا انتقمنا منهم
فأغرقناهم أجمعين * فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين "

وقال تعالى : " فأراه الآية الكبرى * فكذب وعصى * ثم أدبر يسعى * فحشر
فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى * فأخذه الله نكال الآخرة والأولى * إن في
ذلك لعبرة لمن يخشى "

وقال تعالى : " ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون وملئه
فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد * يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم
النار وبئس الورد المورود * وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد
المرفود "

والمقصود بيان كذبه في قوله : " ما أريكم إلا ما أرى " وفي قوله : " وما أهديكم إلا سبيل الرشاد "

" وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب * مثل دأب قوم نوح
وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد * ويا قوم إني أخاف
عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله
فما له من هاد * ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما
جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو
مسرف مرتاب * الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند
الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار "

يحذرهم ولي الله إن كذبوا برسول الله موسى أن يحل بهم ما حل بالأمم من
قبلهم ، من النقمات والمثلات ، مما تواتر عندهم وعند غيرهم ، مما حل بقوم
نوح وعاد وثمود ومن بعدهم إلى زمانهم ذلك ، مما أقام به الحجج على أهل
الأرض قاطبة ، في صدق ما جاءت به الأنباء ، لما أنزل من النقمة بمكذبيهم من
الأعداء ، وما أنجى الله من اتبعهم من الأولياء وخوفهم يوم القيامة ، وهو
يوم التناد ، أي حين ينادى الناس بعضهم بعضاً ، حين يولون إن قدروا على ذلك
، ولا إلى ذلك سبيلاً : " يقول الإنسان يومئذ أين المفر * كلا لا وزر *
إلى ربك يومئذ المستقر " وقال تعالى : " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن
تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان * فبأي
آلاء ربكما تكذبان * يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران * فبأي
آلاء ربكما تكذبان "

وقرأ بعضهم : " يوم التناد " بتشديد الدال ، أي يوم الفرار ويحتمل أن يكون
يوم القيامة ، ويحتمل أن يكون يوم يحل الله بهم البأس ، فيودون الفرار
ولات حين مناص " فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون * لا تركضوا وارجعوا
إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون "

ثم أخبرهم عن نبوة يوسف في بلاد مصر ، وما كان منه من الإحسان إلى الخلق في
دنياهم وأخراهم وهذا من سلالته وذريته ، ويدعو الناس إلى توحيد الله
وعبادته ، وألا يشركوا به أحداً من بريته ، وأخبر عن أهل الديار المصرية في
ذلك الزمان ، وأن من سجيتهم التكذيب بالحق ومخالفة الرسل ولهذا قال : "
فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا "
أي وكذبتم في هذا ولهذا قال : " كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب * الذين
يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم " أي يردون حجج الله وبراهينه
ودلائل توحيده ، بلا حجة ولا دليل عندهم من الله ، فإن هذا أمر يمقته الله
غاية المقت ، أي يبغض من تلبس به من الناس ، ومن اتصف به من الخلق ، " كذلك
يطبع الله على كل قلب متكبر جبار " قرئ بالإضافة وبالنعت ، وكلاهما متلازم
: أي هكذا إذا خالفت القلوب الحق - ولا تخالفه إلا بلا برهان - فإن الله
يطبع عليها ، أي اختمر عليها بما فيها

" وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات
فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن
السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب "

كذب فرعون موسى عليه السلام في دعواه أن الله أرسله ، وزعم فرعون لقومه ما
كذبه وافتراه في قوله لهم : " ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان
على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين "
وقال هاهنا : " لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات " أي طرقها ومسالكها "
فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا " ويحتمل هذا معنيين : أحدها وإني
لأظنه كاذباً في قوله أن للعالم رباً غيري ، والثاني في دعواه أن الله
أرسله والأول أشبه بظاهر حال فرعون ، فإنه كان ينكر ظاهراً إثبات الصانع
والثاني أقرب إلى اللفظ حيث قال : " فأطلع إلى إله موسى " أي فأسأله هل
أرسله أم لا ؟ " وإني لأظنه كاذبا " أي في دعواه ذلك وإنما كان مقصود
فرعون أن يصد الناس عن تصديق موسى عليه السلام ، وأن يحثهم على تكذيبه

قال الله تعالى : " وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل " وقرئ : " وصد عن السبيل " " وما كيد فرعون إلا في تباب "

قال ابن عباس ومجاهد : يقول : إلا في خسار ، أي باطل ، لا يحصل له شيء من
مقصوده الذي رامه ، فإنه لا سبيل للبشر أن يتوصلوا بقواهم إلى نيل السماء
أبداً - أعني السماء الدنيا - فكيف بما بعدها من السموات العلى ؟ وما فوق
ذلك من الإرتفاع الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل ؟ وذكر غير واحد من
المفسرين أن هذا الصرح ، وهو القصر الذي بناه وزيره هامان له لم ير بناء
أعلى منه ، وأنه كان مبنياً من الآجر المشوي بالنار ولهذا قال : " فأوقد لي
يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا "

وعند أهل الكتاب : أن بني إسرائيل كانوا يسخرون في ضرب اللبن ، وكان مما
حملوا من التكاليف الفرعونية أنهم لا يساعدون على شيء مما يحتاجون إليه فيه
، بل كانوا هم الذين يجمعون ترابه وتبنه وماءه ، ويطلب منهم كل يوم قسط
معين ، إن لم يفعلوه ضربوا وأهينوا غاية الإهانة وأوذوا غاية الأذية ،
ولهذا قالوا لموسى : " أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى
ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون " فوعدهم بأن
العاقبة لهم على القبط ، وكذلك وقع ، وهذا من دلائل النبوة

ولنرجع إلى نصيحة المؤمن وموعظته واحتجاجه

قال الله تعالى : " وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد * يا
قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار * من عمل سيئة
فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون
الجنة يرزقون فيها بغير حساب "

يدعوهم رضي الله عنه إلى طريق الرشاد الحق ، وهي متابعة نبي الله موسى
وتصديقه فيما جاء به من عند ربه ثم زهدهم في الدنيا الدنية الفانية
المنقضية لا محالة ، ورغبهم في طلب الثواب عند الله الذي لا يضيع عمل عامل
لديه ، القدير الذي ملكوت كل شيء بيديه الذي يعطي على القليل كثيراً ، ومن
عدله لا يجازي على السيئة إلا مثلها ، وأخبرهم أن الآخرة هي دار القرار ،
التي من وافاها - مؤمناً قد عل الصالحات - فله الدرجات العاليات ، والغرف
الآمنات ، والخيرات الكثيرة الفائقات ، والأرزاق الدائمة التي لا تبيد ،
والخير الذي كل ما لهم منه في مزيد

ثم شرع في إبطال ما هم عليه ، وتخويفهم مما يصيرون إليه ، فقال : " ويا قوم
ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار * تدعونني لأكفر بالله وأشرك
به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار * لا جرم أنما تدعونني
إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين
هم أصحاب النار * فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير
بالعباد * فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب * النار
يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب "

كان يدعوهم إلى عبادة رب السموات والأرض ، الذي يقول للشيء كن فيكون ، وهم يدعونه إلا عبادة فرعون الجاهل الضال الملعون

ولهذا قال لهم على سبيل الإنكار : " ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة
وتدعونني إلى النار * تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا
أدعوكم إلى العزيز الغفار "

ثم بين لهم بطلان ما هم عليه من عبادة ما سوى الله من الأنداد والأوثان ،
وأنها لا تملك من نفع ولا إضرار فقال : " لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له
دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب
النار " أي لا تملك تصرفاً ولا حكماً في هذه الدار ، فكيف تملكه يوم القرار
؟ وأما الله عز وجل فإنه الخالق الرازق للأبرار والفجار ، وهو الذي أحيا
العباد ويميتهم ويبعثهم ، فيدخل طائعهم الجنة ، وعاصيهم إلى النار

ثم توعدهم إن هم استمروا على العناد بقوله : " فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد "

قال الله : " فوقاه الله سيئات ما مكروا " أي بإنكاره سلم مما أصابهم من
العقوبة على كفرهم بالله ، ومكرهم في صدهم على سبيل الله ، مما أظهروا
للعامة من الخيالات والمحالات ، التي ألبسوا بها على عوامهم وطعامهم ،
ولهذا قال : " وحاق " أي أحاط " بآل فرعون سوء العذاب * النار يعرضون عليها
غدوا وعشيا " أي تعرض أرواحهم في برزخهم صباحاً ومساء على النار " ويوم
تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " وقد تكلمنا على دلالة هذه الآية
على عذاب القبر في التفسير ، ولله الحمد

والمقصود أن الله تعالى لم يهلكهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم ، وإرساله
الرسول إليهم ، وإزاحة الشبه عنهم ، وأخذ الحجة عليهم منهم ، بالترهيب تارة
والترغيب أخرى ، كما قال تعالى : " ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من
الثمرات لعلهم يذكرون * فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة
يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون *
وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين * فأرسلنا
عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا
قوما مجرمين "

يخبر تعالى أنه ابتلى آل فرعون وهم قومه من القبط بالسنين وهي أعوام الجدب
التي لا يستغل فيها زرع ولا ينتفع بضرع وقوله : " ونقص من الثمرات " وهي
قلة الثمار من الأشجار " لعلهم يذكرون " أي فلم ينتفعوا ولم يرتدعوا ، بل
تمردوا واستمروا على كفرهم وعنادهم " فإذا جاءتهم الحسنة " والخصب ونحوه "
قالوا لنا هذه " أي هذا الذي نستحقه ، وهذا الذي يليق بنا " وإن تصبهم سيئة
يطيروا بموسى ومن معه " أي يقولون هذا بشؤمهم أصابنا هذا ، ولا يقولون في
الأول إنه ببركتهم وحسن مجاورتهم لهم ، ولكن قلوبهم منكرة مستكبرة نافرة عن
الحق ، إذا جاء الشر أسندوه إليه ، وإن رأوا خيراً ادعوه لأنفسهم قال
الله تعالى : " ألا إنما طائرهم عند الله " أي الله يجزيهم على هذا أوفر
الجزاء " ولكن أكثرهم لا يعلمون

" وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين " أي مهما
جئتنا به من الآيات - وهي الخوارق للعادات - فلسنا نؤمن بك ولا نتبعك ولا
نطيعك ، ولو جئتنا بكل آية ، وهكذا أخبر الله عنهم في قوله : " إن الذين
حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم "

قال الله تعالى : " فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم
آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين " أما الطوفان فعن ابن عباس : هو
كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار ، وبه قال سعيد بن جبير
وقتادة والسدي والضحاك ، وعن ابن عباس وعطاء هو كثرة الموت ، وقال مجاهد :
الطوفان الماء والطاعون على كل حال ، وعن ابن عباس : أمر طاف بهم

وقد روى ابن جرير وابن مردويه من طريق يحيى بن يمان ، عن المنهال بن خليفة ،
عن الحجاج ، عن الحكم بن ميناء ، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال : " الطوفان الموت " وهو غريب

وأما الجراد فمعروف ، وقد روى أبو داود عن أبي عثمان ، عن سلمان الفارسي ،
قال : سئل رسول الله عن الجراد فقال : " أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه
" وترك النبي صلى الله عليه وسلم أكله إنما هو على وجه التقذر له ، كما
ترك أكل الضب ، وتنزه عن أكل البصل والثوم والكراث ، لما ثبت في الصحيحين
عن عبد الله بن أبي أوفي قال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع
غزوات نأكل الجراد وقد تكلمنا على ما ورد فيه من الأحاديث والآثار في
التفسير

والمقصود أنه استاق خضراءها فلم يترك لهم زراعاً ولا ثماراً ولا سبداً ولا
لبداً وأما القمل فعن ابن عباس : هو السوس الذي يخرج من الحنطة وعنه أنه
الجراد الصغار الذي لا أجنحة له ، وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة ، وقال سعيد
بن جبير والحسن : هو دواب سود صغار وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :
القمل هي البراغيث وحكى ابن جرير عن أهل العربية : أنها الحمنان ، وهو
صغار القردان فوق القمامة ، فدخل معهم البيوت والفرش ، فلم يقر لهم قرار ،
ولم يمكنهم معه الغمض ولا العيش وفسره عطاء بن السائب بهذا القمل المعروف
وقرأها الحسن البصري كذلك بالتخفيف

وأما الضفادع فمعروفة ، لبستهم حتى كانت تسقط في أطعمتهم وأوانيهم ، حتى إن
أحدهم إذا فتح فاه لطعام أو شراب سقطت فيه ضفدعة من تلك الضفادع

وأما الدم فكان قد مزج ماؤهم كله به فلا يستقون من النيل شيئاً إلا وجدوه
دماً عبيطاً ولا من نهر ولا بئر ولا شيء إلا كان دماً في الساعة الراهنة

هذا كله ولم ينل بني إسرائيل من ذلك شيء بالكلية وهذا من تمام المعجزة
الباهرة ، والحجة القاطعة ، أن هذا كله يحصل لهم عن فعل موسى عليه السلام ،
فينالهم عن آخرهم ، ولا يحصل هذا لأحد من بني إسرائيل ، وفي هذا أدل دليل

قال محمد بن إسحاق : فرجع عدو الله فرعون حين آمنت السحرة مغلوباً مغلولاً ،
ثم أبي إلا الإقامة على الكفر والتمادي في الشر ، فتابع الله عليه بالآيات
، فأخذه بالسنين : فأرسل عليه الطوفان ثم الجراد ، ثم القمل ، ثم الضفادع ،
ثم الدم ، آيات مفصلات ، فأرسل الطوفان - وهو الماء - ففاض على وجه الأرض
ثم ركد ، لا يقدرون علي أن يحرثوا ولا أن يعملوا شيئاً ، حتى جهدوا جوعاً

فلما بلغهم ذلك : " قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل "

فدعا موسى ربه فكشفه عنهم فلما لم يفوا له بشيء مما قالوا أرسل الله عليهم
الجراد ، فأكل الشجر فيما بلغني ، حتى إن كان ليأكل مسامير الأبواب من
الحديد حتى تقع دورهم ومساكنهم ، فقالوا مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشف عنهم
، فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم القمل ، فذكر لي أن موسى
عليه السلام ، أمر أن يمشى إلى كثيب حتى يضربه بعصاه فمضى إلى كثيب أهيل
عظيم ، فضربه بها ، فانثال عليهم قملاً ، حتى غلب على البيوت والأطعمة ،
ومنعهم النوم والقرار

فلما جهدهم قالوا له مثل ما قالوا له ، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يفوا له
بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم الضفادع ، فملأت البيوت والأطعمة
والآنية ، فلم يكشف أحد ثوباً ولا طعاماً ، إلا وجد فيه الضفادع قد غلبت
عليه

فلما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشف عنهم ، فلم يفوا
بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم الدم ، فصارت مياه آل فرعون دماً ، لا
يستقون من بئر ولا نهر ، ولا يغترفون من إناء ، إلا عاد دماً عبيطاً وقال
زيد بن أسلم : المراد بالدم الرعاف رواه ابن أبي حاتم

قال الله تعالى : " ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما
عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل * فلما
كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون * فانتقمنا منهم
فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين "

يخبر تعالى عن كفرهم وعتوهم واستمرارهم على الضلال والجهل ، والإستكبار عن
اتباع آيات الله وتصديق رسوله ، مع ما أيده به من الآيات العظيمة الباهرة ،
والحجج البليغة القاهرة ، التي أراهم الله إياها عياناً ، وجعلنا عليهم
دليلاً وبرهاناً

وكلما شاهدوا آية وعاينوها ، وجهدهم وأضنكهم ، حلفوا وعاهدوا موسى لئن كشف
عنهم هذه ليؤمنن به ، وليرسلن معه من هو من حزبه ، فكلما رفعت عنهم تلك
الآية عادوا إلى شر مما كانوا عليه ، وأعرضوا عما جاءهم به من الحق ولم
يلتفتوا إليه ، فيرسل الله عليهم آية أخرى هي أشد مما كانت قبلها وأقوى ،
فيقولون ويكذبون ، ويعدون ولا يفون : " لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك
ولنرسلن معك بني إسرائيل " فيكشف عنهم ذلك العذاب الوبيل ، ثم يعودون إلى
جهلهم العريض الطويل

هذا ، والعظيم الحليم القدير ، ينظرهم ولا يعجل عليهم ، ويؤخرهم ويتقدم
بالوعيد إليهم ، ثم أخذهم بعد إقامة الحجة عليهم ، والإعذار إليهم ، أخذ
عزيز مقتدر ، فجعلهم عبرة ونكالاً وسلفاً لمن أشبههم من الكافرين ، ومثلاً
لمن اتعظ من عباده المؤمنين

كما قال تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين ، في سورة حم والكتاب المبين : "
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين *
فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون * وما نريهم من آية إلا هي أكبر من
أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون * وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك
بما عهد عندك إننا لمهتدون * فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون * ونادى
فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا
تبصرون * أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين * فلولا ألقي عليه
أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين * فاستخف قومه فأطاعوه إنهم
كانوا قوما فاسقين * فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين * فجعلناهم
سلفا ومثلا للآخرين "

يذكر تعالى إرساله عبده الكليم الكريم إلى فرعون الخسيس اللئيم ، وأنه
تعالى أيد رسوله بآيات بينات واضحات ، تستحق أن تقابل بالتعظيم والتصديق ،
وأن يرتدعوا عما هم فيه من الكفر ويرجعوا إلى الحق والصراط المستقيم ، فإذا
هم منها يضحكون وبها يستهزئون ، وعن سبيل الله يصدون ، وعن الحق ينصرفون ،
فأرسل الله عليهم الآيات تترى يتبع بعضها بعضاً ، وكل آية أكبر من التي
تتلوها ، لأن التوكيد أبلغ مما قبله

" وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون * وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما
عهد عندك إننا لمهتدون " لم يكن لفظ الساحر في زمنهم نقصاً ولا عيباً ، لأن
علماءهم في ذلك الوقت هم السحرة ، ولهذا خاطبوه به في حان احتياجهم إليه ،
وضراعتهم لديه قال الله تعالى " فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون "

ثم أخبر تعالى عن تبجح فرعون بملكه ، وعظمة بلده وحسنها ، وتخرق الأنهار
فيها ، وهي الخلجانات التي يكسرونها أيام زيادة النيل ثم تبجح بنفسه وحليته
، وأخذ يتنقص رسول الله موسى عليه السلام ، ويزدريه بكونه " لا يكاد يبين "
يعني كلامه بسبب ما كان في لسانه من بقية تلك اللثغة ، التي هي شرف له
وكمال وجمال ، ولم تكن مانعة له أن كلمه الله تعالى وأوحى إليه ، وأنزل بعد
ذلك التوراة عليه

وتنقصه فرعون - لعنه الله - بكونه لا أساور في يديه ، ولا زينة عليه !
وإنما ذلك من حلية النساء ، لا يليق بشهامة الرجال ، فكيف بالرسل الذين هم
أكمل عقلاً ، وأتم معرفة ، وأعلى همة وأزهد في الدنيا ، وأعلم بما أعد الله
لأوليائه في الأخرى ؟

وقوله : " أو جاء معه الملائكة مقترنين " لا يحتاج الأمر إلى ذلك ، فإن كان
المراد أن تعظمه الملائكة ، فالملائكة يعظمون ويتواضعون لمن هو دون موسى
عليه السلام بكثير ، كما جاء في الحديث : " إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب
العلم رضاً بما يصنع " فكيف يكون تواضعهم وتعظيمهم لموسى الكليم عليه
الصلاة والتسليم والتكريم ! ؟

وإن كان المراد شهادتهم له بالرسالة فقد أيد من المعجزات بما يدل قطعاً
لذوي الألباب ، ولمن قصد إلى الحق والصواب ، ويعمى عما جاء به من البينات
والحجج الواضحات من نظر إلى القشور ، وترك لب اللباب ، وطبع على قلبه رب
الأرباب ، وختم عليه بما فيه من الشك والإرتياب ، كما هو حال فرعون القبطي
العمي الكذاب

قال الله تعالى : " فاستخف قومه فأطاعوه " أي استخف عقولهم ودرجهم من حال
إلى حال إلى أن صدقوه في دعواه الربوبية لعنه الله وقبحهم " إنهم كانوا
قوما فاسقين * فلما آسفونا " أي أغضبونا " انتقمنا منهم " أي بالغرق
والإهانة وسلب العز ، والتبدل بالذل وبالعذاب بعد النعمة ، والهوان بعد
الرفاهية ، والنار بعد طيب العيش ، عياذاً بالله وسلطانه القديم من ذلك

" فجعلناهم سلفا " أي لمن اتبعهم في الصفات " ومثلا " أي لمن اتعض بهم :
خاف من وبيل مصرعم ، ممن بلغه جلية خبرهم وما كان من أمرهم كما قال الله
تعالى : " فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما
سمعنا بهذا في آبائنا الأولين * وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده
ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون * وقال فرعون يا أيها الملأ
ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي
أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين * واستكبر هو وجنوده في الأرض
بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون * فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم
فانظر كيف كان عاقبة الظالمين * وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم
القيامة لا ينصرون * وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من
المقبوحين "

يخبر تعالى أنه لما استكبروا عن اتباع الحق ، وادعى ملكهم الباطل ، ووافقوه
عليه وأطاعوه فيه ، اشتد غضب الرب القدير العزيز الذي لا يغالب ولا يمانع
عليهم ، فانتقم منهم أشد الإنتقام ، وأغرقه هو وجنوده في صبيحة واحدة فلم
يفلت منهم أحد ، ولم يبق منهم ديار ، بل كل قد غرق فدخل النار ، وأتبعوا في
هذه الدار لعنة بين العالمين ، ويوم القيامة بئس الرفد المرفود ، و يوم
القيامة هم من المقبوحين

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465
قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 10:27 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

ذكر هلاك فرعون وجنوده

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

لما تمادى قبط مصر على كفرهم وعتوهم وعنادهم ، متابعة لملكهم فرعون ،
ومخالفة لنبي الله ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام ، أقام الله
على أهل مصر الحجج العظيمة القاهرة ، وأراهم من خوارق العادات ما بهر
الأبصار وحير العقول ، وهم مع ذلك لا يرعوون ولا ينتهون ، ولا ينزعون ولا
يرجعون

ولم يؤمن منهم إلا القليل قيل ثلاثة : وهم إمرأة فرعون - ولا علم لأهل
الكتاب بخبرها - ومؤمن آل فرعون الذي تقدمت حكاية موعظته ومشورته وحجته
عليهم ، والرجل الناصح الذي جاء يسعى من أقصا المدينة ، فقال : " يا موسى
إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين "

قاله ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم عنه ومراده غير السحرة ، فإنهم كانوا من القبط

وقيل بل آمن به طائفة من القبط من قوم فرعون ، والسحرة كلهم وجميع شعب بني
إسرائيل ويدل على هذا قوله تعالى : " فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على
خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين "


فالضمير في قوله : " إلا ذرية من قومه " عائد على فرعون لأن السياق يدل
عليه ، وقيل على موسى لقربه ، والأول أظهر كما هو مقرر في التفسير وإيمانهم
كان خفياً لمخالفتهم من فرعون وسطوته ، وجبروته وسلطته ، ومن ملئهم أن
ينموا عليهم إليه فيفتنهم عن دينهم

قال الله تعالى مخبراً عن فرعون وكفى بالله شهيداً : " وإن فرعون لعال في
الأرض " أي جبار عنيد مشتغل بغير الحق ، " وإنه لمن المسرفين " أي في جميع
أموره وشئونه وأحواله ولكنه جرثومة قد حان انجعافها وثمرة خبيثة قد آن
قطافها ، ومنهجة ملعونة قد حتم إتلافها

وعند ذلك قال موسى : " يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم
مسلمين * فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين *
ونجنا برحمتك من القوم الكافرين " فأمرهم بالتوكل على الله والإستعانة به ،
والإلتجاء إليه ، فأتمروا بذلك فجعل الله لهم مما كانوا فيه فرجاً ومخرجاً


" وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين "

أوحى الله تعالى إلى موسى وأخيه هارون عليهما السلام أن يتخذا لقومهما
بيوتاً مميزة فيها بينهم عن بيوت القبط ، ليكونوا على أهبة الرحيل إذا
أمروا به ، ليعرف بعضهم بيوت بعض

وقوله : " واجعلوا بيوتكم قبلة " قيل مساجد ، وقيل معناه كثرة الصلاة فيها

قال مجاهد وأبو مالك وإبراهيم النخعي والربيع والضحاك وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن وغيرهم

ومعناه على هذا : الإستعانة على ما هم فيه الضر والشدة والضيق بكثرة الصلاة
، كما قال تعالى : " واستعينوا بالصبر والصلاة " وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا حزبه أمر صلي

وقيل معناه : أنهم لم يكونوا حينئذ يقدرون على إظهار عبادتهم في مجتمعاتهم
ومعابدهم ، فأمروا أن يصلوا في بيوتهم ، عوضاً عما فاتهم من إظهار شعائر
الدين الحق في ذلك الزمان ، الذي اقتضى حالهم إخفاءه خوفاً من فرعون وملئه ،
والمعنى الأول أقوى لقوله : " وبشر المؤمنين " وإن كان لا ينافي الثاني
أيضاً والله أعلم

وقال سعيد بن جبير : " واجعلوا بيوتكم قبلة " أي متقابلة

" وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا
ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى
يروا العذاب الأليم * قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين
لا يعلمون "

هذه دعوة عظيمة دعا بها كليم الله موسى على عدو الله فرعون ، غضباً لله
عليه ، لتكبره عن اتباع الحق ، وصده عن سبيل الله ومعاندته وعتوه وتمرده ،
واستمراره على الباطل ، ومكابرته الحق الواضح الجلي الحسي والمعنوي ،
والبرهان القطعي ، فقال : " ربنا إنك آتيت فرعون وملأه " يعني قومه من
القبط ، ومن كان على ملته ودان بدينه " زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا
ليضلوا عن سبيلك " أي وهذا يغتر به من يعظم أمر الدنيا فيحسب الجاهل أنهم
على شيء ، لكن هذه الأموال وهذه الزينة ، من اللباس والمراكب الحسنة
الهنية ، والدور الأنيقة والقصور المبنية ، والمآكل الشهية والمناظر البهية
، والملك العزيز والتمكين والجاه العريض في الدنيا لا الدين

" ربنا اطمس على أموالهم " قال ابن عباس ومجاهد : أي أهلكها وقال أبو
العالية والربيع بن أنس والضحاك : اجعلها حجارة منقوشة كهيئة ما كانت ،
وقال قتادة : بلغنا أن زروعهم صارت حجارة ، وقال محمد بن كعب : جعل سكرهم
حجارة ، وقال أيضاً : صارت أموالهم كلها حجارة ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز ،
فقال عمر بن عبد العزيز لغلام له : قم ائتني بكيس ، فجاء بكيس ، فإذا فيه
حمص وبيض قد حول حجارة ! رواه ابن أبي حاتم

وقوله : " واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم " قال ابن
عباس : أي اطبع عليها وهذه دعوة غضب لله تعالى ولدينه ولبراهينه

فاستجاب الله تعالى لها ، وحققها وتقبلها ، كما استجاب لنوح في قومه حيث
قال : " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك
ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا " ولهذا قال تعالى مخاطباً لموسى حين دعا على
فرعون وملئه ، وأمن أخوه هارون على دعائه فنزل ذلك منزلة الداعي أيضاً :"
قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون "

قال المفسرون وغيرهم من أهل الكتاب : استأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج
إلى عيد لهم ، فأذن لهم وهو كاره ، ولكنهم تجهزوا للخروج وتأهبوا له ،
وإنما كان في نفس الأرض مكيدة بفرعون وجنوده ، ليتخلصوا منهم ويخرجوا عنهم

وأمرهم الله تعالى - فيما ذكره أهل الكتاب - أن يستعيروا حلياً منهم ،
فأعاروهم شيئاً كثيراً ، فخرجوا بليل فساروا مستمرين ذاهبين من فورهم ،
طالبين بلاد الشام ، فلما علم بذهابهم فرعون حنق عليهم كل الحنق ، واشتد
غضبه عليهم ، وشرع في استحثاث جيشه وجمع جنوده ليلحقهم ويمحقهم

قال الله تعالى : " وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون * فأرسل
فرعون في المدائن حاشرين * إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون *
وإنا لجميع حاذرون * فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم * كذلك
وأورثناها بني إسرائيل * فأتبعوهم مشرقين * فلما تراء الجمعان قال أصحاب
موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين * فأوحينا إلى موسى أن اضرب
بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم * وأزلفنا ثم الآخرين *
وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين * إن في ذلك لآية وما كان
أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم "

قال علماء التفسير : لما ركب فرعون في جنوده طالباً بني إسرائيل يقفو أثرهم
كان في جيش كثيف عرمرم ، حتى قيل كان في خيوله مائة ألف فحل أدهم ، وكانت
عدة جنود تزيد على ألف ألف وستمائة ألف ، فالله أعلم ، وقيل إن بني إسرائيل
كانوا نحواً من ستمائة ألف مقاتل غير الذرية وكان بين خروجهم من مصر صحبة
موسى عليه السلام ودخولهم إليها صحبة أبيهم إسرائيل أربعمائة سنة وستاً
وعشرين سنة شمسية

والمقصود أن فرعون لحقهم بالجنود ،فأدركهم عند شروق الشمس ، وتراءى الجمعان
، ولم يبق ثم ريبولا لبس ، وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه ورآه ، ولم
يبق إلا المقاتلة والمجادلة والمحاماة فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون :
" إنا لمدركون " وذلك لأنهم اضطروا في طريقهم إلى البحر فليس لهم طريق ولا
محيد إلا سلوكه وخوضه ، وهذا ما لا يستطيعه أحد ولا يقدر عليه ، والجبال
عن يسرتهم وعن أيمانهم وهي شاهقة منيفة وفرعون قد غالقهم وواجههم ،
وعاينوه في جنوده وجيوشه وعدده وعدده ، وهم منه في غاية الخوف والذعر ، لما
قاسوا في سلطانه من الإهانة والمكر

فشكوا إلى نبي الله ما هم فيه مما قد شاهدوه وعاينوه فقال لهم الرسول
الصادق المصدوق : " كلا إن معي ربي سيهدين " وكان في الساقة ، فتقدم إلى
المقدمة ، ونظر إلى البحر وهو يتلاطم بأمواجه ، ويتزايد زبد أجاجه ، وهو
يقول : هاهنا أمرت ومعه أخوه هارون ، ويوشع بن نون ، وهو يومئذ من سادات
بني إسرائيل وعلمائهم وعبادهم الكبار ، وقد أوحي الله إليه وجعله نبياً بعد
موسى وهارون عليهما السلام ، كما سنذكره فيما بعد إن شاء الله ، ومعهم
أيضاً مؤمن آل فرعون ، وهم وقوف ، وبنو إسرائيل بكمالهم عليه عكوف ويقال
إن مؤمن آل فرعون جعل يقتحم بفرسه مراراً في البحر ، هل يمكن سلوكه ؟ فلا
يمكن ، ويقول لموسى عليه السلام : يا نبي الله هاهنا أمرت ؟ فيقول : نعم

فلما تفاقم الأمر وضاق الحال واشتد الأمر ، واقترب فرعون وجنوده في جدهم
وحدهم وحديدهم ، وغضبهم وحنقهم ، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ، عند
ذلك أوحى الحليم العظيم القدير ، رب العرش الكريم ، إلى موسى الكليم : "
أن اضرب بعصاك البحر " فلما ضربه ، يقال إنه قال له : انفلق بإذن الله
ويقال : إنه كناه بأبي خالد والله أعلم

قال الله تعالى : " فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل
فرق كالطود العظيم " ويقال إنه انفلق اثني عشر طريقاً ، لكل سبط طريق
يسيرون فيه ، حتى قيل إنه صار فيه أيضاً شبابيك ليرى بعضهم بعضاً ! وفي هذا
نظر ، لأن الماء جرم شفاف إذا كان من ورائه ضياء حكاه

وهكذا كان ماء البحر قائماً مثل الجبال ، مكفوفاً بالقدرة العظيمة الصادرة
من الذي يقول للشيء كن فيكون ، وأمر الله ريح الدبور فلفحت حال البحر
فأذهبته ، حتى صار يابساً لا يعلق في سنابك الخيول والدواب

قال الله تعالى : " ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في
البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى * فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم
ما غشيهم * وأضل فرعون قومه وما هدى "

والمقصود أنه لما آل أمر البحر إلى هذه الحال ، فبإذن الرب العظيم الشديد
المحال ، أمر موسى عليه السلام أن يجوزه ببني إسرائيل ، فانحدروا فيه
مسرعين مستبشرين مبادرين ، وقد شاهدوا من الأمر العظيم ما يحير الناظرين ،
ويهدي قلوب المؤمنين فلما جاوزوه وجاوزوه وخرج آخرهم منه ، وانفصلوا عنه ،
وكان ذلك عند قدوم أول جيش فرعون إليه ، ووفودهم عليه

فأراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما كان عليه لئلا يكون
لفرعون وجنوده وصول إليه ، ولا سبيل عليه ، فأمره القدير ذو الجلال أن
يترك البحر على هذه الحال ، كما قال وهو الصادق في المقال : " ولقد فتنا
قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم * أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول
أمين * وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين * وإني عذت بربي وربكم
أن ترجمون * وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون * فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون *
فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون * واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون * كم
تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك
وأورثناها قوما آخرين * فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين *
ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين * من فرعون إنه كان عاليا من
المسرفين * ولقد اخترناهم على علم على العالمين * وآتيناهم من الآيات ما
فيه بلاء مبين "

فقوله تعالى : " واترك البحر رهوا " أي ساكناً على هيئته ، لا يغيره عن هذه الصفة

قاله عبد الله بن عباس ومجاهد وعكرمة والربيع والضحاك وقتادة وكعب الأحبار وسماك بن حرب وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهم

فلما تركه على هيئته وحالته وانتهى فرعون ، فرأى ما رأى ، وعاين ما عاين ،
هاله هذا المنظر العظيم ، وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك من أن هذا من فعل رب
العرش الكريم ، فأحجم ولم يتقدم ، وندم في نفسه على خروجه في طلبهم
والحالة هذه حيث لا ينفعه الندم ، لكنه أظهر لجنوده تجلداً وعاملهم معاملة
العدا ، وحملته النفس الكافرة والسجية الفاجرة على أن قال لمن استخفهم
فأطاعوه ، وعلى باطله تابعوه : انظروا كيف انحسر البحر لي لأدرك عبيدي
الآبقين من يدي ، الخارجين على طاعتي وبلدي ؟ وجعل يورى في نفسه أن يذهب
خلفهم ، ويرجو أن ينجو وهيهات ويقدم تارة ويحج تارات !

فذكروا أن جبريل عليه السلام تبدى في صورة فارس راكب على رمكة حائل فمر بين
يدي فحل فرعون لعنه الله ، فحمحم إليها وأقبل عليها ، وأسرع جبريل بين
يديه فاقتحم البحر ، واستبق الجواد وقد أجاد ، فبادر هذا وفرعون لا يملك من
نفسه ضراً ولا نفعاً ، فلما رأته الجنود قد سلك البحر اقتحموا وراءه
مسرعين ، فحصلوا في البحر أجمعين أكتعين أبصعين ، حتى هم أولهم بالخروج منه
، فعند ذلك أمر الله تعالى كليمهه فيما أوحاه إليه أن يضرب بعصاه البحر
فضربه فارتطم عليهم البحر كما كان ، فلم ينج منهم إنسان

قال تعالى : " وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين * إن في
ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم " أي في
إنجائه أولياءه فلم يغرق منم أحد وإغراقه أعداءه فلم يخلص منهم أحد ، آيه
عظيمة ، وبرهان قاطع على قدرته تعالى العظيمة ، وصدق رسوله فيما جاء به عن
ربه من الشريعة الكريمة ، ولمناهج المستقيمة

وقال تعالى : " وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا
وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو
إسرائيل وأنا من المسلمين * آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين * فاليوم
ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون "

يخبر تعالى عن كيفية غرق فرعون زعيم كفرة القبط ، وأنه لما جعلت الأمواج
تخفضه تارة وترفعه أخرى ، وبنو إسرائيل ينظرون إليه وإلى جنوده ، ماذا أحل
الله به وبهم من البأس العظيم والخطب الجسيم ، ليكون أقر لأعين بني إسرائيل
، وأشفى لنفوسهم فلما عاين فرعون الهلكة وأحيط به ، وباشر سكرات الموت
أناب حينئذ وتاب ، وآمن حين لا ينفع نفساً إيمانها ، كما قال تعالى : " إن
الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب
الأليم "
وقال تعالى : " فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به
مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في
عباده وخسر هنالك الكافرون "

وهكذا دعا موسى على فرعون وملئه ، أن يطمس على أموالهم ، ويشدد على قلوبهم
فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ، أي حين لا ينفعهم ذلك ، ويكون حسرة
عليهم وقد قال تعالى لهما - أي لموسى وهارون - حين دعوا بهذا : " قد أجيبت
دعوتكما " فهذا من إجابة الله تعالى دعوة كليمه وأخيه هارون عليهما السلام


ومن ذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا
حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما قال فرعون " آمنت أنه لا إله إلا
الذي آمنت به بنو إسرائيل " قال لي جبريل : لو رأيتني وقد أخذت من حال
البحر فدسسته في فيه ، مخافة أن تناله الرحمة " !

ورواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم عند هذه الآية من حديث حماد بن سلمة ، وقال الترمذي : حديث حسن

وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت ، وعطاء بن السائب ،
عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
قال لي جبريل : لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فم فرعون مخافة
أن تناله الرحمة "

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن
عمر بن عبد الله بن يعلى الثقفي عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما
أغرق الله فرعون أشار بأصبعه ورفع صوته : " آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت
به بنو إسرائيل " قال : فخاف جبريل أن تسبق رحمة الله فيه غضبه ، فجعل يأخذ
الحال بجناحيه ، فيضرب به وجهه فيرمسه ورواه ابن جرير من حديث أبي خالد
به

ورواه الترمذي وابن جرير من حديث شعبة ، وقال الترمذي : حسن غريب صحيح وأشار ابن جرير في رواية إلى وقفه

وقد رواه ابن جرير من طريق كثير بن زاذان وليس بمعروف ، وعن أبي حازم عن
أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال لي جبريل عليه
السلام : يا محمد لو رأيتني وأنا أغطه وأدس من الحال في فيه ، مخافة أن
تدركه رحمة الله فيغفر له " يعنى فرعون

وقد أرسله غير واحد من السلف كإبراهيم التيمي وقتادة وميمون بن مهران ،
ويقال إن الضحاك بن قيس خطب به الناس ، وفي بعض الروايات أن جبريل قال :
ما بغضت أحداً بغضي لفرعون حين قال : " أنا ربكم الأعلى " ولقد جعلت أدس في
فيه الطين حين قال ما قال

وقوله تعالى : " آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " استفهام إنكار ، ونص
على عدم قبوله تعالى منه ذلك ، لأنه - والله أعلم - لو رد إلى الدنيا كما
كان لعاد إلى ما كان عليه ، كما أخبر تعالى عن الكفار إذا عاينوا النار
وشاهدوها أنهم يقولون : " يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من
المؤمنين " قال الله : " بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا
لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون " وقوله : " فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن
خلفك آية "

قال ابن عباس وغير واحد : شك بعض بني إسرائيل في موت فرعون ، حتى قال بعضهم
إنه لا يموت ، فأمر الله البحر فرفعه على مرتفع ، قيل على وجه الماء ،
وقيل على نجوة من الأرض ، وعليه درعه التي يعرفونها من ملابسه ليتحققوا
بذلك هلاكه ، ويعلموا قدرة الله عليه ولهذا قال : " فاليوم ننجيك ببدنك "
أي مصاحباً درعك كالمعروفة بك : " لتكون " أي أنت آية " لمن خلفك " أي من
بني إسرائيل ، ودليلاً على قدرة الله الذي أهلكك ، ولهذا قرأ بعض السلف :
لتكون من خلفك آية ويحتمل أن يكون المراد : ننجيك بحسدك مصاحباً درعك ،
لتكون علامة لمن وراءك من بني إسرائيل على معرفتك وأنك هلكت والله أعلم ،
وقد كان هلاكه وجنوده في يوم عاشوراء

كما قال الإمام البخاري في صحيحه : حدثنا شعبة عن أبي بشر ، عن سعيد بن
جبير ، عن ابن عباس قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود
تصوم يوم عاشوراء ، فقال : ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ فقالوا : هذا يوم
ظهر فيه موسى على فرعون قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أنتم
أحق بموسى منهم فصوموا "

وأصل هذا الحديث في الصحيحين وغيرهما والله أعلم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 10:30 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

فصل فيما كان من أمر بني إسرائيل

بعد هلاك فرعون


قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465


قال الله تعالى : " فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا
وكانوا عنها غافلين * وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض
ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا
ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون * وجاوزنا ببني إسرائيل
البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما
لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا
يعملون * قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين * وإذ أنجيناكم
من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم
بلاء من ربكم عظيم "

يذكر تعالى ما كان من أمر فرعون وجنوده في غرقهم ، وكيف سلبهم عزهم ومالهم
وأنفسهم ، وأورث بني إسرائيل جميع أموالهم وأملاكهم ، كما قال : " كذلك
وأورثناها بني إسرائيل " وقال : " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في
الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " وقال هاهنا : " وأورثنا القوم الذين
كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك
الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما
كانوا يعرشون "

أي أهلك ذلك جميعه ، وسلبهم عزهم العزيز العريض في الدنيا ، وهلك الملك
وحاشيته وأمراؤه وجنوده ، ولم يبق ببلد مصر سوى العامة والرعايا

ذكر ابن عبد الحكم في تاريخ مصر : أنه من ذلك الزمان تسلط نساء مصر على
رجالها ، بسبب أن نساء الأمراء والكبراء تزوجن بمن دونهن من العامة ، فكانت
لهن السطوة عليهم واستمرت هذه سنة نساء مصر إلى يومنا هذا !

وعند أهل الكتاب : أن بني إسرائيل لما أمروا بالخروج من مصر جعل الله ذلك
الشهر أول سنتهم وأمروا أن يذبح أهل كل بيت حملاً من الغنم ، فإن كانوا لا
يحتاجون إلى حمل فليشترك الجار وجاره فيه فإذا ذبحوه فلينضحوا من دمه على
أعتاب أبوابهم ، ليكون علامة لهم على بيوتهم ، ولا يأكلونه مطبوخاً ، ولكن
مشوياً برأسه وأكارعه وبطنه ، ولا يبقوا منه شيئاً ، ولا يكسروا له عظماً ،
ولا يخرجوا منه شيئاً إلى خارج بيوتهم ، وليكن خبزهم فطيراً سبعة أيام ،
ابتداؤها من الرابع عشر من الشهر الأول من سنتهم ، وكان ذلك في فصل الربيع
فإذا أكلوا فلتكن أوساطهم مشدودة ، وخفافهم في أرجلهم ، وعصيهم في أيديهم ،
وليأكلوا بسرعة قياماً ، ومهما فضل عن عشائهم فما بقى إلى الغد فليحرقوه
بالنار ، وشرع لهم هذا عيداً لأعقابهم ما دامت التوراة معمولاً بها ، فإذا
نسخت بطل شرعها وقد وقع

قالوا : وقتل الله عز وجل في تلك الليلة أبكار القبط وأبكار دوابهم ،
ليشتغلوا عنهم ، وخرج بنو إسرائيل حين انتصف النهار ، وأهل مصر في مناحة
عظيمة على أبكار أولادهم وأبكار أموالهم ، ليس من بيت إلا فيه عويل

وحين جاء الوحي إلى موسى خرجوا مسرعين ، فحملوا العجين قبل اختماره ،
وحملوا الأردية وألقوها على عواتقهم ، وكانوا قد استعاروا من أهل مصر حلياً
كثيراً ، فخرجوا وهم ستمائة ألف رجل سوى الذراري بما معهم من الأنعام ،
وكانت مدة مقامهم بمصر أربعمائة سنة وثلاثين سنة هذا نص كتابهم

وهذه السنة عندهم تسمى سنة الفسخ وهذا العيد الفسخ : ولهم عيد الفطر
وعيد الحمل وهو أول السنة ، وهذه الأعياد الثلاثة آكد أعيادهم ، منصوص
عليها في كتابهم

ولما خرجوا من مصر أخرجوا معهم تابوت يوسف عليه السلام ، وخرجوا على طريق
بحر يوسف ، وكانوا في النهار يسيرون والسحاب بين أيديهم يسير أمامهم فيه
عمود نور ، والليل أمامهم عمود نار ، فانتهى بهم الطريق إلى ساحل البحر
فنزلوا هنالك ، وأدركهم فرعون وجنوده من المصريين ، وهم هناك حلول على شاطئ
اليم ، فقلق كثير من بني إسرائيل ، حتى قال قائلهم : كان بقاؤنا بمصر أحب
إلينا من الموت بهذه البرية فقال موسى عليه السلام لمن قال هذه المقالة :
لا تخشوا فإن فرعون وجنوده لا يرجعون إلى بلدهم بعد هذا

قالوا : وأمر الله موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه وأن يقسمه ليدخل
بنو إسرائيل في البحر واليبس ، وصار الماء من هاهنا وهاهنا كالجبلين ، وصار
وسطه يبساً ، لأن الله سلط عليه ريح الجنوب والسموم فجاز بنو إسرائيل
البحر وأتبعهم فرعون وجنوده ، فلما تسطوه أمر الله موسى فضرب البحر بعصاه ،
فرجع الماء كما كان عليهم لكن عند أهل الكتاب : أن هذا كان في الليل ، وأن
البحر ارتطم عليهم عند الصبح وهذا من غلطهم وعدم فهمهم في تعريبهم
والله أعلم

قالوا : ولما أغرق الله فرعون وجنوده حينئذ سبح موسى وبنو إسرائيل بهذا
التسبيح للرب ، وقالوا : نسبح الرب البهي ، الذي قهر الجنود ، ونبذ
فرسانها في البحر الأنيع المحمود وهو تسبيح طويل

قالوا : وأخذت مريم النبية - أخت هارون - دفاً بيدها ، وخرج النساء في
أثرها كلهن بدفوف وطبول ، وجعلت مريم ترتل لهن وتقول : سبحان الرب القهار ،
الذي قهر الخيول وركبانها إلقاء في البحر

هكذا رأيته في كتابهم ولعل هذا هو من الذي حمل محمد بن كعب القرظي على
زعمه : أن مريم بنت عمران أم عيسى هي أخت هارون وموسى مع قوله : " يا أخت
هارون وقد بينا غلطه في ذلك ، وأن هذا لا يمكن أن يقال ، ولم يتابعه أحد
عليه ، بل كل واحد خالفه فيه ولو قدر أن هذا محفوظ ، فهذه مريم بنت عمران
أخت موسى وهارون عليهما السلام وأم عيسى عليها السلام وافقتها في الإسم
واسم الأب واسم الأخ ، لأنهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمغيرة
بن شعبة ، لما سأله أهل نجران عن قوله : " يا أخت هارون " فلما يدر ما
يقول لهم : حتى سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " علمت
أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم " رواه مسلم

وقولهم : النبية كما يقال للمرأة من بيت الملك ملكة ، ومن بيت الإمرة
أميرة ، وإن لم تكن مباشرة شيئاً من ذلك ، فكذا هذه استعارة لها ، لا أنها
نبية حقيقة يوحى إليها

وضربها بالدف في مثل هذا اليوم الذي هو أعظم الأعياد عندهم دليل على أنه قد
كان شرع من قبلها ضرب الدف في العيد ، وهذا مشروع لنا أيضاً في حق النساء :
لحديث الجاريتين اللتين كانتا عند عائشة يضربان بالدف في أيام منى ، ورسول
الله صلى الله عليه وسلم مضطجع مول ظهره إليهن ، ووجهه إلى الحائط فلما
دخل أبو بكر زجرهن وقال أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ؟ فقال " دعهن يا أبا بكر فان لكل قوم عيداً وهذا عيدنا " وهكذا
يشرع عندنا في الأعراس ولقدوم الغياب ، كما هو مقرر في موضعه والله أعلم

وذكروا أنهم لما جازوا البحر وذهبوا قاصدين إلى بلاد الشام مكثوا ثلاثة
أيام لا يجدون ماء ، فتكلم من تكلم منهم بسبب ذلك ، فوجدوا ماء زعافاً
أجاجاً لم يستطيعوا شربه ، فأمر الله موسى فأخذ خشبة فوضعها فيه ، فحلا
وساغ شربه ، وعلمه الرب هنالك فرائض وسننا ، ووصاه وصايا كثيرة

وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز المهيمن على ماعداه من الكتب : "
وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا
موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما
هم فيه وباطل ما كانوا يعملون "

قالوا هذا الجهل والضلال ، وقد عاينوا من آيات الله وقدرته ما دلهم على صدق
ما جاءهم به رسول ذي الجلال والإكرام وذلك أنهم مروا على قوم يعبدون
أصناماً ، قيل كانت على صور البقر ، فكأنهم سألوهم لم يعبدونها ؟ فزعموا
لهم أنها تنفعهم وتضرهم ويسترزقون بها عند الضروريات ، فكأن بعض الجهال
منهم صدقوهم في ذلك ، فسألوا نبيهم الكليم الكريم العظيم ، أن يجعل لهم
آلهة كما لأولئك آلهة ، فقال لهم مبيناً لهم إنهم لا يعقلون ولا يهتدون : "
إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون "

ثم ذكرهم نعمة الله عليهم ، في تفضيله إياهم على عالمي زمانهم بالعلم
والشرع ، والرسول الذي بين أظهرهم ، وما أحسن به إليهم وما امتن به عليهم
من إنجائهم من قبضة فرعون الجبار العنيد ، وإهلاكه إياه وهم ينظرون ،
وتوريثه إياهم ما كان فرعون وملؤه يجمعونه من الأموال والسعادة ، وما كانوا
يعرشون ، وبين لهم أنه لا تصلح العبادة إلا لله وحده لا شريك له ، لأنه
الخالق الرازق القهار ، وليس كل بني إسرائيل سأل هذا السؤال ، بل هذا
الضمير عائد على الجنس في قوله : " وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على
قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " أي
قال بعضهم كما في قوله : " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا * وعرضوا على ربك
صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا " فالذين
زعموا هذا بعض الناس لا كلهم

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن
سنان بن أبي سنان الديلي عن أبي واقد الليثي ، قال : خرجنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم قبل حنين ، فمررنا بسدرة فقلنا : يا رسول الله اجعل
لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة
يعكفون حولها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر هذا كما
قالت بنو إسرائيل لموسى : " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " إنكم تركبون سنن
الذين من قبلكم "

ورواه النسائي عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق به ورواه الترمذي عن
سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري به ، ثم قال :
حسن صحيح

وقد روى ابن جرير من حديث محمد بن إسحاق ومعمر وعقيل عن الزهري ، عن سنان
بن أبي سنان ، عن أبي واقد الليثي ، أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى حنين قال : وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ، ويعلقون
بها أسلحتهم يقال لها : ذات أنواط قال : فمررنا بسدرة خضراء عظيمة ، قال
: فقلنا : يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال :
قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى : " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال
إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون "

والمقصود أن موسى عليه السلام ، لما انفصل من بلاد مصر وواجه بلاد بيت
المقدس وجد فيها قوماً من الجبارين ، من الحيثانيين والفزازيين والكنعانيين
وغيرهم

فأمرهم موسى عليه السلام بالدخول عليهم ومقاتلتهم ، وإجلائهم إياهم عن بيت
المقدس ، فإن الله كتبه لهم ، ووعدهم إياه على لسان إبراهيم الخليل وموسى
الكليم الجليل ، فأبوا ونكلوا عن الجهاد ، فسلط الله عليهم الخوف ، وألقاهم
في التيه يسيرون ويحلون ويرتحلون ويذهبون ويجيئون ، في مدة من السنين
طويلة هي من العدد أربعون ، كما قال الله تعالى : " وإذ قال موسى لقومه يا
قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم
يؤت أحدا من العالمين * يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا
ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين * قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين
وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون * قال رجلان
من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم
غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين * قالوا يا موسى إنا لن ندخلها
أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون * قال رب إني
لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين * قال فإنها محرمة
عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين "

يذكرهم نبي الله نعمة الله عليهم وإحسانه إليهم بالنعم الدينية والدنيوية ،
ويأمرهم بالجهاد في سبيل الله ومقاتلة أعدائه فقال : " يا قوم ادخلوا
الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم " أي تنكصوا على
أعقابكم ، وتنكلوا عن قتال أعدائكم " فتنقلبوا خاسرين " أي فتخسروا بعد
الربح ، وتنقصوا بدع الكمال

" قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين " أي عتاة كفرة متمردين " وإنا لن
ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون " خافوا من هؤلاء
الجبارين وقد عاينوا هلاك فرعون ، وهو أجبر من هؤلاء وأشد بأساً ، وأكثر
جمعاً وأعظم جنداً وهذا يدل علي أنهم ملومون في هذه المقالة ، ومذمومون
على هذه الحالة ، من الذلة عن مصاولة الأعداء ، ومقاومة المردة الأشقياء

وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا آثاراً فيها مجازفات كثيرة باطلة ، يدل
العقل والنقل على خلافها من أنهم كانوا أشكالاً هائلة ضخاماً جداً حتى إنهم
ذكروا أن رسل بني إسرائيل لما قدموا عليهم تلقاهم رجل من رسل الجبارين ،
فجعل يأخذهم واحداً واحداً ، ويلقهم في أكمامه وحجرة سراويله ، وهم اثنا
عشر رجلاً ، فجاء بهم فنثرهم بين يدي ملك الجبارين فقال : ما هؤلاء ؟ ولم
يعرف أنهم من بني آدم حتى عرفوه وكل هذه هذيانات وخرافات لا حقيقة لها

وأن الملك بعث معهم عنبةً كل عنبة تكفي الرجل ، وشيئاً من ثمارهم ليعلموا ضخامة أشكالهم ، وهذا ليس بصحيح

وذكروا هاهنا أن عوج بن عنق خرج من عند الجبارين إلى بني إسرائيل ليهلكهم ،
وكان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة ذراع وثلاثة وثلاثين ذراعاً وثلث
ذراع

هكذا ذكره البغوي وغيره ، وليس بصحيح ، كما قدمنا بيانه عند قوله صلى الله
عليه وسلم : " إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعاً ثم لم يزل الخلق ينقص حتى
الآن "

قالوا : فعمد عوج إلى قمة جبل فاقتلعها ، ثم أخذها بيديه ليلقيها على جيش
موسى ، فجاء طائر فنقر تلك الصخرة فخرقها فصارت طوقاً في عنق عوج بن عنق
ثم عمد موسى إليه فوثب في الهواء عشرة أذرع وطوله عشر أذرع ، وبيده عصاه
وطولها عشرة أذرع ، فوصل إلى كعب قدمه فقتله

يروى هذا عن نوف البكالي ، ونقله ابن جرير عن ابن عباس وفي إسناده إليه نظر
، ثم هو مع هذا كله من الإسرائيليات ، وكل هذه من وضع جهال بني إسرائيل ،
فإن الأخبار الكاذبة قد كثرت عندهم ولا تمييز لهم بين صحتها وباطلها ثم لو
كان هذا صحيحاً لكان بنو إسرائيل معذورين في النكول عن قتالهم ، وقد ذمهم
الله على نكولهم ، وعاقبهم بالتيه على ترك جهادهم ومخالفتهم رسولهم ، وقد
أشار عليهم رجلان صالحان منهم بالإقدام ، ونهياهم عن الإحجام ، ويقال :
إنهما يوشع بن نون ، وكالب بن يوفنا قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطية
والسدي والربيع بن أنس ، وغير واحد

" قال رجلان من الذين يخافون " أي يخافون الله ، وقرأ بعضهم : " يخافون "
أي يهابون : " أنعم الله عليهما " أي بالإسلام والإيمان والطاعة والشجاعة "
ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم
مؤمنين " أي إذا توكلتم على الله ، واستعنتم به ولجأتم إليه ، نصركم على
عدوكم وأيدكم عليهم وأظفركم بهم

" قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا
إنا هاهنا قاعدون " فصمم ملؤهم على النكول عن الجهاد ، ووقع أمر عظيم ووهن
كبير ، فيقال : إن يوشع وكالب لما سمعا هذا الكلام شقا ثيابهما ، وإن موسى
وهارون سجدا إعظاماً لهذا الكلام وغضباً لله عز وجل ، وشفقة عليهم من وبيل
المقالة

" قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين " قال
ابن عباس : اقض بيني وبينهم : " قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون
في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين " عوقبوا على نكالهم بالتيهان في
الأرض ، يسيروا إلى غير مقصد ليلاً ونهاراً وصباحاً ومساءً ويقال إنه لم
يخرج أحد من التيه ممن دخله ، بل ماتوا كلهم في مدة أربعين سنة ، ولم يبق
إلا ذراريهم ، سوى يوشع وكالب عليهما السلام

لكن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر لم يقولوا له كما قال قوم موسى
لموسى ، بل لما استشارهم في الذهاب إلى النفير تكلم الصديق فأحسن وتكلم
غيره من المهاجرين

ثم جعل يقول : أشيروا علي حتى قال سعد بن معاذ : كأنك تعرض بنا يا رسول
الله ؟ فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما
تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً ، إنا لصبر في الحرب ،
صدق في اللقاء ، لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة
الله فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن مخارق بن عبد الله
الأحمسى ، عن طارق - هو بن سهاب - أن المقداد قال لرسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم بدر : يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى
: " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا
فإنا معكما مقاتلون وهذا إسناد جيد من هذا الوجه ، وله طرق أخرى

قال أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا إسرائيل ، عن مخارق ، عن طارق بن
شهاب ، قال : قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، لقد شهدت من المقدار
مشهداً ، لأن أكون أنا صاحبه ، أحب إلى مما عدل به ، أتي رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال : والله يا رسول الله لا نقول
لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون
" ولكننا نقاتل عن يمينك ، وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك ، فرأيت وجه
رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك وسر بذلك رواه البخاري في
التفسير ، والمغازي من طرق عن مخارق به

وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه : حدثنا على بن الحسين بن علي ، حدثنا أبو
حاتم الرازي ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري : حدثنا حميد عن أنس ، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر ، استشار المسلمين فأشار
عليه عمر ، ثم استشارهم فقالت الأنصار : يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول
الله صلى الله عليه وسلم : قالوا : إذن لا نقول له كما قال بنو إسرائيل
لموسى : " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " والذي بعثك بالحق لو
ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك

رواه الإمام أحمد عن عبيدة بن حميد ، عن حميد الطويل ، عن أنس به ،
ورواه النسائي عن محمد بن المثني ، عن خالد بن الحارث ، عن حميد ، عن أنس
به نحوه وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى ، عن عبد الأعلى عن
معتمر ، عن حميد ، عن أنس به نحوه

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 10:37 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

فصل في دخول بني إسرائيل التيه وما جرى لهم فيه من الأمور العجيبة

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قد ذكرنا نكول بني إسرائيل عن قتال الجبارين ، وأن الله تعالى عاقبهم بالتيه ، وحكم بأنهم لا يخرجون منه إلى أربعين سنة

ولم أر في كتاب أهل الكتاب قصة نكولهم عن قتال الجبارين ، ولكن فيها : أن
يوشع جهزه موسى لقتال طائفة من الكفار ، وأن موسى وهارون وخور جلسوا على
رأس أكمة ، ورفع موسى عصاه ، فكلما رفعها انتصر يوشع عليهم ، وكلما مالت
يده بها من تعب أو نحوه غلبهم أولئك وجعل هارون وخور يدعمان يديه عن يمينه
وشماله ذلك اليوم إلى غروب الشمس ، فانتصر حزب يوشع عليه السلام وعندهم أن
( يثرون ) كاهن مدين وختن موسى عليه السلام بلغه ما كان من أمر موسى وكيف
أظفره الله بعدوه فرعون ، فقدم على موسى مسلماً ، ومعه ابنته صفورا زوجة
موسى ، وابناها منه ، جرشون و عازر فتلقاه موسى وأكرمه ، واجتمع به
شيوخ بني إسرائيل وعظموه وأجلوه

وذكروا أنه رأى كثرة اجتماع بني إسرائيل على موسى في الخصومات التي تقع
بينهم ، فأشار على موسى أن يجعل على الناس رجالاً أمناء أتقياء أعفاء ،
يبغضون الرشاء والخيانة ، فيجعلهم على الناس رءوس ألوف ، ورءوس مئين ،
ورءوس خمسين ، ورءوس عشرة ، فيقضوا بين الناس ، فإذا أشكل عليهم أمر جاءوك
ففصلت بينهم ما أشكل عليهم ، ففعل ذلك موسى عليه السلام

قالوا : ودخل بنو إسرائيل البرية عند سيناء ، في الشهر الثالث من خروجهم من
مصر ، وكان خروجهم في أول السنة التي شرعت لهم ، وهي أول فصل الربيع ،
فكأنهم دخلوا التيه في أول فصل الصيف والله أعلم

قالوا : ونزل بنو إسرائيل حول طور سيناء ، وصعد موسى الجبل فكلمه ربه ،
وأمره أن يذكر بني إسرائيل ما أنعم به عليهم ، من إنجائه إياهم من فرعون
وقومه ، وكيف حملهم على مثل جناحي نسر من يده وقبضته ، وأمره أن يأمر بني
إسرائيل بأن يتطهروا ويغتسلوا ويغسلوا ثيابهم وليستعدوا إلى اليوم الثالث ،
فاذا كان في اليوم الثالث فليجتمعوا حول الجبل ، ولا يقتربن أحد منهم إليه
، فن دنا منه قتل ، حتى ولا شيء من البهائم ، ماداموا يسمعون صوت القرن
فإذا سكن القرن فقد حل لكم أن ترتقوه فسمع بنو إسرائيل ذلك وأطاعوا
واغتسلوا وتنظفوا وتطيبوا

فلما كان اليوم الثالث ركب الجبل غمامة عظيمة ، وفيها أصوات وبروق وصوت
الصور شديد جداً ففزع بنو إسرائيل من ذلك فزعاً شديداً ، وخرجوا فقاموا في
سفح الجبل ، وغشي الجبل دخان عظيم في وسطه عمود نور زلزل الجبل كله زلزلة
شديدة ، واستمر صوت الصور ، وهو البوق واشتد ، وموسى عليه السلام فوق الجبل
، والله يكلمه ويناجيه ، وأمر الرب عز وجل موسى أن ينزل فيأمر بين إسرائيل
أن يتقربوا من الجبل ليسمعوا وصية الله ، وأمر الأحبار ، وهم علماؤهم أن
يدنوا فيصعدوا الجبل ، ليتقدموا بالقرب

وهذا نص في كتابهم على وقوع النسخ لا محالة

فقال موسى : يارب إنهم لايستطيعون أن يصعدوا ، وقد نهيتهم عن ذلك ، فأمره
الله تعالى أن يذهب فيأتي معه بأخيه هارون ، ولكن الكهنة وهم العلماء ،
والشعب وهم بقية بني إسرائيل ، غير بعيد ففعل موسى

وكلمه ربه عز وجل ، فأمره حينئذ بالعشر الكلمات

وعندهم أن بني إسرائيل سمعوا كلام الله ، ولكن لم يفهموا حتى فهمهم موسى ،
وجعلوا يقولون لموسى : بلغنا أنت عن الرب عز وجل ، فإنا نخاف أن نموت

فبلغهم عنه فقال هذه العشر الكلمات وهي : الأمر بعبادة الله وحده لا شريك
له ، والنهي عن الحلف بالله كاذباً ، والأمر بالمحافظة على السبت ومعناه
تفرغ يوم من الأسبوع للعبادة ، وهذا حاصل بيوم الجمعة الذي نسخ الله به
السبت أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض الذي يعطيك الله ربك لا تقتل
لا تزن لا تسرق لا نشهد على صاحبك شهادة زور لا تعمد عينك إلي بيت
صاحبك ، ولا تشته امرأة صاحبك ، ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ، ولا حماره ،
ولا شيئاً من الذي لصاحبك ومعناه النهي عن الحسد

وقد قال كثير من علماء السلف وغيرهم : مضمون هذه العشر الكلمات في آيتين من
القرآن ، وهما قوله تعالى في سورة الأنعام : " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم
عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق
نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا
النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون * ولا تقربوا
مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط
لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله
أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون * وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا
تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون "

وذكروا بعد العشر الكلمات وصايا كثيرة وأحكاماً متفرقة عزيزة ، كانت فزالت ،
وعمل بها حيناً من الدهر ثم طرأ عليها عصيان من المكلفين بها ، ثم عمدوا
إليها فبدلوها وحرفوها ، ثم بعد ذلك كل سلبوها فصارت منسوخة مبدلة ، بعد ما
كانت مشروعة مكملة

فلله الأمر من قبل ومن بعد ، وهو الذي يحكم ما يشاء ، ويفعل ما يريد ألا له الخلق والأمر ، تبارك الله رب العالمين

وقد قال الله تعالى : " يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم
جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى * كلوا من طيبات ما رزقناكم
ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى * وإني لغفار
لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى "

يذكر تعالى منته وإحسانه إلا بني إسرائيل بما أنجاهم من أعدائهم وخلصهم من
الضيق والحرج وأنه وعدهم صحبة نبيهم إلى جانب الطور الأيمن أي منهم ، لينزل
عليه أحكاماً عظمية فيما مصلحة لهم في دنياهم وأخراهم وأنه تعالى أنزل
عليهم في حال شدتهم وضرورتهم في سفرهم في الأرض التي ليس ليها زرع ولا ضرع ،
مناً من السماء ، يصبحون فيجدونه خلال بيوتهم ، فيأخذون منه قدر حاجتهم في
ذلك اليوم إلى مثله من الغد ، ومن ادخر منه لأكثر من ذلك فسد ، ومن أخذ
منه قليلاً كفاه ، أو كثيراً لم يفضل عنه فيصنعون منه مثل الخبز ، وهو في
غاية البياض والحلاوة ، فإذا كان من آخر النهار غشيهم طير السلوى ،
فيقتنصون منها بلا كلفة ما يحتاجون إليه حسب كفايتهم لعشائهم

وإذا كان فصل الصيف ظلل الله عليهم الغمام ، وهو السحاب الذي يستر عنهم حر
الشمس وضوءها الباهر ، كما قال تعالى في سورة البقرة : " يا بني إسرائيل
اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون *
وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي
ثمنا قليلا وإياي فاتقون "

إلى أن قال : " وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون
أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم * وإذ فرقنا بكم البحر
فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون * وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة
ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون * ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم
تشكرون * وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون * وإذ قال موسى
لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا
أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم * وإذ
قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون *
ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون * وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا
عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم
يظلمون "

إلى أن قال : " وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه
اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا
في الأرض مفسدين * وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك
يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال
أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت
عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات
الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون "

فذكر تعالى إنعامه عليهم ، وإحسانه إليهم ، بما يسر لهم من المن والسلوى ،
طعامين شهيين بلا كلفة ولا سعي لهم فيه ، بل ينزل الله المن باكراً ، ويرسل
عليهم طير السلوى عشياً ، وأنبع الماء لهم ، بضرب موسى عليه السلام حجراً
كانوا يحملونه معهم بالعصا ، فتفجر منه اثنتا عشرة عيناً ، لكل سبط عين منه
تنبجس ، ثم تنفجر ماء زلالاً فيستقون فيشربون ويسقون دوابهم ، ويدخرون
كفايتهم ، وظلل عليهم الغمام من الحر

وهذه نعم من الله عظيمة ، وعطيات جسيمة ، فما رعوها حق رعايتها ، ولا قاموا
بشكرها وحق عبادتها ، ثم ضجر كثير منهم منها وتبرموا بها ، وسألوا أن
يستبدلوا منها ببدلها ، مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها
وبصلها

فقرعهم الكليم ووبخهم وأنبهم على هذه المقالة وعنفهم قائلاً : " أتستبدلون
الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم " أي هذا الذي
تطلبونه وتريدونه بدل هذه النعم التي أنتم فيها حاصل لأهل الأمصار الصغار
والكبار موجود بها ، وإذا هبطتم بها ما تشتهون وما ترومون بما ذكرتم من
المآكل الدنية والأغذية الردية ، ولكني لست أجيبكم إلى سؤال ذلك هاهنا ،
ولا أبلغم ما تعنتم به من المنى

وكل هذه الصفات المذكورة عنهم الصادرة منهم ، تدل على أنهم لم ينتهوا عما
نهوا عنه ، كما قال تعالى : " ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه
غضبي فقد هوى " أي فقد هلك وحق له والله الهلاك والدمار ، وقد حل عليه غضب
الملك الجبار

ولكنه تعالى مزج هذا الوعيد الشديد ، بالرجاء لمن أناب وتاب ولم يستمر على
متابعة الشيطان المريد ، فقال : " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم
اهتدى "



سؤال الرؤية

قال تعالى : " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه
أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل
المفسدين * ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن
تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه
للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول
المؤمنين * قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما
آتيتك وكن من الشاكرين * وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل
شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين * سأصرف عن
آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن
يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك
بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين * والذين كذبوا بآياتنا ولقاء
الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون "

قال جماعة من السلف منهم ابن عباس ومسروق ومجاهد : الثلاثون ليلة هي شهر ذي القعدة بكماله ، وأتمت أربعين ليلة بعشر من ذي الحجة

فعلى هذا يكون كلام الله له يوم عيد النحر ، وفي مثله أكمل الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم دينه ، وأقام حجته وبراهينه

والمقصود أن موسى عليه السلام لما استكمل الميقات ، وكان فيه صائماً يقال
إنه لم يستطعم الطعام ، فلما كمل الشهر أخذ لحاء شجرة فمضغه ليطيب ريح فمه ،
فأمره الله أن يمسك عشراً أخرى ، فصارت أربعين ليلة ولهذا ثبت في الحديث :
أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك

فلما عزم على الذهاب استخلف على شعب بني إسرائيل أخاه هارون ، المحبب
المبجل الجليل وهو ابن أمه وأبيه ، ووزيره في الدعوة إلى مصطفيه ، فوصاه ،
وأمره وليس في هذا لعلو منزلته في نبوته منافاة

قال الله تعالى : " ولما جاء موسى لميقاتنا " أي في الوقت الذي أمر بالمجىء
فيه ، " وكلمه ربه " أي كلمه الله من وراء حجاب ، إلا أنه أسمعه الخطاب ،
فناداه وناجاه ، وقربه وأدناه ، وهذا مقام رفيع ومعقل منيع ، ومنصب شريف
ومنزل منيف ، فصلوات الله عليه تترى ، وسلامه عليه في الدنيا والأخرى

ولما أعطى هذه المنزلة العلية والمرتبة السنية ، وسمع الخطاب ، سأل رفع
الحجاب ، فقال للعظيم الذي لا تدركه الأبصار القوي البرهان : " رب أرني
أنظر إليك قال لن تراني " ثم بين تعالى أنه لا يستطيع أن يثبت عند تجليه
تبارك وتعالى ، لأن الجبل الذي هو أقوى وأكبر ذاتاً وأشد ثباتاً من الإنسان
، لا يثبت عند التجلي من الرحمن ولهذا قال : " ولكن انظر إلى الجبل فإن
استقر مكانه فسوف تراني "

وفي الكتب المتقدمة : أن الله تعالى قال له : يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ، ولا يابس إلا تدهده

وفي الصحيحين عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
حجابه النور - وفي رواية : النار - لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إلى
بصره من خلقه "

وقال ابن عباس في قوله تعالى : " لا تدركه الأبصار " ذاك نوره الذي هو نوره ، إذا تجلى لشيء لا يقوم له شيء

ولهذا قال تعالى : " فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين "

قال مجاهد : " ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني " فإنه أكبر
منك وأشد خلقاً ، " فلما تجلى ربه للجبل " فنظر إلى الجبل لا يتمالك ،
وأقبل الجبل فدك على أوله ، ورأى موسى ما يصنع الجبل فخر صعقاً

وقد ذكرنا في التفسير ما رواه الإمام أحمد و الترمذي ، وصححه ابن جرير
و الحاكم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت ، وزاد ابن جرير وليث عن أنس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : " فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا " قال
هكذا بأصبعه ، ووضع النبي صلى الله عليه وسلم الإبهام على المفصل الأعلى من
الخنصر ، فساخ الجبل ، لفظ ابن جرير

وقال السدي عن عكرمة ، عن ابن عباس : ما تجلي - يعنى من العظمة - منه إلا
قدر الخنصر فجعل الجبل دكاً ، قال : تراباً ، " وخر موسى صعقا " أي مغشياً
عليه وقال قتادة : ميتاً والصحيح الأول لقوله : " فلما أفاق " فإن
الإفاقة إنما تكون عن غشي " قال سبحانك " تنزيه وتعظيم وإجلال أن يراه
بعظمته أحد ، " تبت إليك " أي فلست أسأل بعد هذا الرؤية ، " وأنا أول
المؤمنين " أنه لا يراك أحد حي إلا مات ، ولا يابس إلا تدهده

وقد ثبت في الصحيحين من طريق عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني
الأنصاري ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " لا تخيروني من بين الأنبياء ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة
فأكون أول من يفيق ، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري
أفاق قبلي أم جوزى بصعقة الطور " ؟

لفظ البخاري وفي أوله قصة اليهودي الذي لطم وجهه الأنصاري حين قال : لا
والذي اصطفى موسى على البشر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا
تخيروني من بين الأنبياء "

وفي الصحيحين من طريق الزهري عن أبي سلمة وعبد الرحمن الأعرج ، عن أبي
هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه وفيه : " لا تخيروني على موسى "
وذكر تمامه

وهذا من باب الهضم والتواضع ، أو النهي عن التفضيل بين الأنبياء على وجه
الغضب والعصبية ، أو : ليس هذا إليكم بل الله هو الذي رفع بعضهم فوق بعض
درجات ، وليس ينال هذا بمجرد الرأي ، بل بالتوقيف

ومن قال إن هذا قاله قبل أن يعلم أنه أفضل ، ثم نسخ باطلاعه على أفضليته
عليهم كلهم ، ففي قوله نظر ، لأن هذا من رواية أبي سعيد وأبي هريرة ، وما
هاجر أبو هريرة إلا عام حنين متأخراً ، فيبعد أنه لم يعلم بهذا إلا بعد
هذا والله أعلم

ولا شك أنه ، صلوات الله وسلامه عليه ، أفضل البشر بل الخليقة ، قال الله
تعالى : " كنتم خير أمة أخرجت للناس " وما كملوا إلا بشرف نبيهم

وثبت بالتواتر عنه ، صلوات الله وسلامه عليه ، أنه قال : " أنا سيد ولد آدم
يوم القيامة ولا فخر " ثم ذكر اختصاصه بالمقام المحمود الذي يغبطه به
الأولون والآخرون ، الذي تحيد عنه الأنبياء والمرسلون ، حتى أولوا العزم
الأكملون : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم

وقوله صلى الله عليه وسلم : " فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشاً بقائمة
العرش - أي آخذاً بها - فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور " دليل على
أن هذا الصعق الذي يحصل للخلائق في عرصات القيامة ، حين يتجلى الرب لفصل
القضاء بين عباده : فيصعقون من شدة الهيبة والعظمة والجلال ، فيكون أولهم
إفاقة محمد خاتم الأنبياء ، ومصطفى رب الأرض والسماء على سائر الأنبياء ،
فيجد موسى باطشاً بقائمة العرش قال الصادق المصدوق : " فلا أدرى أصعق
فأفاق قبلي " ؟ أي وكانت صعقته خفيفة ، لأنه قد ناله بهذا السبب في الدنيا
صعق ، " أو جوزي بصعقة الطور " ؟ يعنى فلم يصعق بالكلية

وهذا فيه شرف كبير لموسى عليه السلام من هذه الحيثية ، ولا يلزم تفضيله بها
مطلقاً من كل وجه ولهذا نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على شرفه
وفضيلته بهذه الصفة ، لأن المسلم لما ضرب وجه اليهودي حين قال : لا والذي
اصطفى موسى على البشر ، قد يحصل في نفوس المشاهدين لذلك هضم بجناب موسى
عليه الصلاة والسلام ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم فضيلته وشرفه

وقوله تعالى : " قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي " أي
في ذلك الزمان ، لا ما قبله ، لأن إبراهيم الخليل أفضل منه ، كما تقدم بيان
ذلك في قصة إبراهيم ، ولا ما بعده ، لأن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل
منهما ، كما ظهر شرفه ليلة الإسراء على جميع المرسلين والأنبياء ، وكما ثبت
أنه قال : " سأقوم مقاماً يرغب إلي الخلائق حتى إبراهيم "

وقوله تعالى : " فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين " أي فخذ ما أعطيتك من
الرسالة والكلام ، ولا تسأل زيادة عليه ، وكن من الشاكرين على ذلك

وقال الله تعالى : " وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء
" وكانت الألواح من جوهر نفيس ، ففي الصحيح : أن الله كتب له التوراة بيده
، وفيها مواعظ عن الآثام ، وتفصيل لكل ما يحتاجون إليه من الحلال والحرام

" فخذها بقوة " أي بعزم ونية صادقة قوية " وأمر قومك يأخذوا بأحسنها " أن
يضعوها على أحسن وجوهها وأجمل محاملها " سأريكم دار الفاسقين " أي سترون
عاقبة الخارجين عن طاعتي ، المخلفين لأمري ، المكذبين لرسلي

" سأصرف عن آياتي " أي عن فهمها وتدبرها ، وتعقل معناها الذي أريد منها ،
ودل عليه مقتضاها " الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا
يؤمنوا بها " أي ولو شاهدوا مهما شاهدوا من الخوارق والمعجزات ، لا ينقادون
لإتباعها " وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا " أي لا يسلكوه ولا
يتبعوه " وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا " أي
صرفناهم عن ذلك لتكذيبهم بآياتنا ، وتغافلهم عنها ، وإعراضهم عن التصديق
بها والتفكير في معناها ، وترك العمل بمقتضاها " والذين كذبوا بآياتنا
ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون "



قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله عنهم

قال الله تعالى : " واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم
يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين * ولما سقط في
أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من
الخاسرين * ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي
أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن
القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم
الظالمين * قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين * إن
الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي
المفترين * والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من
بعدها لغفور رحيم * ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى
ورحمة للذين هم لربهم يرهبون "

وقال تعالى : " وما أعجلك عن قومك يا موسى * قال هم أولاء على أثري وعجلت
إليك رب لترضى * قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري * فرجع موسى
إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم
العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي * قالوا ما أخلفنا
موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى
السامري * فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي *
أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا * ولقد قال لهم
هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري *
قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى * قال يا هارون ما منعك إذ
رأيتهم ضلوا * أن لا تتبعن أفعصيت أمري * قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي
ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي * قال فما
خطبك يا سامري * قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول
فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي * قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس
وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم
لننسفنه في اليم نسفا * إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء
علما "

يذكر تعالى ما كان من أمر بني إسرائيل ، حين ذهب موسى عليه السلام إلى
ميقات ربه فمكث على الطور يناجيه ربه ويسأله موسى عليه السلام عن أشياء
كثيرة وهو تعالى يجيبه عنها

فعمد رجل منهم يقال له هارون السامري ، فأخذ ما كانوا استعاروه من الحلي ،
فصاغ منه عجلاً وألقي فيه قبضة من التراب ، كان أخذها من أثر فرس جبريل ،
حين رآه يوم أغرق الله فرعون على يديه فلما ألقاها في فيه خار كما يخوار
العجل الحقيقي ويقال إنه استحال عجلاً جسداً ، أي لحماً يخور ودماً حياً
يخور ، قاله قتادة وغيره وقيل بل كانت ، الريح إذا دخلت من دبره خرجت من
فمه فيخور كما تخور البقرة ، فيرقصون حوله ويفرحون

" فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي " أي فنسى موسى ربه عندنا ، وذهب يتطلبه
وهو هاهنا ! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ، وتقدست أسماؤه وصفاته ،
وتضاعفت آلاؤه وهباته

قال الله تعالى مبيناً بطلان ما ذهبوا إليه ، وما عولوا عليه من إلهية هذا
الذي قصاراه أن يكون حيواناً بهيماً أو شيطاناً رجيماً : " أفلا يرون ألا
يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا " وقال : " ألم يروا أنه لا
يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين "

فذكر أن هذا الحيوان لا يتكلم ولا يرد جواباً ، ولا يملك ضراً ولا نفعاً ،
ولا يهدى إلى رشد اتخذوه وهم ظالمون لأنفسهم ، عالمون في أنفسم بطلان ما هم
عليه من الجهل والضلال

" ولما سقط في أيديهم " أي ندموا على ما صنعوا " ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين "

ولما رجع موسى عليه السلام إليهم ، ورأى ما هم عليهم من عبادة العجل ، ومعه
الألواح المتضمنة التوراة ، ألقاها ، فيقال إنه كسرها وهكذا هو عند أهل
الكتاب ، وإن الله أبدله غيرها ، وليس في اللفظ القرآني ما يدل على ذلك ،
إلا أنه ألقاها حين عاين ما عاين

وعند أهل الكتاب : أنهما كانا لوحين ، وظاهر القرآن أنها ألواح متعددة ،
ولم يتأثر بمجرد الخبر من الله تعالى عن عبادة العجل ، فأمره بمعاينة ذلك

ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد و ابن حبان عن ابن عباس قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس الخبر كالمعاينة "

ثم أقبل عليهم فعنفهم ووبخهم وهجنهم في صنيعهم هذا القبيح فاعتذوا إليه
بما ليس بصحيح ، قالوا : إنا " حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك
ألقى السامري " تحرجوا من تملك حلى آل فرعون وهم أهل حرب ، وقد أمرهم الله
بأخذه وأباحه لهم ، ولم يتحرجوا بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم من عبادة العجل
الذي له خوار ، مع الواحد الأحد الفرد الصمد القهار !

ثم أقبل على أخيه هارون عليهما السلام قائلاً له : " يا هارون ما منعك إذ
رأيتهم ضلوا * أن لا تتبعن " أي هلا لما أرأيت ما صنعوا اتبعتني فأعلمتني
بما فعلوا فقال : " إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل " أي تركتهم
وجئتني وأنت قد استخلفتني فيهم

" قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين " وقد كان
هارون عليه السلام نهاهم عن هذا الصنيع الفظيع أشد النهي ، وزجرهم عنه أتم
الزجر

قال الله تعالى : " ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به " أي
إنما قدر الله أمر هذا العجل وجعله يخور فتنة واختباراً لكم ، " وإن ربكم
الرحمن " أي لا هذا " فاتبعوني " أي فيما أقول لكم " وأطيعوا أمري * قالوا
لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى " يشهد الله لهارون عليه السلام "
وكفى بالله شهيدا " أنه نهاهم وزجرهم عن ذلك فلم يطيعوه ولم يتبعوه

ثم أقبل موسى على السامري " قال فما خطبك يا سامري " أي ما حملك على ما
صنعت ؟ " قال بصرت بما لم يبصروا به " أي رأيت جبريل وهو راكب فرساً : "
فقبضت قبضة من أثر الرسول " أي من أثر فرس جبريل وقد ذكر بعضهم أنه رآه ،
وكلما وطئت بحوافرها على موضع أخضر وأعشب ، فأخذ من أثر حافرها ، فلما
ألقاه في هذا العجل المصنوع من الذهب كان من أمر ما كان ولهذا قال : "
فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي * قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس "
وهذا دعاء عليه بألا يمس أحداً ، معاقبة له على مسه ما لم يكن له مسه ،
هذا معاقبة له في الدنيا ، ثم توعده في الأخرى فقال : " وإن لك موعدا لن
تخلفه " وقرئ : " لا نخلفه " " وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه
ثم لننسفنه في اليم نسفا " قال : فعمد موسى عليه السلام إلى هذا العجل ،
فحرقه : قيل : بالنار ، كما قاله قتادة وغيره ، وقيل بالمبادر ، كما قاله
علي وابن عباس وغيرهما ، وهو نص أهل الكتاب ، ثم ذراه في البحر ، وأمر بني
إسرائيل فشربوا ، فمن كان من عابديه علق في شفاههم من ذلك الرماد ما يدل
عليه ، وقيل بل اصفرت ألوانهم

ثم قال تعالى إخباراً عن موسى أنه قال لهم : " إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما "
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالجمعة يناير 11, 2013 10:38 pm


وقال تعالى : " إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة
الدنيا وكذلك نجزي المفترين " وهكذا وقع وقد قال بعض السلف : " وكذلك نجزي
المفترين " مسجلة لكل صاحب بدعة إلى يوم القيامة

ثم أخبر تعالى عن حلمه ورحمته بخلقه ، وإحسانه على عبيده في قبوله توبة من
تاب إليه ، بتوبته عليه ، فقال : " والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها
وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم "

لكن لم يقبل الله توبة عابدي العجل إلا بالقتل ، كما قال تعالى : " وإذ قال
موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم
فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم "
فيقال إنهم أصبحوا يوماً وقد أخذ من لم يعبد العجل في أيديهم السيوف ،
وألقى الله عليهم ضباباً حتى لا يعرف القريب قريبه ولا النسيب نسيبه ، ثم
مالوا على عابديه فقتلوهم وحصدوهم ، فيقال إنهم قتلوا في صبيحة واحدة سبعين
ألفاً

ثم قال تعالى : " ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة
للذين هم لربهم يرهبون " استدل بعضهم بقوله : " وفي نسختها " على أنها
تكسرت ، وفي هذا الإستدلال نظر ، وليس في اللفظ ما يدل على أنها تكسرت
والله أعلم

وقد ذكر ابن عباس في حديث الفتون كما سيأتي : أن عبادتهم العجل كانت على
أثر خروجهم من البحر ، وما هو ببعيد ، لأنهم حين خرجوا : " قالوا يا موسى
اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " وهكذا عند أهل الكتاب ، فإن عبادتهم العجل
كانت قبل مجيئهم ، بلاد بيت المقدس وذلك أنهم لما أمروا بقتل من عبد العجل
، قتلوا في أول يوم ثلاثة آلاف ، ثم ذهب موسى يستغفر ، فغفر لهم بشرط أن
يدخلوا الأرض المقدسة

" واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت
أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها
من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين *
واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به
من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم
بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا
عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم
الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم
فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم
المفلحون "

ذكر السدي وابن عباس وغيرهما أن هؤلاء السبعين كانوا علماء بني إسرإئيل ،
ومعهم موسى وهارون ويوشع وناذاب وأبيهو ، ذهبوا مع موسى عليه السلام
ليعتذروا عن بني إسرائيل في عبادة من عبد منهم العجل ، وكانوا قد أمروا أن
يتطيبوا ويتطهروا ويغتسلوا ، فلما ذهبوا معه واقتربوا من الجبل وعليه
الغمام وعود النور ساطع صعد موسى الجبل

فذكر بنو إسرائيل أنهم سمعوا كلام الله وهذا قد وافقهم عليه طائفة من
المفسرين ، وحملوا عليه قوله تعالى : " وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله
ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون "

وليس هذا بلازم ، لقوله تعالى : " فأجره حتى يسمع كلام الله " أي مبلغاً ، وهكذا هؤلاء سمعوه مبلغاً من موسى عليه السلام

وزعموا أيضاً أن السبعين رأوا الله ، وهذا غلط منهم ، لأنهم لما سألوا
الرؤية أخذتهم الرجفة ، كما قال تعالى : " وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى
نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعد موتكم
لعلكم تشكرون " وقال هاهنا : " فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم
من قبل وإياي "

قال محمد بن إسحاق : اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلاً الخير فالخير ،
وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه بما صنعتم وسلوه التوبة على من تركتم
وراءكم من قومكم ، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم

فخرج بهم إلى طور سيناء ، لميقات وقته له ربه ، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه
وعلم ، فطلب منه السبعون أن يسمعوا كلام الله ، فقال : أفعل

فلما دنا موسى من الجبل ، وقع عليه عمود الغمام حتى تغشي الجبل كله ، ودنا
موسى فدخل في الغمام ، وقال للقوم : ادنوا وكان موسى إذا كلمه الله ، وقع
على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه ، فضرب دونه
الحجاب ، ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجوداً ، فسمعوه وهو
يكلم موسى ، يأمره وينهاه : افعل ولا تفعل فلما فرغ الله من أمره وانكشف
عن موسى الغمام أقبل إليه فقالوا : " يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة
" فأخذتهم الرجفة ، وهي الصاعقة فأتلفت أرواحهم فماتوا جميعاً فقام موسى
يناشد ربه ويدعوه ، ويرغب إليه ويقول : " رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي
أتهلكنا بما فعل السفهاء منا " أي لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء الذين عبدوا
العجل منا فإنا براء مما عملوا

وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج : إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم
ينهوا قومهم عن عبادة العجل وقوله : " إن هي إلا فتنتك " أي اختبارك
وابتلاؤك وامتحانك قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو العالية والربيع بن
أنس ، وغير واحد من علماء السلف والخلف ، يعني أنت الذي قدرت هذا ، وخلقت
ما كان من أمر العجل اختباراً تختبرهم به كما : " قال لهم هارون من قبل يا
قوم إنما فتنتم به " أي اختبرتم

ولهذا قال : " تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء " أي من شئت أضللته باختبارك
إياه ، ومن شئت هديته ، لك الحكم والمشيئة ولا مانع ولا راد لما حكمت وقضيت


" أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين * واكتب لنا في هذه
الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك " أي تبنا إليك ورجعنا وأنبنا ، قاله
ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو العالية وإبراهيم التيمي والضحاك
والسدي وقتادة وغير واحد وهو كذلك في اللغة

" قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء " أي أنا أعذب من شئت بما أشاء من الأمور التي أخلقها وأقدرها

" ورحمتي وسعت كل شيء " كما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال : " إن الله لما فرغ من خلق السموات والأرض كتب كتاباً فهو
موضوع عنده فوق العرش : إن رحمتي تغلب غضبي " " فسأكتبها للذين يتقون
ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون " أي فسأوجبها حتماً لمن يتصف بهذه
الصفات : " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي " الآية

وهذا فيه تنويه بذكر محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من الله لموسى عليه
السلام ، في جملة ما ناجاه به وأعلمه وأطلعه عليه وقد تكلمنا على هذه
الآية وما بعدها في التفسير بما فيه كفاية ومقنع ، ولله الحمد والمنة

وقال قتادة : قال موسى : يارب إني أجد في الألواح أمة هي خير أمة أخرجت
للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، رب اجعلهم أمتي ، قال : تلك أمة
أحمد

قال : رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون في الخلق ، السابقون في دخول الجنة ، رب اجعلهم أمتي ، قال : تلك أمة أحمد

قال : رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرءونها ، وكان من
قبلهم يقرءون كتابهم نظراً ، حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئاً ولم يعرفوه ،
وإن الله أعطاهم من الحفظ شيئاً لم يعطه أحداً من الأمم ، قال : رب
اجعلهم أمتي ، قال : تلك أمة أحمد

قال : رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر
ويقاتلون فضول الضلالة حق يقاتلوا الأعور الكذاب ، فاجعلهم أمتي ، قال :
تلك أمة أحمد

قال : رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ، ويؤجرون
عليها وكان من قبلهم من الأمم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها
ناراً فأكلتها ، وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير ، وإن الله أخذ
صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم ، قال : رب فاجعلهم أمتي ، قال : تلك أمة أحمد

قال : رب فإني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت
له عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال : رب اجعلهم أمتي ، قال : تلك أمة
أحمد

قال : رب إني أجد في الألواح أمة هم المشفعون المشفوع لهم ، فاجعلهم أمتي ، قال : تلك أمة أحمد

قال قتادة : فذكر لنا أن موسى عليه السلام نبذ الألواح ، وقال : اللهم اجعلني من أمة أحمد

وقد ذكر كثير من الناس ما كان من مناجاة موسى عليه السلام ، وأوردوا أشياء
كثيرة لا أصل لها ونحن نذكر ما تيسر ذكره من الأحاديث والآثار بعون الله
وتوفيقه ، وحسن هدايته ومعونته وتأييده

قال الحافط أبو حاتم محمد بن حاتم بن حبان في صحيحه : ذكر سؤال كليم
الله ربه عز وجل عن أدني أهل الجنة وأرفعهم منزلة أخبرنا عمر بن سعيد
الطائي ببلخ ، حدثنا حامد ابن يحيى البلخي ، حدثنا سفيان ، حدثنا مطرف بن
طريف وعبد الله بن أبجر شيخان صالحان ، قالا : سمعنا الشعبي يقول : سمعت
المغيرة بن شعبة يقول على المنبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن موسى
عليه السلام سأل ربه عز وجل : أي أهل الجنة أدنى منزلة ؟ فقال : رجل يجيء
بعدما يدخل أهل الجنة الجنة ، فيقال له : ادخل الجنة ، فيقول : كيف أدخل
الجنة وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخاذاتهم ؟ فيقال له : أترضي أن يكون
لك من الجنة مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا ؟ فيقول : نعم أي رب ، فيقال :
لك هذا ومثله معه فيقول : أي رب رضيت ، فيقال له : لك مع هذا ما اشتهت
نفسك ولذت عينك ، وسأل ربه : أي أهل الجنة أرفع منزلة ؟ قال : سأحدثك عنهم ،
غرست كرامتهم بيدي ، وختمت عليها فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على
قلب بشر "

ومصداق ذلك في كتاب الله عز وجل : " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون "

وهكذا رواه مسلم و الترمذي كلاهما عن ابن عمر ، عن سفيان - وهو ابن
عيينة - به ولفظ مسلم : " فيقال له : أترضي أن يكون لك مثل ملك ملوك من
ملوك الدنيا ؟ فيقول : رضيت رب فيقال له : لك ذلك ومثله ومثله ومثله ،
فيقول في الخامسة : رضيت رب فيقال : هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت
نفسك ولذت عينك ، فيقول : رضيت رب قال : رب فأعلاهم منزلة ؟ قال : أولئك
الذين أردت غرس كرامتهم بيدي وختمت عليها ، فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم
يخطر على قلب بشر "

قال : ومصداقه من كتاب الله : " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون "

وقال الترمذي : حسن صحيح : قال : ورواه بعضهم عن الشعبي عن المغيرة فلم يرفعه ، والمرفوع أصح

وقال ابن حبان : ذكر سؤال الكليم ربه عن خصال سبع : حدثنا عبد الله بن
محمد بن مسلم ببيت المقدس ، حدثنا حرملة بن يحيى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني
عمرو بن الحارث ، أن أبا السمح حدثه عن ابن حجيرة عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سأل موسى ربه عز وجل عن ست خصال كان يظن
أنها له خالصة ، والسابعة لم يكن موسى يحبها

قال : يارب أي عبادك أتقي ؟ قال : الذي يذكر ولا ينسى قال : فأي عبادك
أهدى ؟ قال : الذي يتبع الهدى قال : فأي عبادك أحكم ؟ قال : الذي يحكم
للناس كما يحكم لنفسه قال : فأي عبادك أعلم قال : عالم لا يشبع من العلم ،
يجمع علم الناس إلى علمه قال : فأي عبادك أعز ؟ قال : الذي إذا قدر غفر
قال : فأي عبادك أغني ؟ قال : الذي يرضي بما يؤتي قال : فأي عبادك أفقر ؟
قال : صاحب منقوص "

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس الغني عن ظهر ، إنما الغني غني
النفس ، وإذا أراد الله بعبد خيراً جعل غناه في نفسه وتقاه في قلبه ، وإذا
أراد بعبد شراً جعل فقره بين عينيه "

قال ابن حبان : قوله : صاحب منقوص يريد به منقوص حالته ، يستقل ما أوتي ويطلب الفضل

وقد رواه ابن جرير في تاريخه عن ابن حميد ، عن يعقوب التميمي عن هارون بن
هبيرة ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : سأل موسى ربه عز وجل فذكر نحوه وفيه
: قال : أي رب فأي عبادك أعلم ؟ قال : الذي يبتغي علم الناس إلى علمه ،
عسى أن يجد كلمة تهديه إلى الهدى أو ترده عن ردي قال : أي رب فهل في
الأرض أحد أعلم مني ؟ قال : نعم الخضر فسأل السبيل إلى لقياه فكان ما
سنذكره بعد إن شاء الله ، وبه الثقة

* * *

ذكر حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان

قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة عن دراج ، عن
أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
إن موسى قال : أي رب عبدك المؤمن مقتر عليه في الدنيا ؟ قال : ففتح له
باب من الجنة فنظر إليها ، قال : يا موسى هذا ما أعددت له فقال موسى :
يارب وعزتك وجلالك لو كان مقطع اليدين والرجلين يسحب على وجهه منذ يوم
خلقته إلى يوم القيامة ، وكان هذا مصيره لم ير بؤساً قط قال : ثم قال : أي
رب عبدك الكافر موسع عليه في الدنيا ، قال : ففتح له باب إلى النار فقال
: يا موسى : هذا ما أعددته له فقال موسى : أي رب وعزتك وجلالك لو كانت
له الدنيا منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة وكان هذا مصيره لم ير خيراً قط "

تفرد به أحمد من هذا الوجه ، وفي صحته نظر والله أعلم

وقال ابن حبان : ذكر سؤال كليم الله ربه جل وعلا أن يعلمه شيئاً يذكره
به حدثنا ابن سلمة ، حدثنا حرملة بن يحيى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو
بن الحارث أن دراجاً حدثه عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال : " قال موسى : يارب علمني شيئاً أذكرك به وأدعوك به
قال : قل يا موسى : لا إله إلا الله قال : يارب كل عبادك يقول هذا قال
: قل لا إله إلا الله قال : إنما أريد شيئاً تخصني به قال : يا موسى
لو أن أهل السموات السبع والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة
مالت بهم لا إله إلا الله "

ويشهد لهذا الحديث حديث البطاقة ، وأقرب شيء إلى معناه الحديث المروي في
السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أفضل الدعاء دعاء عرفة ،
وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له
الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "

وقال ابن أبي حاتم عند تفسير آية الكرسي : حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية ،
حدثنا أحمد ابن عبد الرحمن الدسكي ، حدثني أبي عن أبيه ، حدثنا أشعث بن
إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن بني
إسرائيل قالوا لموسى هل ينام ربك ؟ قال : اتقوا الله ! فناداه ربه عز وجل
: يا موسى سألوك هل ينام ربك ؟ فخذ زجاجتين في يديك فقم الليل ، ففعل
موسى ، فلما ذهب من الليل ثلثه نعس فوقع لركبتيه ، ثم انتعش فضبطهما ، حتى
إذا كان آخر الليل نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا ، فقال : يا موسى لو كنت
أنام لسقطت السموات والأرض فهلكن كما هلكت الزجاجتان في يديك ! قال :
وأنزل الله على رسوله آية الكرسي

وقال ابن جرير : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا هشام بن يوسف ، عن
أمية بن شبل ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة عن أبي هريرة قال : سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يحكى عن موسى عليه السلام على المنبر قال : " وقع
في نفس موسى عليه السلام هل ينام الله عز وجل ؟ فأرسل الله ملكاً فأرقه
ثلاثة ، ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة ، وأمره أن يحتفظ بهما

قال : فجعل ينام وكادت يداه تلتقيان ، ، فيستيقظ فيحبس إحداهما على الأخرى ،
حتى نام نومة فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان ، قال : ضرب الله له مثلاً :
أن لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض "

وهذا حديث غريب رفعه ، والأشبه أن يكون موقوفاً ، وأن يكون أصله إسرائيلياً

* * *

وقال الله تعالى : " وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم
بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون * ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله
عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين " وقال تعالى : " وإذ نتقنا الجبل فوقهم
كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم
تتقون "

قال ابن عباس وغير واحد من السلف : لما جاءهم موسى بالألواح فيها التوراة
أمرهم بقبولها والأخذ بها بقوة وعزم فقالوا : أنشرها علينا فإن كانت
أوامرها ونواهيها سهلة قبلناها

فقال : بل اقبلوها بما فيها فراجعوه مراراً ، فأمر الله الملائكة فرفعوا
الجبل على رءوسهم حتى صار كأنه ظلة - أي غمامة - على رءوسهم ، وقيل لهم إن
لهم تقبلوها بما فيها وإلا سقط هذا الجبل عليكم فقبلوا ذلك وأمروا بالسجود
فسجدوا ، فجعلوا ينظرون إلى الجبل بشق وجوههم ، فصارت سنة لليهود إلى اليوم
، يقولون : لا سجدة أعظم من سجدة رفعت عنا العذاب

وقال سنيد بن داود عن حجاج بن محمد ، عن أبي بكر بن عبد الله قال : فلما
نشرها لم يبق على وجه الأرض جبل ولا شجر ولا حجر إلا اهتز ، فليس على وجه
الأرض يهودي صغير ولا كبير تقرأ عليه التوراة إلا اهتز ونفض لها رأسه

قال الله تعالى : " ثم توليتم من بعد ذلك " أي ثم بعد مشاهدة هذا الميثاق
العظيم والأمر الجسيم نكثتهم عهودكم ومواثيقكم " فلولا فضل الله عليكم
ورحمته " بأن تدارككم بالإرسال إليكم وإنزال الكتب عليكم " لكنتم من
الخاسرين "

قصة بقرة بني إسرائيل

قال الله تعالى : " وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة
قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين * قالوا ادع لنا
ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك
فافعلوا ما تؤمرون * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول
إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما
هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون * قال إنه يقول إنها
بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت
بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون * وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج
ما كنتم تكتمون * فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته
لعلكم تعقلون "

قال ابن عباس وعبيدة السلماني وأبو العالية ومجاهد والسدي ، وغير واحد من
السلف : كان رجل في بني إسرائيل كثير المال ، وكان شيخاً كبيراً ، وله بنو
أخ ، وكانوا يتمنون موته ليرثوه ، فعمد أحدهم فقتله في الليل وطرحه في مجمع
الطرق ، ويقال على باب رجل منهم

فلما أصبح الناس اختصموا فيه ، وجاء ابن أخيه فجعل يصرخ ويتظلم ، فقالوا :
ما لكم تختصمون ولا تأتون نبي الله ؟ فجاء ابن أخيه فشكا أمر عمه إلى رسول
الله موسى صلى الله عليه وسلم فقال موسى عليه السلام : أنشد الله رجلاً
عنده علم من أمر هذا القتيل إلا أعلمنا به فلم يكن عند أحد منهم علم منه ،
وسألوه أن يسأل في هذه القضية ربه عز وجل

فسأل ربه عز وجل في ذلك ، فأمره الله أن يأمرهم بذبح بقرة فقال : " إن الله
يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا " يعنون نحن نسألك عن أمر هذا
القتيل ، وأنت تقول لنا هذا ؟ " قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين " أي
أعوذ بالله أن أقول عنه غير ما أوحى إلي ، وهذا هو الذي أجابني حين سألته
عما سألتموني أن أسأله فيه قال ابن عباس وعبيدة ومجاهد وعكرمة والسدي وأبو
العالية وغير واحد : فلو أنهم عمدوا إلى أي بقرة فذبحوها لحصل المقصود
منها ، ولكن شددوا فشدد عليهم وقد ورد فيه حديث مرفوع ، وفي إسناده ضعف

فسألوا عن صفتها ، ثم عن لونها ، ثم عن سنها ، فأجيبوا بما عز وجوده عليهم وقد ذكرنا تفسير ذلك كله في التفسير

والمقصود أنهم أمروا بذبح بقرة عوان ، وهي الوسط النصف بين الفارض وهي
الكبيرة ، والبكر وهي الصغيرة ، قاله ابن عباس ومجاهد وأبو العالية وعكرمة
والحسن وقتادة وجماعة ، ثم شددوا وضيقوا على أنفسهم فسألوا عن لونها ،
فأمروا بصفراء فاقع لونها ، أي مشرب بحمرة تسر الناظرين ، وهذا اللون عزيز
ثم شددوا أيضاً " قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا
وإنا إن شاء الله لمهتدون "

ففي الحديث المرفوع الذي رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه : " لولا أن بني إسرائيل استثنوا لما أعطوا " وفي صحته نظر والله أعلم

" قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية
فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون " وهذه الصفات أضيق
مما تقدم ، حيث أمروا بذبح بقرة ليست بالذلول ، وهي المذللة بالحراثة وسقي
الأرض بالساقية ، مسلمة وهي الصحيحة التي لا عيب فيها ، قاله أبو العالية
وقتادة ، وقوله " لا شية فيها " أي ليس فيها لون يخالف لونها ، بل هي مسلمة
من العيوب ، ومن مخالطة سائر الألوان غير لونها فلما حددها بهذه الصفات ،
وخصرها بهذه النعوت والأوصاف " قالوا الآن جئت بالحق "

ويقال إنهم لم يجدوا هذه البقرة بهذه الصفة إلا عند رجل منهم كان باراً
بأبيه ، فطلبوها منه فأبي عليهم ، فأرغبوه في ثمنها حتى أعطوه ، فيما ذكر
السدي ، بوزنها ذهباً فأبي عليهم ، حتى أعطوه بوزنها عشر مرات ، فباعها لهم


فأمرهم نبي الله بذبحها " فذبحوها وما كادوا يفعلون " أي وهم يترددون في
أمرها ، ثم أمرهم عن الله أن يضربوا ذلك القتيل ببعضها قيل بلحم فخذها ،
وقيل بالعظم الذي يلي الغضروف وقيل بالبضعة التي بين الكتفين ، فلما ضربوه
ببعضها أحياه الله تعالى ، فقام وهو يشخب أوداجه ، فسأله نبي الله موسى :
من قتلك ؟ قال : قتلني ابن أخي ثم عاد ميتاً كما كان

قال الله تعالى : " كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون " أي
كما شاهدتم إحياء هذا القتيل عن أمر الله له ، كذلك أمره في سائر الموتى ،
إذا شاء إحياءهم أحياهم في ساعة واحدة كما قال : " ما خلقكم ولا بعثكم إلا
كنفس واحدة

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالأحد يناير 13, 2013 11:19 am

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصة موسى والخضر عليهما السلام

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قال الله تعالى : " وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو
أمضي حقبا * فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا *
فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا * قال
أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن
أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا * قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما
قصصا * فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما *
قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا * قال إنك لن تستطيع معي
صبرا * وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا * قال ستجدني إن شاء الله صابرا
ولا أعصي لك أمرا * قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه
ذكرا * فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد
جئت شيئا إمرا * قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا * قال لا تؤاخذني بما
نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا * فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال
أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا * قال ألم أقل لك إنك لن
تستطيع معي صبرا * قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني
عذرا * فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما
فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا * قال
هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا * أما السفينة
فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل
سفينة غصبا * وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا
وكفرا * فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما * وأما الجدار
فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا
فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري
ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا "

قال بعض أهل الكتاب : إن موسى هذا الذي رحل إلى الخضر هو موسى بن منسا بن
يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، وتابعهم على ذلك بعض من يأخذ
من صحفهم وينقل عن كتبهم ، منهم نوف بن فضالة الحميري الشامي البكالي
ويقال إنه دمشقي ، وكانت أمه زوجة كعب الأحبار

والصحيح الذي دل عليه سياق القرآن ونص الحديث الصحيح الصريح المتفق عليه : أنه موسى بن عمران صاحب بني إسرائيل

قال البخاري : حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو بن دينار ، قال :
أخبرني سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى
صاحب الخضر ليس هو صاحب بني إسرائيل ، فقال ابن عباس : كذب عدو الله
حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن موسى
قام خطيباً في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال :أنا فعتب الله
عليه إذ لم يرد العلم إليه ، فأوحى الله إليه ، إن لي عبداً بمجمع البحرين
هو أعلم منك قال موسى : يارب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ معك حوتاً فتجعله
في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم ، فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ، ثم انطلق
وانطلق معه فتاه يوشع ابن نون ، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رءوسهما فناما
واضطرب الحوت في المكتب ، فخرج منه فسقط في البحر ، واتخذ سبيله في البحر
سرباً وأمسك الله عن الحوت جرية الماء ، فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ
نسي صاحبه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما

حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه : " آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا
هذا نصبا " قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ،
فقال له فتاه : " أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه
إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا " قال : فكان للحوت سرباً ،
ولموسى ولفتاه عجباً فقال له موسى : " ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما
قصصا "

قال : فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة ، فإذا رجل مسجى بثوب
فسلم عليه موسى ، فقال الخضر ، وأنى بأرضك السلام ؟ قال : أنا موسى قال :
موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم ، أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً : " قال إنك
لن تستطيع معي صبرا " يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا
تعلمه أنت ، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه

فقال موسى : " ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا "

فقال له الخضر : " فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا *
فانطلقا " يمشيان على ساحل البحر ، فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم ،
فعرفوا الخضر فحملوههم بغير نول فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر
قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم ، فقال له موسى : قوم حملونا بغير
نول ، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها " لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا * قال ألم
أقل إنك لن تستطيع معي صبرا * قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري
عسرا "

قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فكانت الأولى من موسى نسياناً
قال : وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ، فقال له الخضر
: ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من هذا
البحر !

ثم خرجا من السفينة ، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً
يلعب مع الغلمان ، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله ، فقال له موسى
: " أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا * قال ألم أقل لك إنك لن
تستطيع معي صبرا " قال : وهذه أشد من الأولى " قال إن سألتك عن شيء بعدها
فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا "

" فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا
فيها جدارا يريد أن ينقض " قال : مائل فقام الخضر " فأقامه " بيده ، فقال
موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا " لو شئت لاتخذت عليه أجرا *
قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك " إلى قوله : " ذلك تأويل ما لم تسطع عليه
صبرا " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص
الله علينا من خبرهما "

قال سعيد بن جبير : فكان ابن عباس يقرأ : وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة
غصباً وكان يقرأ : وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين

ثم رواه البخاري أيضاً عن قتيبة عن سفيان بن عيينة بإسناده نحوه ، وفيه
: فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ومعهما الحوت حتى انتهيا إلى الصخرة
فنزلا عندها ، قال ؟ فوضع موسى رأسه فنام

قال سفيان : وفي حديث غير عمرو قال : وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة ،
لا يصيب من مائها شيء إلا حيى ، فأصاب الحوت من ماء تلك العين ، قال :
فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر ، فلما استيقظ قال موسى لفتاه : " آتنا
غداءنا لقد لقينا " الآية وساق الحديث

وقال : ووقع عصفور على حرف السفينة فغمس منقاره في البحر ، فقال الخضر
لموسى : ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا
العصفور منقاره وذكر تمام الحديث

وقال البخاري : حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام بن يوسف : أن ابن
جريج أخبرهم ، قال : أخبرني يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير
، يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدثه عن سعيد بن جبير قال :
إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال : سلوني ، فقلت : أي أبا عباس - جعلني
الله فداك - بالكوفة رجل قاص يقال له نوف ، يزعم أنه ليس بموسى بني
إسرائيل أما عمرو فقال لي ، فقال : قد كذب عدو الله وأما يعلى فقال لي :
قال ابن عباس : حدثني أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
موسى رسول الله قال : ذكر الناس يوماً حتى إذا فاضت العيون ، ورقت القلوب
ولى ، فأدركه رجل فقال : أي رسول الله ! هل في الأرض أحد أعلم منك ؟ قال :
لا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله ، وقيل : بلى قال : أي رب
فأين ؟ قال : بمجمع البحرين ، قال : أي رب اجعل لي علماً أعلم ذلك به قال
لي عمرو : قال : حيث يفارقك الحوت ، وقال لي يعلى : قال : خذ نوناً ميتاً
حيت ينفخ فيه الروح

فأخد حوتاً فجعله في مكتل ، فقال لفتاه : لا أكلفك إلا أن تخبني بحيث
يفارقك الحوت ، قال : ما كلفت كثيراً ، فذلك قوله جل ذكره : " وإذ قال موسى
لفتاه " يوشع بن نون ، ليست عن سعيد بن جبير ، قال بينما هو في ظل صخرة في
مكان ثريان إذ تضرب الحوت وموسى نائم ، فقال فتاه لا أوقظه ، حتى إذا
استيقظ نسى أن يخبره ، وتضرب الحوت حتى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية
البحر حتى كان أثره في حجر ، قال لي عمرو : هكذا ، كان أثره في حجر وحلق
بين إبهاميه واللتين تليانهما

" لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا " قال : قد قطع الله عنك النصب ليست هذه عن
سعيد أخبره فرجعا فوجدا خضراً - قال لي عثمان بن أبي سلمان - عن طنفسة
خضراء على كبد البحر ، قال سعيد بن جبير مسجى بثوبه ، قد جعل طرفه تحت
رجليه ، وطرفه تحت رأسه ، فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه ، وقال : هل بأرضي
من سلام ؟ من أنت ؟ فقال : أنا موسى قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم
قال : فما شأنك ؟ قال : جئتك لتعلمني مما علمت رشداً ، قال : أما يكفيك أن
التوراة بيديك ، وأن الوحي يأتيك ؟ يا موسى إن لي علماً لا ينبغي لك أن
تعلمه ، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه فأخذ طائر بمنقاره من البحر ،
فقال : والله ماعلمي وعلمك في جنب علم الله كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من
البحر

" حتى إذا ركبا في السفينة " وجد معابر صغاراً تحمل أهل هذا الساحر إلي أهل
هذا الساحل الآخر ، عرفوه فقالوا : عبد الله الصالح قال : فقلنا لسعيد :
خضر ؟ قال : نعم لا نحمله بأجر ، فخرقها ووتد فيها وتداً " قال " موسى : "
أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا " قال مجاهد : منكراً ؟ " قال ألم
أقل إنك لن تستطيع معي صبرا " كانت الأولى نسياناً والوسطى شرطاً ،
والثالثة عمداً " قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا *
فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله " قال يعلى قال سعيد : وجد غلماناً
يلعبون فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً فأضجعه ثم ذبحه بالسكين " قال أقتلت
نفسا زكية بغير نفس " لم تعلم

بالخبيث وكان ابن عباس قرأها : زكية زاكية مسلمة كقولك : غلاماً زكياً

فانطلقا " فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه " قال سعيد بيده هكذا ،
ورفع يده فاستقام قال يعلى : حسبت أن سعيداً قال : فمسح بيده فاستقام : "
قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا " قال سعيد ، أجراً نأكله

" وكان وراءهم " كان أمامهم ، قرأها ابن عباس : أمامهم ملك يزعمون عن غير
سعيد أنه هدد بن بدد والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور " ملك يأخذ كل
سفينة غصبا " فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها ، فإذا جاوزوا أصلحوها
فانتفعوا بها ، ومنهم من يقول : سدوها بقارورة ، ومنهم من يقول بالقار

" فكان أبواه مؤمنين " وكان كافراً " فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا " أي
يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه " فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه
زكاة " لقوله : " أقتلت نفسا زكية " " وأقرب رحما " هما به أرحم منهما
بالأول الذي قتل الخضر

وزعم غير سعيد بن جبير أنهم أبدلا جارية ، وأما داود ابن أبي عاصم فقال غير واحد :إنها جارية

وقد رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن
عباس قال : خطب موسى بني إسرائيل ، فقال : ما أحد أعلم بالله وبأمره مني ،
فأمر أن يلقى هذا الرجل ، فذكر نحو ما تقدم

وهكذا رواه محمد بن إسحاق عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم ابن عيينة ، عن
سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كنحو ما تقدم أيضاً

ورواه العوفي عنه موقوفاً وقال الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
بن مسعود عن ابن عباس : أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب
موسى ، فقال ابن عباس : هو خضر فمر بهم أبي بن كعب فدعاه ابن عباس ، فقال :
إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقياه ، فهل
سمعت من رسول الله فيه شيئاً ؟ قال : نعم ، وذكر الحديث

وقد تقصينا طرق هذا الحديث وألفاظه في تفسير سورة الكهف ولله الحمد

وقوله : " وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة " قال السهيلى :
وهما أصرم وصريم ابنا كاشح " وكان تحته كنز لهما " قيل كان ذهباً ، قاله
عكرمة وقيل علماً ، قاله ابن عباس ، والأشبه أنه كان لوحاً من ذهب مكتوباً
في علم قال البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا بشر بن
المنذر ، حدثنا الحارث بن عبد الله اليحصبي ، عن عياش بن عباس الغساني ، عن
ابن حجيرة ، عن أبي ذر رفعه قال : " إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح
من الذهب مصمت مكتوب فيه : عجبت لمن أيقن بالقدر كيف نصب ؟ وعجبت لمن ذكر
النار لم ضحك ؟ وعجبت لمن ذكر الموت كيف غفل ؟ لا إله إلا الله محمد رسول
الله "

وهكذا روى عن الحسن البصري وعمر مولى غفرة وجعفر الصادق نحو هذا

وقوله : " وكان أبوهما صالحا " قيل إنه كان الأب السابع وقيل العاشر ، وعلى
كل تقدير : فيه دلالة على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته والله المستعان


وقوله : " رحمة من ربك " دليل على أنه كان نبياً ، وأنه ما فعل شيئاً من
تلقاء نفسه بل بأمر ربه فهو نبي ، وقيل رسول ، وقيل ولي ، وأغرب من هذا من
قال إنه كان ملكاً قلت وقد أغرب جداً من قال هو ابن فرعون ، وقيل إنه ابن
ضحاك الذي ملك الدنيا ألف سنة

قال ابن جرير : والذي عليه جمهور أهل الكتاب أنه كان في زمن أفريدون
ويقال إنه كان على مقدمة ذي القرنين ، الذي قيل إنه كان أفريدون ، وذو
الفرس هو الذي كان في زمن الخليل ، وزعموا أنه شرب من ماء الحياة فخلد وهو
باق إلى الآن

وقيل إنه من ولد بعض من آمن بإبراهيم ، وهاجر معه من أرض بابل وقيل اسمه
ملكان وقيل أرميا بن حلقيا وقيل كان نبياً في زمن سباسب بن بهراسب

قال ابن جرير : وقد كان بين أفريدون وبين سباسب دهور طويلة لا يجهلها أحد
من أهل العلم بالأنساب ، قال ابن جرير والصحيح أنه كان في زمن أفريدون ،
واستمر حياً إلى أن أدركه موسى عليه السلام وكانت نبوة موسى في زمن منو
شهر الذي هو من ولد أبرج بن أفريدون أحد ملوك الفرس ، وكان إليه الملك بعد
جده أفريدون لعهده وكان عدلاً وهو أول من خندق الخنادق وأول من جعل في
كل قرية دهقاناً وكانت مدة ملكه قريباً من مائة وخمسين سنة ويقال إنه كان
من سلالة إسحاق بن إبراهيم

وقد ذكر عنه من الخطب الحسان والكلم البليغ النافع الفصيح ما يبهر العقل ،
ويحير السامع ، وهذا يدل على أنه من سلالة الخليل والله أعلم

وقد قال الله تعالى : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب
وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم
على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين "

فأخذ الله ميثاق كل نبي على أن يؤمن بمن يجيء بعده من الأنبياء وينصره
واستلزم ذلك الإيمان وأخذ الميثاق لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه خاتم
الأنبياء فحق على كل نبي أدركه أن يؤمن به وينصره فلو كان الخضر حياً في
زمانه ، لما وسعه إلا اتباعه والإجتماع به والقيام بنصره ، ولكان من جملة
من تحت لوائه يوم بدر ، كما كان تحتها جبريل وسادات من الملائكة

وقصارى الخضر عليه السلام أن يكون نبياً ، وهو الحق أو رسولاً كما قيل ،
أو ملكاً فيها ذكر ، وأياً ما كان فجبريل رئيس الملائكة ، وموسى أشرف من
الخضر ، ولو كان حياً لوجب عليه الإيمان بمحمد ونصرته ، فكيف إن كان الخضر
ولياً كما يقوله طوائف كثيرون ؟ فأولى أن يدخل في عموم البعثة وأحرى ، ولم
ينقل في حديث حسن بل ولا ضعيف يعتمد أنه جاء يوماً واحداً إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ولا اجتمع به وما ذكر من حديث التعزية فيه ، وإن كان
الحاكم قد رواه ، فإسناده ضعيف والله أعلم ، وسنفرد لخضر ترجمة على حدة
بعد هذا

ذكر الحديث الملقب بحديث الفتون

المتضمن قصة موسى من أولها إلى آخرها

قال الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب التفسير من سننه ، عند قوله
تعالى في سورة طه : " وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا " : حديث
الفتون

حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا أصبغ بن زيد ، حدثنا
القاسم ابن أبي أيوب ، أخبرني سعيد بن جبير قال : سألت عبد الله بن عباس
عن قول الله تعالى لموسى : " وفتناك فتونا " فسألته عن الفتون ما هي ؟ فقال
: استأنف النهار يا ابن جبير فإن لها حديثاً طويلاً

فلما أصبحت غدوت إلى ابن عباس لأتنجز منه ما وعدني من حديث الفتون ، فقال :
تذكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم عليه السلام أن يجعل في ذريته
أنبياء وملوكاً ، فقال بعضهم : إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك ما يشكون فيه ،
وكانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب ، فلما هلك قالوا : ليس هكذا كان وعد
إبراهيم ، فقال فرعون : فكيف ترون ؟ فأتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث
رجالاً معهم الشفار ، يطوفون في بني إسرائيل ، فلا يجدون مولوداً ذكراً إلا
ذبحوه ففعلوا ذلك

فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم ، والصغار يذبحون قالوا
: توشكون أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة
التي كانوا يكفونهم ، فاقتلوا عاماً كل مولود ذكر واتركوا بناتهم ، ودعوا
عاماً فلا تقتلوا منهم أحداً ، فيشب الصغار مكان من يموت من الكبار ، فإنهم
لن يكثروا بمن تستحيون منهم ، فتخافوا مكاثركم إياكم ، ولن يفنوا بمن
تقتلون وتحتاجون إليهم

فأجمعوا أمرهم على ذلك ، فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يقتل فيه الغلمان ، فولدته علانية آمنة

فلما كان من قابل حملت بموسى عليه السلام ، فوقع قي قلبها الهم والحزن ،
وذلك من الفتون ، يا ابن جبير ما دخل عليه في بطن أمه مما يراد به فأوحى
الله إليها : " لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين "
فأمرها إذا ولدت أن تجعله في تابوت وتلقيه في اليم

فلما ولدت فعلت ذلك ، فلما توارى عنها ابنها أتاها الشيطان ، فقالت في
نفسها : ما فعلت بابني ؟ لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلي من أن
ألقيه إلى دواب البحر وحيتانه

فانتهى الماء به حتى أوفي عند فرضة تستقي منها جواري امرأة فرعون ، فلما
رأينه أخذنه ، فهممن أن يفتحن التابوت ، فقال بعضهن : إن في هذا مالاً ،
وإنا إن فتحناه لم تصدقنا امرأة الملك بما وجدنا فيه ، فحملنه كهيئته لم
يخرجن منه شيئاً حتى دفعنه إليها فلما فتحته رأت فيه غلاماً ، فألقي الله
عليه منها محبة لم يلق منها على أحد قط " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " من
ذكر كل شيء إلا من ذكر موسى فلما سمع الذباحون بأمره أقبلوا بشفارهم إلى
امرأة فرعون ليذبحوه وذلك من الفتون يا ابن جبير !

فقالت لهم : أقروه فإنه هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل حتى آتى فرعون
فأستوهبه منه ، فإن وهبه منى كنتم قد أحسنتم وأجملتم ، وإن أمر بذبحه لم
ألمكم فأتت فرعون فقالت : " قرة عين لي ولك " فقال فرعون : يكون لك ، فأما
لي فلا حاجة لي فيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي يحلف
به لو أقر فرعون لأن يكون قرة عين له ، كما أقرت امرأته لهداه الله كما
هداها ، ولكن حرمه ذلك "

فأرسلت إلى من حولها إلى كل امرأة لها لأن تختار له ظئراً ، فجعل كلما
أخذته امرأة منهن لترضعه لم يقبل على ثديها ، حتى أشفقت امرأة فرعون أن
يمتنع من اللبن فيموت ، فأحزنها ذلك فأمرت به فأخرج إلى السوق وجمع الناس
ترجو أن تجد له ظئراً تأخذه منها ، فلم يقبل وأصبحت أم موسى ولها ، فقالت
لأخته : قص أثره واطلبيه ، هل تسمعين له ذكراً ؟ أحي ابني أم قد أكلته
الدواب ؟ ونسيت ما كان الله وعدها فيه

" فبصرت به " أخته " عن جنب وهم لا يشعرون " والجنب : أن يسمو بصر الإنسان
إلى شيء بعيد وهو إلى جنبه لا يشعر به فقالت من الفرح حين أعياهم الظئرات :
أنا " أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون " فأخذوها فقالوا : ما
يدريك ما نصحهم له ؟ هل تعرفينه ؟ حتى شكوا في ذلك ، وذلك من الفتون يا
ابن جبير ! فقالت : نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في صهر الملك ورجاء منفعة
الملك فأرسلوها فانطلقت إلى أمها فأخبرتها الخبر ، فجاءت أمه ، فلما
وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصه حتى امتلأ جنباه ريا ، وانطلق البشير
إلى امرأة فرعون يبشرها أن قد وجدنا لابنك ظئراً ، فأرسلت إليها فأتت بها
وبه

فلما رأت ما يصنع بها قالت : امكثي ترضعي ابني هذا ، فإني لم أحب شيئاً حبه
قط ، قالت أم موسى : لا أستطيع أن أترك بيتى وولدي فيضيع ، فإن طابت نفسك
أن تعطينيه ، فأذهب به إلى بيتي ، فيكون معى لا آلوه خيراً ، فعلت ، فإني
غير تاركة بيتي وولدي ، وذكرت أم موسى ما كان الله وعدها ، فتعاسرت على
امرأة فرعون وأيقنت أن الله منجز موعوده ، فرجعت إلى بيتها من يومها ،
وأنبته الله نباتاً حسناً ، وحفظه لما قد قضي فيه فلم يزل بنو إسرائيل وهم
في ناحية القرية ، ممتنعين من السخرة والظلم ما كان فيهم

فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لأم موسى : أزيريني ابني ، فوعدتها يوماً
تزيرها إياه فيه ، وقالت امرأة فرعون لخزانها وظئورها وقهارمتها : لا يبقين
أحد منكم إلا استقبل ابني اليوم بهدية وكرامة ، لأرى ذلك فيه وأنا باعثة
أميناً يحصى كل ما يصنع كل إنسان منكم ، فلم تزل الهدايا والكرامة والنحل
تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل على امرأة فرعون فلما دخل عليها
نحلته وأكرمته وفرحت به ، وأنحلت أمه لحسن أثرها عليها ثم قالت : لآتين
به فرعون فلينحلنه وليكرمنه

فلما دخلت به عليه جعله في حجره ، فتناول موسى لحية فرعون فمدها إلى الأرض ،
فقال الغواة من أعداء الله لفرعون : ألا ترى ما وعد الله إبراهيم نبيه ؟
إنه زعم أنه يرثك ويعلوك ويصرعك ! فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه ، وذلك من
الفتون يا ابن جبير بعد كل بلاء أبتلي به وأريد به

فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون ، فقالت : ما بدا لك في هذا الغلام الذي
وهبته لي ؟ فقال : ألا ترينه يزعم أن يصرعني ويعلوني ؟ فقالت : اجعل بيني
وبينك أمراً تعرف فيه الحق ، ائت بجمرتين ولؤلؤتين فقربهن إليه ! فإن بطش
بالؤلؤتين واجتنب الجمرتين عرفت أنه يعقل ، وإن تناول الجمرتين ولم يرد
اللؤلؤتين ، علمت أن أحداً لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو عاقل فقرب
إليه الجمرتين واللؤلؤتين فتناول الجمرتين ، فانتزعهما منه مخافة أن تحرقا
يده ، فقالت المرأة : ألا ترى ؟ فصرفه الله عنه بعد ما كان هم به ، وكان
الله بالغاً فيه أمره

فلما بلغ أشده وكان من الرجال ، لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من
بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة ، حتى امتنعوا كل الإمتناع فبينما موسى
عليه السلام يمشي في ناحية المدينة ، إذا هو برجلين يقتتلان أحدهما فرعوني
والآخر إسرائيلي فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني ، فغضب موسى غضباً
شديداً ، لأنه تناوله وهو يعلم منزلته من بني إسرائيل وحفظه لهم لا يعلم
الناس إلا أنه من الرضاع إلا أم موسى ، إلا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك
على ما لم يطلع عليه غيره فوكز موسى الفرعوني فقتله ، وليس يراهما أحد إلا
الله عز وجل والإسرائيلي ، فقال موسى حين قتل الرجل : " هذا من عمل
الشيطان إنه عدو مضل مبين " ثم قال : " رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له
إنه هو الغفور الرحيم * قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين *
فأصبح في المدينة خائفا يترقب " الأخبار

فأيما فرعون فقيل له : إن بني إسرائيل قتلوا رجلاً من آل فرعون فخذ لنا
بحقنا ولا ترخص لهم ، فقال : ابغوني قاتله ومن يشهد عليه ، فإن الملك وإن
كان صفوة من قومه ، لا ينبغي له أن يقتل بغير بينة ولا ثبت ، فاطلبوا لي
علم ذلك آخذ لكم بحقكم

فبينما هم يطوفون لا يجدون بينة ، إذا بموسى من الغد قد رأى ذلك الإسرائيلي
يقاتل رجل من آل فرعون آخر ، فإستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني ، فصادف
موسى وقد ندم على ما كان منه وكره الذي رأى ، فغضب الإسرائيلي وهو يريد أن
يبطش بالفرعوني ، فقال للإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم : " إنك لغوي مبين
" فنظر الإسرائيلي إلى موسى بعد ما قال له ما قال ، فإذا هو غضبان كغضبه
بالأمس الذي قتل فيه الفرعوني ، فخاف أن يكون بعد ما قاله له : " إنك لغوي
مبين " أن يكون إياه أراد ولم يكن أراده ، إنما أردا الفرعوني ، فخاف
الإسرائيلي وقال : " يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس " ؟
وإنما قال له مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله فتتاركا

وانطلق الفرعوني فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر حين يقول : "
أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس " فأرسل فرعون الذباحين ليقتلوا موسى
، فأخذ رسل فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هينتهم ، يطلبون موسى وهم لا
يخافون أن يفوتهم ، فجاء رجل من شيعة موسى من أقصا المدينة ، فاختصر
طريقاً حتى سبقهم إلى موسى فأخبره وذلك من الفتون يا ابن جبير !

فخرج موسى متوجهاً نحو مدين لم يلق بلاء قبل ذلك وليس له بالطريق علم إلا
حسن ظنه بربه عز وجل ، فإنه قال : " عسى ربي أن يهديني سواء السبيل * ولما
ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان "
يعني بذلك حابستين غنمهما ، فقال لهما : " ما خطبكما " معتزلين الناس
قالتا : ليس لنا قوة تزاحم القوم وإنما ننتظر فضول حياضهم فسقى لهما فجعل
يغترف من الدلو ماء كثيراً حتى كان أول الرعاء وانصرفتا بغنمهما إلى أبيهما
، وانصرف موسى فاستظل بشجرة ، وقال : " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير "


واستنكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حفلاً بطاناً فقال : إن لكما اليوم
لشأناً ، فأخبرتاه بما صنع موسى ، فأمر إحداهما أن تدعوه ، فأتت موسى
فدعته فلما كلمه : " قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين " ليس لفرعون ولا
لقومه علينا من سلطان ولسنا في مملكته ، فقالت إحداهما : " يا أبت استأجره
إن خير من استأجرت القوي الأمين " فاحتملته الغيرة على أن قال لها : ما
يدريك ما قوته وما أمانته ؟ فقالت : أما قوته فما رأيت منه في الدلو حين
سقى لنا لم أر رجلاً قط أقوى في ذلك السقي منه ، وأما الأمانة فإنه نظر إلى
حين أقبلت إليه وشخصت له ، فلما علم أني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه حتى
بلغته رسالته ثم قال لي : امشي خلفي وانعتى لي الطريق ، فلم يفعل هذا إلا
وهو أمين فسرى عن أبيها وصدقها ، وظن به الذي قالت

فقال له : هل لك " أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن
أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين "
ففعل فكانت على نبي الله مسوى ثماني سنين واجبة ، وكانت السنتان عدة منه ،
فقضي الله عنه عدته فأتمها عشراً

قال سعيد - وهو ابن جبير - لقيني رجل من أهل النصرانية من علمائهم ، فقال :
هل تدرى أي الأجلين قضي موسى ؟ قلت : لا ، وأنا يومئذ لا أدري فلقيت ابن
عباس فذكرت ذلك له ، فقال : أما علمت أن ثمانية كانت على نبي الله واجبة ،
لم يكن نبي الله لينقص منها شيئاً ؟ وتعلم أن الله كان قاضياً عن موسى عدته
التي وعده ، فإنه قضى عشر سنين فلقيت النصراني فأخبرته ذلك ، فقال : الذي
سألته فأخبرك أعلم منك بذلك ، قلت : أجل وأولي

فلما سار موسى بأهله كان من أمر الناس والعصا ويده ، ما قص الله عليك في القرآن

فشكا إلى الله تعالى مايتخوف من آل فرعون في القتيل ، وعقدة لسانه ، فإنه
كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام ، وسأل ربه أن يعينه بأخيه
هارون ، يكون له ردءاً ، يتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه ، فأتاه
الله عز وجل سؤله وحل عقدة من لسانه ، وأوحى الله إلى هارون فأمره أن يلقاه


فاندفع موسى بعصاه حتى لقى هارون ، فانطلقا جميعاً إلى فرعون ، فأقاما على
بابه حيناً لا يؤذن لهما ثم أذن لهما بعد حجاب شديد فقالا : " إنا رسولا
ربك " قال : " فمن ربكما " فأخبره بالذي قص الله عليك في القرآن قال : فما
تريدان ؟ وذكره القتيل فاعتذر بما قد سمعت ، قال أريد أن تؤمن بالله وترسل
معى بني إسرائيل ، فأبي عليه وقال : " جئت بآية فأت بها إن كنت من
الصادقين * فألقى عصاه فإذا هي " حية عظيمة فاغرة فاها مسرعة إلى فرعون ،
فلما رآها فرعون قاصدة إليه خافها فاقتحم عن سريره وإستغاث بموسى أن يكفها
عنه ففعل

ثم أحرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء ، يعنى من غير برص ، ثم ردها فعادت إلى لونها الأول

فاستشار الملأ من حوله فيما رأى فقالوا له : " إن هذان لساحران يريدان أن
يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى " يعني ملكهم الذي هم فيه
والعيش ، وأبوا على موسى أن يعطوه شيئاً مما طلب ، وقالوا له : اجمع
السحرة فإنهم بأرضك كثير ، حتى تغلب بسحرك سحرهما

فأرسل إلى المدائن فحشر له كل ساحر متعلم ، فلما أتوا فرعون قالوا : بم
يعمل هذا الساحر ؟ قالوا : يعمل بالحيات قالوا : فلا والله ما أحد في
الأرض يعمل السحر بالحيات والحبال والعصي الذي نعمل ، فما أجرنا إن نحن
غلبنا ؟ قال لم : أنتم أقاربي وخاصتي ، وأنا صانع إليكم كل شيء أحببتم ،
فتواعدوا : " يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى "

قال سعيد : فحدثني ابن عباس أن يوم الزينة ، اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة ، هو يوم عاشوراء

فلما اجتمعوا في صعيد قال الناس بعضهم لبعض : انطلقوا فلنحضر هذا الأمر "
لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين " يعنون موسى وهارون استهزاء بهما ،
فقالوا يا موسى ، بعد تريثهم بسحرهم : " إما أن تلقي وإما أن نكون نحن
الملقين " قال بل ألقوا ، " فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا
لنحن الغالبون " فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه خيفة ، فأوحي الله
إليه : " أن ألق عصاك " فلما ألقاها صارت ثعباناً عظيمة فأغرة فاها ، فجعلت
العصا تلتبس بالحبال ، حتى صارت حرزاً للثعابين تدخل فيه حتى ما أبقت عصاً
ولا حباً إلا ابتلعته

فلما عرف السحرة ذلك ، قالوا لو كان هذا سحراً لم يبلغ من سحرنا كل هذا ،
ولكنه أمر من الله تعالى ، آمنا بالله وبما جاء به موسى ، ونتوب إلى الله
مما كنا عليه

فكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه وظهر الحق " وبطل ما كانوا يعملون * فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين "

وامرأة فرعون بارزة مبتذلة تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون وأشياعه ، فمن
رآها من آل فرعون ظن أنها ابتذلت للشفقة على فرعون وأشياعه ، وإنما كان
حزنها وهمها لموسى

فلما طال مكث موسى بمواعيد فرعون الكاذبة ، كلما جاء بآية وعده عندها أن
يرسل معه بني إسرائيل ، فإذا مضت أخلف موعده وقال هل يستطيع ربك أن يصنع
غير هذا ؟ أرسل الله على قومه الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات
مفصلات كل كذلك يشكو إلى موسى ويطلب إليه أن يكفها عنه ، ليوافقه علي أن
يرسل معه بني إسرائيل ، فإذا كف ذلك عنه أخلف بوعده ونكث عهده ، حتى أمر
الله موسى بالخروج بقومه ، فخرج بهم ليلاً

فلما أصبح فرعون ورأى أنهم قد مضوا أرسل في المدائن حاشرين فتتبعه بجنود
عظيمة كثيرة وأوحى الله إلى البحر : إذا ضربك موسى عبدي بعصاه فانفلق اثنتي
عشرة فرقة ، حتى يجوز موسى ومن معه ، ثم التق على من بقى بعد من فرعون
وأشياعه

فنسى موسى أن يضرب البحر بالعصا وانتهى إلى البحر وله قصيف مخافة أن يضربه موسى بعصاه وهو غافل فيصير عاصياً لله عز وجل !

فلما تراءى الجمعان وتقاربا " قال أصحاب موسى إنا لمدركون " افعل ما أمرك
به ربك ، فإنه لم يكذب ولم تكذب ، قال : وعدني ربي إذا أتيت البحر انفرق
اثنتي عشرة فرقة حتى أجاوزه ، ثم ذكر بعد ذلك العصا فضرب البحر بعصاه حين
دنا أوائل جند فرعون من أواخر جند موسى فانفرق البحر كما أمره ربه وكما
وعد موسى فلما أن جاوز موسى وأصحابه كهم البحر ، ودخل فرعون وأصحابه ،
التقي عليهم البحر كما أمر فلما جاوز موسى البحر قال أصحابه : إنا نخاف ألا
يكون فرعون غرق ولا نؤمن بهلاكه ، فدعا ربه فأخرجه له ببدنه حتى استيقنوا
بهلاكه

ثم مروا بعد ذلك على قوم يعكفون على أصنام لهم : " قالوا يا موسى اجعل لنا
إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما
كانوا يعملون " قد رأيتم من العبر وسمعتم ما يكفيكم

ومضى فأنزلهم موسى منزلاً وقال : أطيعوا هارون فإن الله قد استخلفه عليكم ،
فإني ذاهب إلى ربي وأجلهم ثلاثين يوماً أن يرجع إليهم فيها

فلما أتي ربه عز وجل وأراد أن يكلمه في ثلاثين يوماً ، وقد صامهن ليلهن
ونهارهن ، كره أن يكلم ربه وريح فيه ريح فم الصائم ، فتناول موسى شيئاً من
نبات الأرض فمضغه ، فقال له ربه حين أتاه لم أفطرت ؟ - وهو أعلم بالذي كان -
قال : يارب إني كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح قال : أوما علمت يا
موسى أن ريح فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ! ارجع فصم عشراً ثم ائتني ،
ففعل موسى ما أمره به ربه

فلما رأى قوم موسى أنه لم يرجع إليهم في الأجل ساءهم ذلك ، وكان هارون قد
خطبهم فقال : إنكم خرجتم من مصر ولقوم فرعون عندكم عواري وودائع ، ولكم
فيها مثل ذلك وأنا أرى أن تحتسبوا ما لكم عندهم ، ولا أحل لكم وديعة
استودعتموها ولا عارية ، ولسنا برادين إليهم شيئاً من ذلك ولا ممسكيه
لأنفسنا فحفر حفيراً وأمر كل قوم عندهم من ذلك متاع أو حلية أن يقذفوه في
ذلك الحفير ، ثم أوعد عليه النار فأحرقه ، فقال : لا يكون لنا ولا لهم

وكان السامري من قوم يعبدون البقر ، جيران لبني إسرائيل ، ولم يكن من بني
إسرائيل ، فاحتمل مع موسى وبني إسرائيل حين احتملوا فقضي له أن رأى أثراً
فقبض منه قبضة فمر بهارون فقال له هارون : يا سامري ألا تلقي ما في يديك ؟
وهو قابض عليه لا يراه أحد طوال ذلك ، فقال : هذه قبضة من أثر الرسول الذي
جاوز بكم البحر ، ولا ألقيها لشيء ، إلا أن تدعو الله إذا ألقيتها أن يكون
ما أريد ، فألقاها ودعا له هارون فقال : أريد أن تكون عجلاً ، فاجتمع ما
كان في الحفرة من متاع أو حلية أو نحاس أو حديد ، فصار عجلاً أجوف ، ليس
فيه روح وله خوار

قال ابن عباس : لا والله ما كان فيه صوت قط ، إنما كانت الريح تدخل من دبره وتخرج من فيه ، فكان ذلك الصوت من ذلك

فتفرق بنو إسرائيل فرقاً ، فقالت فرقة : يا سامري ما هذا وأنت أعلم له ؟ قال : هذا ربكم ، ولكن موسى أضل الطريق !

وقالت فرقة : لا نكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى ، فإن كان ربنا لم نكن
ضيعناه وعكفنا عليه حين رأيناه ، وإن لم يكن ربنا فإنا نتبع قول موسى

وقالت فرقة : هذا من عمل الشيطان وليس بربنا ولا نؤمن به ولا نصدق ، وأشرب
فرقة في قلوبهم الصدق بما قال السامري في العجل وأعلنوا عدم التكذيب به

فقال لهم هارون عليه السلام : " يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن " ليس هذا

قالوا : فما بال موسى وعدنا ثلاثين يوماً ثم أخلفنا ؟ هذه أربعون يوماً قد مضت وقال سفهاؤهم : أخطأ ربه فهو يطلبه ويبتغيه

فلما كلم الله موسى وقال له ما قال ، أخبره بما لقي قومه من بعده : " فرجع
موسى إلى قومه غضبان أسفا " فقال لهم ما سمعتم مما في القرآن " وأخذ برأس
أخيه يجره إليه " وألقى الألواح من الغضب ثم إنه عذر أخاه بعذره واستغفر
له ، وانصرف إلى السامري فقال له : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : قبضت قبضة
من أثر الرسول وفطنت لها وعميت عليكم " فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي * قال
فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى
إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا " ولو كان إلهاً
لم يخلص إلى ذلك منه

فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة ، واغتبط الذين كان رأيهم فيه مثل رأى هارون ،
فقالوا لجماعتهم : يا موسى سل لنا ربك أن يفتح لنا باب توبة نصنعها
فتكفر عنا ما عملنا فاختار موسى من قومه سبعين رجلاً لذلك ، لا يألوا
الخير من خيار بني إسرائيل ومن لم يشرك في الحق ، فانطلق بهم يسأل لهم
التوبة فرجفت بهم الأرض

فاستحيا نبي الله عليه السلام من قومه ومن وفده حين فعل بهم ما فعل فقال : "
رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا " وفيهم من
كان الله اطلع منه على ما أشرب قلبه من حب العجل وإيمانه به ، لذلك رجفت
بهم الأرض فقال : " ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة
والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه
مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل "

فقال : يارب سألتك التوبة لقومي ، فقلت : إن رحمتي كتبتها لقوم غير قومي ،
فليتك أخرتني حتى تخرجني في أمة ذلك الرجل المرحوم فقال له : إن توبتهم
أن يقتل كل رجل منهم من لقي من والد وولد ، فيقتله السيف ولا يبالي من قتل
في ذلك الموطن

وتاب أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون أمرهم ، واطلع الله من ذنوبهم فاعترفوا بها ، وفعلوا ما أمروا وغفر الله للقاتل والمقتول

ثم سار بهم موسى عليه السلام متوجهاً نحو الأرض المقدسة ، وأخذ الألواح بعد
ما سكت عنه الغضب فأمرهم بالذي أمر به من الوظائف فثقل ذلك عليهم وأبوا أن
يقروا بها ، فنتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة ، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع
عليهم ، فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصغون ينظرون إلى الجبل ، والكتاب
بأيديهم وهم من وراء الجبل مخافة أن يقع عليهم ثم مضوا حتى أتوا الأرض
المقدسة ، فوجدوا مدينة فيها قوم جبارون ، خلقهم خلق منكر ، وذكروا من
ثمارهم أمراً عجباً من عظمها فقالوا : " يا موسى إن فيها قوما جبارين " لا
طاقة لنا بهم ، ولا ندخلها ما داموا فيها ، " فإن يخرجوا منها فإنا داخلون
"

" قال رجلان من الذين يخافون " قيل ليزيد : هكذا قرأه ؟ قال : نعم ، من
الجبارين ، آمنا بموسى وخرجا إليه ، فقالوا : نحن أعلم بقومنا إن كنتم إنما
تخافون ما رأيتم من أجسامهم وعددهم فإنهم لا قلوب لهم ولا منعة عندهم ،
فادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ويقول أناس : إنهم من قوم
موسى

فقال الذين يخافون من بني إسرائيل : " يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا
فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " فأغضبوا موسى ، فدعا عليهم
وسماهم فاسقين ، ولم يدع عليهم قبل ذلك لما رأى منهم من المعصية وإساءتهم ،
حتى كان يومئذ فاستجاب الله له ، وسماهم كما سماهم موسى فاسقين ، فحرمها
عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض ، يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار ثم
ظلل عليهم الغمام في التيه ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وجعل لهم ثياباً
لا تبلى ولا تتسخ ، وجعل بين ظهرانيهم حجراً مربعاً ، وأمر موسى فضربه
بعصاه ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، في كل ناحية ثلاثة أعين ، وأعلم كل
سبط عينهم التي يشربون منها ، فلا يرتحلون من محلة إلا وجدوا ذلك الحجر
بينهم بالمكان الذي كان فيه بالمنزل الأول بالأمس

رفع ابن عباس هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وصدق ذلك عندي أن
معاوية سمع ابن عباس يحدث هذا الحديث فأنكر عليه أن يكون الفرعوني الذي
أفشى على موسى أمر القتيل الذي قتل فقال : كيف يفشي عليه ولم يكن علم به
ولا ظهر عليه إلا الإسرائيلي الذي حضر ذلك ؟ فغضب ابن عباس ، فأخذ بيت
معاوية وانطلق به إلى سعد بن مالك الزهري ، فقال له : يا أبا إسحاق هل
تذكر يوم حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتيل موسى الذي قتل من آل
فرعون ؟ الإسرائيلي الذي أفضي عليه أم الفرعوني ؟ قال : إنما أفشى عليه
الفرعوني بما سمع من الإسرائيلي الذي شهد ذلك وحضره

وهكذا ساق هذا الحديث الإمام النسائي ، وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيرهما من حديث يزيد بن هارون

والأشبه - والله أعلم - أنه موقوف ، وكونه مرفوعاً فيه نظر

وغالبة متلقى من الإسرائيليات ، وفيه شيء يسير مصرح برفعه في أثناء الكلام

وفي بعض ما فيه نظر ونكارة ، والأغلب أنه من كلام كعب الأحبار وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاح المزي يقول ذلك والله أعلم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالأحد يناير 13, 2013 11:21 am

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465





قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



ذكر بناء قبة الزمان




قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465





قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قال أهل الكتاب : وقد أمر الله موسى عليه السلام بعمل قبة من خشب الشمشاز
وجلود الأنعام وشعر الأنعام ، وأمر بزينتها بالحرير المصبغ والذهب والفضة
على كيفيات مفصلة عند أهل الكتاب ، ولها عشر سرادقات ، طول كل واحد ثمانية
وعشرون ذراعاً ، وعرضه أربعة أذرع ولها أربعة أبواب وأطناب من حرير ودمقس
مصبغ ، وفيها رفوف وصفائح من ذهب وفضة ولكل زواية بابان وأبواب أخر كبيرة ،
وستور من حرير مصبغ وغير دلك مما يطول ذكره ، وبعمل تابوت من خشب الشمشاز
يكون بطوله ذراعين ونصفاً ، وعرضه ذراعين وارتفاعه ذراعاً ونصفاً ، ويكن
مضبباً بذهب خالص من داخله وخارجه ، وله أربع حلق في أربع زواياه ، ويكون
على حافتيه كروبيان من ذهب - يعنون صفة ملكين بأجنحة - وهما متقابلان صنعة
رجل اسمه : بصليال



وأمره أن يعمل مائدة من خشب الشمشاز طولها ذراعان وعرضها ذراعان ونصف ، لها
ضباب ذهب وإكليل ذهب بشفة مرتفعة بإكليل من ذهب ، وأربع حلق من نواحيها من
ذهب ، مغرزة في مثل الرمان من خشب ملبس ذهباً وأن يعمل صحافاً ومصافي
وقصاعاً على المائدة ، ويصنع منارة من الذهب دلي فيها ست قصبات من ذهب ، من
كل جانب ثلاثة ، على كل قصبة ثلاثة سرج ، وليكن في المنارة أربع قناديل ،
ولتكن هي وجميع هذه الآنية من ذهب صنع ذلك بصليال أيضاً ، وهو الذي عمل
المذبح أيضاً



ونصبت هذه القبة أول يوم من سنتهم ، وهو أول يوم من الربيع ونصب تابوت
الشهادة ، وهو - والله أعلم - المذكور في قوله تعالى : " إن آية ملكه أن
يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله
الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين "



وقد بسط هذا الفصل في كتابهم مطولاً جداً ، وفيه شرائع لهم وأحكام وصفة
قربانهم ، وكيفيته وفيه أن قبة الزمان كانت موجودة قبل عبادتهم العجل الذي
هو متقدم على مجيئهم بيت المقدس ، وأنها كانت لهم كالكعبة يصلون فيها
وإليها ، ويتقربون عندها ، وأن موسى عليه السلام كان إذا دخلها يقفون عندها
، وينزل عمود الغمام على بابها ، فيخرون عند ذلك سجداً لله عز وجل



ويكلم الله موسى عليه السلام من ذلك العمود الغمام الذي هو نور ويخاطبه
ويناجيه ، ويأمره وينهاه ، وهو واقف عند التابوت صامد إلى ما بين الكروبيين
فإذا فصل الخطاب يخبر بني إسرائيل بما أوحاه الله عز وجل إليه من الأوامر
والنواهي



وإذا تحاكموا إليه في شيء ليس عنده من الله فيه شيء ، يجيء إلى قبة الزمان ،
ويقف عند التابوت ويصمد لما بين ذينك الكروبيين ، فيأتيه الخطاب بما فيه
فصل تلك الحكومة



وقد كان هذا مشروعاً لهم في زمانهم ، أعنى استعمال الذهب والحرير المصبغ
واللآلئ ، في معبدهم وعند مصلاهم ، فأما في شريعتنا فلا ، بل قد نهينا عن
زخرفة المساجد وتزيينها ، لئلا تشغل المصلين كما قال عمر بن الخطاب رضي
الله عنه ، لما وسع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، للذي وكله على
عمارته : ابن للناس ما يكنهم ، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس ، وقال
ابن عباس : لا تزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى كنائسها



وهذا من باب التشريف والتكريم والتنزيه ، فهذه الأمة غير مشابهة من كل
قبلهم من الأمم ، إذ جمع الله هممهم في صلاتهم على التوجه إليه والإقبال
عليه ، وصان أبصارهم وخواطرهم عن الإشتغال والتفكير في غير ما هم بصدده من
العبادة العظيمة فلله الحمد والمنة



وقد كانت قبة الزمان هذه مع بني إسرائيل في التيه ، يصلون إليه وهي قبلتهم
وكعبتهم ، وإمامهم كليم الله موسى عليه السلام ، ومقدم القربان أخوه هارون
عليه السلام



فلما مات هارون ثم موسى عليهما السلام استمر بنو هارون في الذي كان يليه أبوهم ، من أمر القربان وهو فيهم إلى الآن



وقام بأعباء النبوة بعد موسى وتدبير الأمر بعده فتاه يوشع بن نون عليه السلام ، وهو الذي دخل بهم بيت المقدس كما سيأتي بيانه



والمقصود هنا أنه لما استقرت يده على البيت المقدس ، نصب هذه القبة على
صخرة بيت المقدس فكانوا يصلون إليها فلما بادت صلوا إلى محلتها وهي الصخرة
، فلهذا كانت قبلة الأنبياء بعده إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وقد صلى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ، وكان يجعل الكعبة
بين يديه ، فلما هاجر أمر بالصلاة إلى بيت المقدس فصلي إليه ستة عشر -
وقيل سبعة عشر -شهراً



ثم حولت القبلة إلى الكعبة وهي قبلة إبراهبم الخليل في شعبان سنة ثنتين في
وقت صلاة العصر وقبل الظهر ، كما بسطنا ذلك في التفسير عند قوله تعالى : "
سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " إلى قوله : "
قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد
الحرام " الآيات



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



تحياتي لكم



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالأحد يناير 13, 2013 11:23 am

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصة قارون مع موسى عليه السلام

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قال الله تعالى : " إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز
ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا
يحب الفرحين * وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا
وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب
المفسدين * قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من
قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون *
فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما
أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير
لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون * فخسفنا به وبداره الأرض فما
كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين * وأصبح الذين
تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر
لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون * تلك الدار
الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين "


قال الأعمش عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان
قارون ابن عم موسى ، وكذا قال إبراهيم النخعي وعبد الله بن الحارث بن نوفل ،
وسماك بن حرب وقتادة ومالك بن دينار وابن جريج وزاد فقال : هو قارون بن
يصهب بن قاهث ، وموسى ابن عمران بن قاهث قال ابن جرير : وهذا قول أكثر أهل
العلم ، أنه كان ابن عم موسى ، ورد قول ابن إسحاق أنه كان عم موسى قال
قتادة : وكان يسمى المنور لحسن صوته بالتوراة ، ولكن عدو الله نافق كما
نافق السامري ، فأهلكه البغي لكثرة ماله ، وقال شهر بن حوشب : زاد في ثيابه
شبراً طولاً ترفعاً على قومه

وقد ذكر الله تعالى كثر كنوزه ، حتى إن مفاتحه كان يثقل حملها على الفئام
من الرجال الشداد ، وقد قيل إنها كانت من الجلود وإنها كانت تحمل على ستين
بغلاً فالله أعلم

وقد وعظه النصحاء من قومه قائلين : " لا تفرح " أي لا تبطر بما أعطيت وتفخر
على غيرك " إن الله لا يحب الفرحين * وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة "
يقولون : لتكن همتك مصروفة لتحصيل ثواب الله في الدار الآخرة ، فإنه خير
وأبقى ، ومع هذا : " لا تنس نصيبك من الدنيا " أي وتناول منها بمالك ما أحل
الله لك ، فتمتع لنفسك بالملاذ الطيبة الحلال ، " وأحسن كما أحسن الله
إليك " أي وأحسن إلى خلق الله كما أحسن الله خالقهم وبارئهم إليك ، " ولا
تبغ الفساد في الأرض " أي ولا تسئ إليهم ولا تفسهم فيهم ، فتقابلهم ضد ما
أمرت فيهم فيعاقبك ويسلبك ما وهبك : " إن الله لا يحب المفسدين "

فما كان جواب قومه لهذه النصيحة الصحيحة الفصيحة إلا أن " قال إنما أوتيته
على علم عندي " يعنى أنا لا أحتاج إلى استماع ما ذكرتم ، ولا إلى ما إليه
أشرتم ، فإن الله إنما أعطاني هذا لعلمه أني أستحقه ، وأني أهل له ، ولولا
أني حبيب إليه وحظي عنده لما أعطاني ما أعطاني

قال الله تعالى رداً عليه فيما ذهب إليه : " أولم يعلم أن الله قد أهلك من
قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون "
أي قد أهلكنا من الأمم الماضين بذنوبهم وخطياهم من هو أشد من قارون قوة
وأكثر أموالاً وأولاداً فلو كان ما قال صحيحاً لم نعاقب أحداً ممن كان أكثر
مالاً منه ، ولم يكن ماله دليلاً على محبتنا له واعتنائنا به ، كما قال
تعالى : " وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن
وعمل صالحا " وقال تعالى : " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع
لهم في الخيرات بل لا يشعرون " وهذا الرد عليه يدل على صحة ما ذهبنا إليه
من معنى قوله : " إنما أوتيته على علم عندي "

وأما من زعم أن المراد من ذلك أنه كان يعرف صنعة الكيمياء ، لو أنه كان
يحفظ الإسم الأعظم فاستعمله في جمع الأموال ، فليس بصحيح ، لأن الكيمياء
تخييل وصنعة ، ولا تحيل الحقائق ، ولا تشابه صنعة الخالق والإسم الأعظم لا
يصعد الدعاء به من كافر به ، وقارون كان كافراً في الباطن منافقاً في
الظاهر ثم لا يصح جوابه لهم بهذا على التقدير ، ولا يبقى بين الكلامين
تلازم وقد وضحنا هذا في كتابنا التفسير ، ولله الحمد

قال الله تعالى : " فخرج على قومه في زينته " ذكر كثير من المفسرين أنه خرج
في تجمل عظيم ، من ملابس ومراكب وخدم وحشم ، فلما رآه من يعظم زهرة الحياة
الدنيا تمنوا أن لو كانوا مثله ، وغبطوا بما عليه وله ، فلما سمع مقالتهم
العلماء ، ذوو الفهم الصحيح الزهاد الأنباء ، قالوا لهم : " ويلكم ثواب
الله خير لمن آمن وعمل صالحا " أي ثواب الله في الدار الآخرة خير وأبقى
وأجل وأعلى قال الله تعالى : " ولا يلقاها إلا الصابرون " أي وما يلقى هذه
النصيحة وهذه المقالة وهذه الهمة السامية إلى الدار الآخرة العلية ، عند
النظر إلى زهرة هذه الدنيا الدنية إلا من هدى الله قلبه وثبت فؤاده ، وأيد
لبه وحقق مراده

وما أحسن ما قال بعض السلف : إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ، والعقل الكامل عند حلول الشهوات

قال الله تعالى : " فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين "

لما ذكر تعالى خروجه في زينته واختياله فيها ، وفخره على قومه بها قال : "
فخسفنا به وبداره الأرض " كما روى البخاري من حديث الزهري عن سالم عن
أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به
فهو يتجلجل في الأرض إلي يوم القيامة "

ثم رواه البخاري من حديث جرير بن زيد ، عن سالم ، عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم نحوه ، وقد ذكر عن ابن عباس والسدي : أن قارون أعطى
امرأة بغياً ما لا على أن تقول لموسى عليه السلام وهو في ملأ من الناس :
إنك فعلت بي كذا وكذا ، فيقال إنها قالت له ذلك ، فأرعد من الفرق وصلى
ركعتين ، ثم أقبل عليها فاستحلفها من ذلك على ذلك ، وما حملك عليه ، فذكرت
أن قارون هو الذي حملها على ذلك واستغفرت الله وتابت إليه فعند ذلك خر
موسى لله ساجداً ودعا الله على قارون فأوحى الله إليه : إني قد أمرت الأرض
أن تطيعك فيه ، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره ، فكان ذلك والله أعلم

وقد قيل إن قارون لما خرج على قومه في زينته مر بجحفله وبغاله وملابسه على
مجلس موسى عليه السلام ، وهو يذكر قومه بأيام الله فلما رآه الناس انصرفت
وجوه كثير منهم ينظرون إليه فدعاه موسى عليه السلام فقال له : ما حملك على
هذا ؟ ققال : يا موسى أما لئن كنت فضلت علي بالنبوة ، فقد فضلت عليك
بالمال ، ولئن شئت لتخرجن فلتدعون على ولأدعون عليك

فخرج موسى وخرج قارون في قومه ، فقال له موسى : تدعو أو أدعو أنا ؟ قال :
أدعو أنا ، فدعا قارون فلم يجب له في موسى ، فقال موسى : أدعو ؟ قال : نعم
فقال موسى : اللهم مر الأرض فلتطعني اليوم ، فأوحى الله إليه : إني قد
فعلت فقال موسى : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى أقدامهم ، ثم قال : خذيهم ،
فأخذتهم إلى ركبهم ، ثم إلى مناكبهم ثم قال : أقبلي بكنهوزهم وأموالهم ،
فأقبلت بها حتى نظروا إليها ، ثم أشار موسى بيده فقال : اذهبوا بني لاوي ،
فاستوت بهم الأرض

وقد روى عن قتادة أنه قال : يخسف بهم كل يوم قامة إلى يوم القيامة ، وعن
ابن عباس أنه قال : خسف بهم إلى الأرض السابعة وقد ذكر كثير من المفسرين
هاهنا إسرائيليات كثيرة ، أضربنا عنها صفحاً وتركناها قصداً

وقوله تعالى : " فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من
المنتصرين " لم يكن ناصر له من نفسه ولا من غيره كما قال : " فما له من قوة
ولا ناصر "

ولما حل به ما حل من الخسف وذهاب الأموال وخراب الدار ، وإهلاك النفس
والأهل والعقار ، ندم من كان يتمني مثل ما أوتي ، وشكروا الله تعالى ، الذي
يدبر عباده بما يشاء من حسن التدبير المخزون ، ولهذا قالوا : " لولا أن من
الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون " وقد تكلمنا على لفظ : "
ويكأن " في التفسير ، وقد قال قتادة ، ويكأن بمعنى ألم ترأن وهذا قول حسن
من حيث المعنى والله أعلم

ثم أخبر تعالى : أن " الدار الآخرة " وهي دار القرار ، وهي الدار التي يغبط
من أعطيها ويعزى من حرمها إنما هي معدة " للذين لا يريدون علوا في الأرض
ولا فسادا " فالعلو هو التكبر والفخر والأشر والبطر

والفساد هو عمل المعاصي اللازمة والمتعدية ، من أخذ أموال الناس وإفساد معايشهم ، والإساءة إليهم وعدم النصح لهم

ثم قال تعالى : " والعاقبة للمتقين "

وقصة قارون هذه قد تكون قبل خروجهم من مصر ، لقوله : " فخسفنا به وبداره
الأرض " فإن الدار ظاهرة في البنيان ، وقد تكون بعد ذلك في التيه ، وتكون
الدار عبارة على المحلة التي تضرب فيها الخيام ، كما قال عنترة :

يا دار عبلة بالجواء تكلمي وعمى صباحاً دار عبلة واسلمي

والله أعلم

وقد ذكر الله تعالى مذمة قارون في غير ما آية من القرآن ، قال الله : "
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا
ساحر كذاب "

وقال تعالى في سورة العنكبوت بعد ذكر عاد وثمود : " وقارون وفرعون وهامان
ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين * فكلا
أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من
خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم
يظلمون "

فالذي خسف به الأرض قارون كما تقدم ، والذي أغرق فرعون وهامان وجنودهما أنهم كانوا خاطئين

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا سعيد ، حدثنا كعب بن
علقمة ، عن عيسى بن هلال الصدفي ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال : " من حافظ عليها كانت له نوراً
وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان
ولا نجاة ، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف " انفرد
به أحمد رحمه الله

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالأحد يناير 13, 2013 11:58 am

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

باب ذكر فضائل موسى عليه السلام

وشمائله وصفاته ووفاته


قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قال الله تعالى :" واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا *
وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا * ووهبنا له من رحمتنا أخاه
هارون نبيا "

وقال تعالى :" قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين "

وتقدم في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لا تفضلوني
على موسى ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق ، فأجد موسى
باطشاً بقائمة العرش ، فلا أدري أصعق فأفاق قبلي ؟ أم جوزي بصعقة الطور ؟ "

وقد قدمنا أنه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من باب الهضم والتواضع ،
وإلا فهو - صلوات الله وسلامه عليه - خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم في الدنيا
والآخرة ، قطعاً جزماً لا يحتمل النقيض

وقال تعالى :" إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده
وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط " إلى أن قال :"
ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما "

وقال تعالى :" يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها "

قال الإمام أبو عبد الله البخاري : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ابن روح بن
عبادة ، عن عوف عن الحسن ومحمد وخلاس ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :" إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً لا يرى من جلده شيء
استحياء منه " فآذاه من آذاه من بني إسرائيل ، فقالوا : ما يستتر هذا
التستر إلا من عيب بجلده ، إما برص ، وإما أدرة ، وإما آفة وإن الله عز
وجل أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى ، فخلا يوماً وحده ، فوضع ثيابه على
الحجر ثم اغتسل ، فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها ، وإن الحجر عدا بثوبه ،
فأخذ موسى عصاه وطلب ألحجر فجعل يقول : ثوبي حجر ، ثوبي حجر ، حتى انتهى
إلى ملأ من بني إسرأئيل فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله ، وبرأه الله مما
يقولون ، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه ، وطفق بالحجر ضرباً بعصاه ، فوالله
إن بالحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً فذلك قوله عز وجل
: " يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا
وكان عند الله وجيها "

وقد رواه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن شقيق وهمام بن منبه عن أبي هريرة
به وهو في الصحيحين من حديث عبد الرزاق عن معمر عن ثمام عنه به ورواه
مسلم من حديث عبد الله بن شقيق العقيلي عنه

قال بعض السلف : كان من وجاهته أنه شفع في أخيه عند الله ، وطلب منه أن
يكون معه وزيراً ، فأجابه الله إلى سؤاله وأعطاه طلبته وجعله نبياً ، ؟ قال
" ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا "

ثم قال البخاري : حدثنا أبو الوليد : حدثنا شعبة عن الأعمش قال : سمعت أبا
وائل ، قال : سمعت عبد الله ، قال : قسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
قسماً ، فقال رجل : إن هذه القسكة ما أريد بها وجه الله ، فأتيت النبي (صلى
الله عليه وسلم) فأخبرته فغضب ، حتى رأيت الغضب في وجهه ، ثم قال : " يرحم
الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر وكذا رواه مسلم من غير وجه عن سليمان
بن مهران الأعمش به

وقال الإمام أحمد : حدثنا أحمد بن حجاج ، سمعت إسرائيل بن يونس ، عن الوليد
بن أبي هاشم مولى لهمدان ، عن زيد بن أبي زائد ، عن عبد الله بن مسعود قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه :" لا يبلغني أحد من أحد
شيئاً ، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر " قال : وأتي رسول الله
مال فقسمه ، قال : فمررت برجلين وأحدهما يقول لصاحبه : والله ما أراد محمد
بقسمته وجه الله ولا الدار الآخرة فثبت حتى سمعت ما قالا ، ثم أتيت رسول
الله فقلت : يا رسول الله إنك قلت لنا لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي
شيئاً وإني مررت بفلان وفلان

وهما يقولان كذا وكذا فاحمر وجه رسول الله وشق عليه ، ثم قال : " دعنا منك فقد أوذي موسى أكثر من ذلك فصبر "

وهكذا رواه أبو داود والترمذي من حديث إسرائيل عن الوليد بن أبي هاشم به
وفي رواية للترمذي ولأبي داود من طريق ابن عبد عن إسرائيل عن السدي عن
الوليد به وقال الترمذي : غريب من هذا الوجه

وقد ثبت في الصحيحين في أحاديث الإسراء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بموسى وهو قائم يصلى في قبره ، ورواه مسلم عن أنس

وفي الصحيحين من رواية قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه مر ليلة أسرى به بموسى في السماء السادسة ، فقال له جبريل :
هذا موس ، فسلم عليه قال : " فسلمت عليه فقال : مرحباً بالنبي الصالح
والأخ الصالح ، فلما تجاوزت بكى قيل له ما يبكيك ؟ قال : أبكي لأن غلاماً
بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخله من أمتي "

وذكر إبراهيم في السماء السابعة ، وهذا هو المحفوظ

وما وقع في حديث شريك بن أبي نمر ، عن أنس ، من أن إبراهيم في السادسة
وموسى في السابعة ، بتفضيل كلام الله - فقد ذكر غير واحد من الحفاظ : أن
الذي عليه الجادة : أن موسى في السادسة وإبراهيم في السابعة ، وأنه مسند
ظهره إلى البيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا
يعودون إليه أخر ما عليهم

واتفقت الروايات كلها على أن الله تعالى لما فرض على محمد صلى الله عليه
وسلم وأمته خمسين صلاة في اليوم والليلة - مر بموسى ، فقال : ارجع إلى ربك
فسله التخفيف لأمتك ، فإني قد عالجت بني إسرائيل قبلك أشد المعالجة ، وإن
أمتك أضعف أسماعاً وأبصاراً وأفئدة فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله عز
وجل ، ويخفف عنه في كل مرة ، حتى صارت إلى خمس صلوات في اليوم والليلة
وقال الله تعالى : هي خمس وهي خمسون أي بالمضاعفة ، فجزي الله عنا محمداً
صلى الله عليه وسلم خيراً ، وجزي الله عنا موسى عليه السلام خيراً

وقال البخاري : حدثنا مسدد ، حدثنا حصين بن نمير عن حصين بن عبد الرحمن عن
سعيد بن جبيرعن ابن عباس قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوماً فقال :" عرضت علي الأمم ورأيت سواداً كثيراً سد الأفق ، فقيل هذا
مومى في قومه "

هكذا روى البخاري هذا الحديث هاهنا مختصراً

وقد رواه الإمام أحمد مطولاً فقال : حدثنا شريح ، حدثنا هشام ، حدثنا حصين
بن عبد الرحمن ، قال : كنت عند سعيد بن جبير فقال : أيكم رأى الكوكب الذي
انقض البارحة ؟ قلت ؟ إني ، ثم قلت : إني لم أكن في صلاة ولكن لدغت قال ،
وكيف فعلت ؟ قلت : استرقيت قال : وما حمللث على ذلك ؟ قال قلت : حديث
حدثناه الشعبي عن بريدة الأسلمي أنه قال : لا رقية إلا من عين أو حمة
فقال سعيد - يعني ابن جبير- قد أحسن من أنهي إلى ماسع

ثم قال : حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عرضت علي الأمم
فرأيت الني ومعه الرهط ، والنبي معه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد ،
إذ رفع لي سواد عظيم فقلت : هذه أمتي ؟ فقيل : هذا موسى وقومه ، ولكن انظر
إلى الأفق ، فإذا سواد عظيم ، ثم قيل انظر إلى هذا الجانب ، فإذا سواد
عظيم ، فقيل : هذه أمتك ومعهم سبعون ألفأ يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب

ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل ، فخاض القوم في ذلك ، فقالوا :
من هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ؟ فقال بعضهم : لعلهم
الذين صحبوا النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال بعضهم : لعلهم الذين ولدوا
في الإسلام ولم يشركوا بالله شيئاً قط ، وذكروا أشياء

فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذا الذي كنتم تخوضون
فيه ؟ فأخبروه بمقالتهم فقال : هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون
وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن الأسدي فقال : أنا منهم يا رسول
الله ؟ قال : أنت منهم ثم قام آخر فقال : أنا منهم يا رسول الله ؟ فقال :
سبقك بها عكاشة !

وهذا الحديث له طرق كثيرة جداً وهو في الصحاح والحسان وغيرها وقد أوردناها في باب صفة الجنة عند ذكر أحوال القيامة وأهوالها

وقد ذكر الله تعالى موسى عليه السلام في القرآن كثيراً ، وأثني عليه وأورد
قصته في كتابه العزيز مراراً ، وكررها كثيراً ، مطولة ومبسوطة ومختصرة ،
وأثني عليه ثناء بليغاً

وكثيراً ما يقرنه الله ويذكره ، ويذكر كتابه مع محمد صلى الله عليه وسلم
وكتابه ، كما قال في سورة البقرة : " ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما
معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا
يعلمون "

وقال تعالى : " الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم * نزل عليك الكتاب
بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل * من قبل هدى للناس وأنزل
الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام "

وقال تعالى في سورة الأنعام : " وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل
الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس
تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم
قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون * وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين
يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على
صلاتهم يحافظون "

فأثني الله تعالى على التوراة ، ثم مدح القرآن العظيم مدحاً عظيماً

وقال تعالى في آخرها :" ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا
لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون * وهذا كتاب أنزلناه مبارك
فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون "

وقال تعالى في سورة المائدة :" إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها
النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من
كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي
ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " إلى أن قال :"
وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الفاسقون * وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب
ومهيمنا عليه " الآية

فجعل القرآن حاكماً على سائر الكتب غيره ،وجعله مصدقاً لها ومبيناً ما وقع
فيها من التحريف والتبديل ، فإن أهل الكتاب استحفظوا على ما بأيديهم من
الكتب ، فلم يقدروا على حفظها ولا على ضبطها وصونها ، فلهذا دخلها ما دخلها
من تغييرهم وتبديلهم ، ولسوء فهمهم وقصورهم في علومهم ، ورداءة قصودهم
وخيانتهم لمعبودهم ، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ، ولهذا
يوجد في كتبهم من الخطأ البين على الله وعلى رسوله - مالا يحد ولا يوصف
-ومالا يوجد مثلة ولا يعرف

وقال تعالى في سورة الأنبياء :" ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء
وذكرا للمتقين * الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون * وهذا ذكر
مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون "

وقال الله تعالى في سورة القصص : " فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا
أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران
تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون * قل فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما
أتبعه إن كنتم صادقين "

فأثني الله على الكتابين وعلى الرسولين عليهما السلام

وقالت الجن لقومهم :" إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى "

وقال ورقة بن نوفل لما قص عليه رسول الله خبر ما رأى من أول الوحي وتلا
عليه :" اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم *
الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم " قال : سبوح سبوح ، هذا
الناموس الذي أنزل على موسى ابن عمران

وبالجملة فشريعة موسى عليه السلام كانت شريعة عظيمة ، وأمته كانت أمة كثيرة
، ووجد فيها أنبياء وعلماء ، وعباد وزهاد وألباء وملوك وأمراء ، وسادات
وكبراء ، لكهنم كانوا فبادوا ، وتبدلوا كما بدلت شريعتهم ومسخوا قردة
وخنازير ، ثم نسخت بعد كل حساب ملتهم ، وجرت عليهم خطوب وأمور يطول ذكرها
ولكن سنورد ما فيه مقنع لمن أراد أن يبلغه خبرها إن شاء الله ، وبه الثقة
وعليه التكلان

ذكر حجه عليه السلام إلى البيت العتيق ، وصفته

قال الإمام أحمد : حدثنا هشام ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن أبي العالية ،
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بوادي الأزرق فقال :" أي
واد هذا ، قالوا : وادي الأزرق ، قال : كأني أنظر إلى موسى وهو هابط من
الثنية ، وله جؤار إلى الله عز وجل بالتلبية ، حتى أتي على ثنية هرشاء
فقال أي ثنية هذه ؟ قالوا : هذه ثنية هرشاء ، قال : كأني أنظر إلى يونس
بن متى على ناقة حمراء ، عليه جبة من صوف ، خطام ناقته خلبة - قال هشيم :
يعني ليفاً - وهو يلبي " أخرجه مسلم من حديث داود بن أبي هند به

وروى الطبراني عن ابن عباس مرفوعاً : أن موسى حج على ثور أحمر وهذا غريب جداً

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدى ، عن ابن عون ، عن مجاهد قال :
كنا عند ابن عباس فذكروا الدجال ، فقال : إنه مكتوب بين عينيه ك ف ر
فقال : ما يقولون ؟ قال : يقولون مكتوب بين عينيه ك ف رضي الله عنه فقال
ابن عباس ، لم أسمعه قال ذلك ولكن قال أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم ،
وأما موسى فرجل آدم جعد الشعر على جمل أحمر مخطوم بخلبة ، كأني أنظر إئجه
وقد انحدر من الوادي يلبي قال هشيم : الخلبة : الليف

ثم روه الإمام أحمد عن أسود ، عن إسرائيل ، عن عثمان بن المغيرة ، عن
مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت عيسى
ابن مريم وموسى وإبراهيم : فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر ، وأما موسى
فآدم جسيم سبط قالوا : فإبراهيم ؟ قال : انظروا إلى صاحبكم

وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثغا شيبان قال : حدث قتادة عن أبي
العالية ، حدثنا ابن عم نبيكم ابن عباس قال : قال نبي الله :" رأيت ليلة
أسرى بي موسى بن عمران رجلاً طوالاً جعداً ، كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت
عيسى ابن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض ، سبط الرأس "

وأخرجاه من حديث قتادة به وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا
معمر قال الزهري : وأخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين أسري به :" لقد لقيت موسى ، قال فنعته ، فإذأ
رجل - حسبته قال - مضطرب ، رجل الرأس كأنه من رجال الشنوءة ، ولقيمت عيسى
فنعته رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس -
يعني الحمام - قال : ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به " الحديث وقد تقدم
غالب هذه الأحاديث في ترجمة الخليل

ذكر وفاته عليه السلام

قال البخاري في صحيحه : وفاة موسى عليه السلام حدثنا يحيى بن موسى ،
حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر عن ابن طاووس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال
: أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام ، فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه عز
وجل ، فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ، قال : أرجع إليه فقل له يضع
يده على متن تور ، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة قال : أي رب ثم ماذا ؟
قال : ثم الموت ، قال : فالآن

قال : فسأل الله عز وجل أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر قال أبو هريرة
: فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى
جانب الطريق عند الكثيب الأحمر

قال : وأنبأنا معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) نحوه

وقد روى مسلم الطريق الأول من حديث عبد الرزاق به ورواه الإمام أحمد من
حديث حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، عن أبي هريرة مرفوعاً وسيأتي

وقال الإمام أحمد : حدثنا الحسن ، حدثنا لهيعة ، حدثنا أبو يونس - يعنى
ساليم بن جبير -عن أبي هريرة ؟ قال : الإمام أحمد لم يرفعه ، قال : ((
جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام ، فقال : أجب ربك ، فلطم موس عين ملك
الموت ففقأها ، فرجع الملك إلى الله فقال : إنك بعثتني إلى عبد لك لا يريد
الموت ، قال : وقد فقأ عيني قال : فرد الله عينه ، وقال :ارجع إلى عبدي
فقل له : الحياة تريد ؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور ، فما
وارت يدك من شعره فإنك تعيش بها سنة قال : ثم مه ؟ قال : ثم الموت قال :
فالآن يا رب من قريب

تفرد به أحمد ،وهو موقوف بهذا اللفظ

وقد رواه ابن حبان في صحيحه من طريق معمر ، عن ابن طاووس ، عن أبيه عن أبي
هريرة ، قال معمر : وأخبرني من سمع الحسن عن رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) فذكره

ثم أستشكله ابن حبان ، وأجاب عنه بما حاصله : أن ملك الموت لما قال له هذا
لم يعرفه ، لمجيئه له على غير صورة يعرفها موسى عليه السلام كما جاء جبريل
في صورة أعرابي ، وكما وردت الملائكة على إبراهيم ولوط في صورة شباب ، فلم
يعرفهم إبراهيم ولا لوط أولا وكذلك موسى لعله لم يعرفه ، لذلك لطمه ففقأ
عينه لأنه دخل داره بغير إذن ، وهذا موافق لشريعتنا في جواز فقء عين من نظر
إليك في دارك بغير إذن

ثم أورد الحديث من طريق عبد الرزاق عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :" جاء ملك الموت إلى موسى ليقبض روحه
، قال له : أجب ربك ، فلطهم موسى عين ملك الموت ففقأ عينه " وذكر تمام
الحديث كما أشار إليه البخاري

ثم تأوله على أنه لما رفع يده ليلطمه ، قالى له : أجب ربك ، وهذا التأويل
لا يتمشى على ما ورد به اللفظ ، من تعقيب قوله : أجب ربك بلطمه ولو استمر
على الجواب الأول لتمشي له ، وكأنه لم يعرفه في تلك الصورة ، ولم يحمل قوله
هذا على أنه مطابق ، إذ لم يتحقق في تلك الساعة الراهنة أنه ملك كريم ،
لأنه كان يرجو أموراً كثيرة كان يحب وقوعها في حياته ، من خروجهم من التيه ،
ودخولهم الأرض المقدسة ، وكان قد سبق في قدر الله أنه عليه السلام يموت في
التيه بعد هارون أخيه ، سنبينه إن شاء الله تعالى

وقد زعم بعضهم : أن موسى عليه السلام هو الذي خرج بهم من التيه ودخل بهم
الأرض المقدسة وهذا خلاف ما عليه أهل ألكتاب وجمهور المسلمين

ومما يدلى على ذلك قوله لما اختار الموت : رب أدنني إلى ، الأرض المقدسة
رمية حجر ، ولو كان قد دخلها لم يسأل ذلك ولكن لما كان مع قومه بالتيه
وفاته عليه السلام أحب أن يتقرب إلى الأرض التي هاجر إليها ، وحث قومه
عليها ولكن حال بينهم وبينها القدر ، رمية بحجر

ولهذا قال سيد البشر ، ورسول الله إلى أهل الوبر والمدر : فلو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان : حدثنا حماد ، حدثنا ثابت وسليمان التيمي
عن أنس بن مالك أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال :" لما أسري بي
مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر " ورواه مسلم من
حديث حماد بن سلمة به

وقال السدي عن أبي مالك وأبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، وعن ابن مسعود
، وعن ناس من الصحابة قالوا : ثم إن الله تعالى أوحى إلى موسى إني متوف
هارون فائت به جبل كذا وكذا

فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل ، فإذا هم بشجرة لم تر شجرة مثلها ، وإذا
هم ببيت مبني ، وإذا هم بسرير عليه فرش ، وإذا فيه ريح طيبة فلما نظر
هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه ، قال : يا موسى إني أحب أن
أنام على هذا السرير ، قال له موسى : فنم عليه ، قال : إني أخاف أن يأتي
ربي هذا البيت فيغضب علي ، قال له : لا ترهب أنا أكفيك رب هذا البيت فنم
قال : يا موسى بل نم معي فإن جاء رب هذا البيت غضب علي وعليك جميعاً
فلما ناما أخذ هارون الموت فلما وجد حسه قال : يا موسى خدعتني فلما قبض
رفع ذلك البيت ، وذهبت تلك الشجرة ، ورفع السرير به إلى السماء

فلما رجع موسى إلى قومه وليس معه هارون قالوا : إن موسى قتل هارون وحسده
على حب بني إسرائيل له ، وكان هارون أكف عنهم وألين لهم من موسى ، وكان في
موسى بعض الغلظة عليهم فلما بلغه ذلك قال لهم ، ويحكم ! كان أخي أتروني
أقتله ؟ فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ، ثم دعا الله فنزل السرير حتى
نظروا إليه بين السماء والأرض

ثم إن موسى عليه السلام بينما هو يمشي ويوشع فتاه إذا أقبلت ريح سوداء ،
فلما نظر إليها يوشع ظن أنها الساعة ، فالتزم موسى وقال : تقوم الساعة وأنا
ملتزم موسى نبي الله ، فاستل موسى عليه السلام من تحت القميص وترك القميص
في يدي يوشع فلما جاء يوشع بالقميص أخذته بنو إسرائيل وقالوا : قتلت نبي
الله فقال : لا والله ما قتلته ، ولكنه استل منى ، فلم يصدقوه وأرادوا
قتله قال : فإذا لم تصدقوني فأخروني ثلاثة أيام ، فدعا الله فأتي كل رجل
ممن كان يحرسه في المنام فأخبر أن يوشع لم يقتل موسى ، وإنا قد رفعناه
إلينا ، فتركوه

ولم يبق أحد ممن أبى أن يدخل قرية الجبارين مع موسى إلا مات ولم يشهد الفتح وفي بعض هذا السياق نكارة وغرابة والله أعلم

وقد قدمنا أنه لم يخرج أحد من التيه ممن كان مع موسى ، سوى يوشع بن نون ،
وكالب ابن يوفنا ، وهو زوج مريم أخت موسى وهارون وهما الرجلان المذكوران
فيما تقدم ، اللذان أشارا على ملأ بني إسرائيل بالدخول عليهم

وذكر وهب بن منبه : أن موسى عليه السلام مر بملأ من الملائكة يحفرون قبرأ ،
فلم ير أحسن منه ولا أنضر ولا أبهج ، فقال : يا ملائكة الله لمن تحفرون
هذا القبر ؟ فقالوا : لعبد من عباد الله كريم ، فإن كنت تحب أن تكون هذا
العبد فادخل هذا القبر ، وتمدد فيه وتوجه إلى ربك ،وتنفس أسهل تنفس ، ففعل
ذلك ، فمات صلوات الله وسلامه عليه ، فصلت عليه الملائكة ودفنوه

وذكر أهل الكتاب ، وغيرهم أنه مات وعمره مائة وعشرون سنة

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أمية بن خالد ويونس ، قالا : حدثنا حماد بن
سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ،
قال يونس : رفع هذا الحديث إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) قال :" كان ملك
الموت يأتي الناس عياناً ، قال : فأتي موسى عليه السلام فلطمه ففقأ عينه ،
فأتى ربه فقال : يا رب عبدك موسى فقأ عيني ، ولولا كرامته عليك لعتبت
عليه وقال يونس : أشفقت عليه قال له : اذهب إلى عبدي ، وقل له فليضع يده
على جلد - أو مسك ثور - فله بكل شعرة وارت يده سنة ، فأتاه فقال له ، فقال :
ما بعد هذا ؟ قال : الموت قال : فالآن قال : فشمه شمة فقبط روحه "

قال يونس : فرد الله عليه عينه وكان يأتي الناس خفية وكذا رواه ابن جرير
عن أبي كريب ، عن مصعب بن المقدام عن حماد بن سلمة به ، فرفعه أيضاً

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المدير
AMINE PàTCHIKà
AMINE PàTCHIKà
المدير


الجنس : ذكر
الابراج الدلو
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 25/01/1988
العمر : 36

المدير العام
منتديات أمين عبلة الحب :

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصَصُ الأنبيَاء   قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 Emptyالأحد يناير 13, 2013 12:01 pm

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

ذكر نبوة يوشع وقيامه بأعباء بني إسرائيل بعد موسى وهارون عليهما السلام

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465



قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

هو الخليل يوشع بن نون بن إفرائيم بن يونس بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ، وأهل الكتاب يقولون : يوشع ابن عم هود

وقد ذكره الله في القرآن غير مصرح باسمه في قصة الخضر كما تقدم من قوله : "
وإذ قال موسى لفتاه " (الكهف) " فلما جاوزا قال لفتاه " وقدمنا ما ثبت في
الصحيح من رواية أبي كعب رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) من
أنه يوشع بن نون

وهو متفق على نبوته عند أهل الكتاب ، فإن طائفة منهم وهم السامرة ، لا
يقمرون بنبوة أحمد بعد موسى إلا يوشع بن نون ، لأنه مصرح به في التوراة
ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقاً لما معهم من ربهم فعليهم لعائن الله
المتابعة إلى يوم القيامة !

وأما ما حكاه ابن جرير وغيره من المفسرين عن محمد بن إسحاق : من أن النبوة
حولت من موسى إلى يوشع ، في آخر عمر موسى ، فكان موسى يلقي يوشع فيسأله ما
أحدث الله إليه من الأوامر والنواهي ، حتى قال له : يا كليم الله إني كنت
لا أسألك عما يوحي الله إليك حتى تخبرني أنت ابتداء من تلقاء نفسك فعند
ذلك كره موسى الحياة وأحب الموت ففي هذا نظر ، لأن موسى عليه السلام لم
يزل الأمر والوحي والتشريع والكلام من الله إليه من جميع أحواله ، حتى
توفاه الله عز وجل ، ولم يزل معززاً مكرماً مدللاً وجيهاً عند الله ، كما
قدمنا في الصحيح من قصة فقئه عين مالك الموت ، ثم بعثه الله إليه إن كان
يريد الحياة فليضع يده على جلد ثور فله بكل شعرة وارت يده سنة يعيشها ، قال
، ثم ماذا ؟ قال : الموت ، قال : فالآن يا رب ، وسأل الله أن يدنيه إلى
البيت المقدس رمية بحجر ، وقد أجيب إلى ذلك صلوات الله وسلامه عليه

فهذا الذي ذكر محمد بن إسحاق إن كان إنما يقوله من كتب أهل الكتاب ، ففي
كتابهم الذي يسمونه التوراة : أن الوحي لم ينزل على موسى في كل حين يحتاجون
إليه إلى آخر مدة موسى ، كما هو المعلوم من سياق كتابهم عند تابوت الشهادة
في قبة الزمان

ولقد ذكروا في السفر الثالث : أن الله أمر موسى وهارون أن يعدا بني إسرائيل
على أسباطهم ، وأن يجعلا على كل سبط من الاثني عشر أميراً وهو النقيب ،
وماذاك إلا ليتأهبوا للقتال ، قتال الجبارين عند الخروج من التيه ، وكان
هذا عند اقتراب انقضاء الأربعين سنة ولهذا قال بعضهم : إنما فقأ موسى عليه
السلام عين ملك الموت ، لأنه لم يعرفه في صورته تلك ، ولأنه كان قد أمر
بأمر كان يرتجى وقوعه في زمانه ، ولم يكن في قدر الله أن يقع ذلك في زمان
فتاه يوشع بن نون عليه السلام

ولما جهز رسوا الله جيش أسامة ، توفي عليه الصلاة والسلام وأسامة مخيم
بالجرف ، فنفذه صديقه وخليفته أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، ثم لما لم شعث
جزيرة العرب ، وما كان دهي من أمر أهلها ، وعاد الحق إلى نصابه ، جهز
الجيوش يمنة ويسرة إلى العراق أصحاب كسرى ملك الفيرس ، وإلى الشام أصحاب
قيصر ملك الروم ، ففتح الله لهم ومكن لهم وبهم ، وملكهم نواصي أعدائهم

وهذكا موسى عليه السلام : كان الله دق أمره أن يجند بني إسرائيل وأن يجعل
عليهم نقباء كما قال تعالى :" ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم
اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم
برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم
جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل "
يقول لهم : لئن قمتم بما أوجبت عليكم ، ولم تنكلوا عن القتال كما نكلتم أول
مرة ، لأجعلن ثواب هذه مكفراً لما وقع عليكم من عقاب عليكم ، ولم تنكلوا
عن القتال كما نكلتم أول مرة ، لأجعلن ثواب هذه مكفراً لما وقع بما أوجبت
عليكم ، ولم تنكلوا عن القتال كما نكلتم أول مرة ، لأجعلن ثواب هذه مكفراً
لما وقع عليكم من عقاب تلك ، كما قال تعالى لمن تخلف من الأعراب عن رسول
الله (صلى الله عليه وسلم) عن غزوة الحديبية :" قل للمخلفين من الأعراب
ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله
أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما "

وهكذا قال تعالى لبني إسرائيل : " فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل
" ثم ذمهم تعالى على سوء صنيعهم ونقضهم مواثيقهم كما ذم من بعدهم من
النصارى على اختلافهم في دينهم وأديانها ، وقد ذكرنا ذلك في التفسير مستقصى
ولله الحمد

والمقصود أن الله تعالى أمر موسى عليه السلام أن يكتب أسماء المقاتلة من
بني إسرائيل ممن يحمل السلاح ، ويقاتل ممن بلغ عشرين سنة فصاعداً ، وأن
يجعل على كل سبط نقيباً منهم السبط الأول : سبط روبيل لأنه بكر يعقوب ،
وكان عدة المقاتلة منهم ستة وأربعين ألفاً وخمسمائة ، ونقيبهم منهم وهو
اليصور بن شديئور السبط الثاني : سبط شمعون : وكانوا تسعة وخمسين ألفاً
وثلاثمائة ، ونقيبهم شلوميئيل ابن هوريشداي ، السبط الثالث : سبط يهوذا
وكانوا أربعة وسبعين ألفاً وستمائة ، ونقيبهم نحشون بن عمينا ذاب السبط
الرابع : سبط أيساخر وكانوا أربعة وخمسين ألفاً وأربعمائة ونقيبهم نشائيل
بن صوعر السبط الخامس : سبط يوسف عليه السلام وكانوا أربعين ألفاً
وخمسمائة ، ونقيبهم يوشع بن نون السبط السادس : سبط ميشا ، وكانوا أحداً
وثلاثين ألفاً ومائتين ونقيبهم جمليئيل بني فدهصور السبط السابع :سبط
بنيامين ، وكانوا خمسة وثلاثين ألفاً وأربعمائة ، ونقيبهم أبيدن بن جدعون
السبط الثامن : سبط حاد ، وكانوا خمسة وأربعين ألفاً وستمائة وخمسين رجلاً ،
ونقيبهم الياساف بن رعوئيل والسبط التاسع : سبط أشير ، وكانوا أحدا
وأربعين ألفا وخمسمائة ، ونقيبهم فجعيئيل بن عكران السبط العاشر : سبط دان
، وكانوا اثنين وستين ألفا وسبعمائة ، ونقيبهم أخيعزر ابن عمشداي السبط
الحادي عشر : سبط نفتالي ، وكانوا ثلاثة وخمسين ألفا وأربعمائة ، ونقيبهم
الباب بن حيلون هذا نص كتابهم الذي بأيديهم والله أعلم

وليس منهم بنو لاوي فقد أمر الله موسى ألا يعدهم معهم ، لأنهم موكلون
بحمل قبة الشهادة وضربها وخزنها ونصبها وحملها إذا ارتحلوا ، وهم سبط موس
وهارون عليهما السلام ، وكانوا اثنين وعشرين ألفا ، من ابن شهر فما فوق ذلك
، وهم في أنفسهم قبائل من كل قبيلة طائفة من قبة الزمان يحرسونها
ويحفظونها ويقومون بمصالحها ونصبها وحملها ، وهم كلهم حولها ، ينزلون
ويرتحلون أمامها ويمنتها وشمالها ووراءها

وجملة ما ذكر من المقاتلة غير بني لاوي خمسمائة ألف واحد وسبعون ألفاً
وستمائة وستة وخمسون لكن قالوا : فكان عدد بني إسرائيل ممن عمره عشرون فما
فوق ذلك ، ممن حمل السلاح ، ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسة وخمسين
رجلاً ، سوى بني لاوي

وفي هذا نظر ، فإن جميع الجمل المتقدمة إن كانت كما وجدنا في كتابهم ، لا تطابق الجملة التي ذكروها والله أعلم

فكان بنو لاوي الموكلون بحفظ قبة الزمان يسيرون في وسط بني إسرائيل ، وهم
القلب ، ورأس الميمنة بنو روبيل ، ورأس الميسرة بنو دان وبنو نفتالي يكونون
ساقة وقرر موسى عليه السلام - بأمر الله تعالى له - الكهانة في بني هارون
، كما كانت لأبيهم من قبلهم ، وهم : ذناداب وهو بكره ، وأبيهو ، وألعازر ،
ويثمر ، والمقصود أن بني إسرائيل لم يبق منهم أحد ممن كان نكل عن دخول
مدينة الجبارين الذين قالوا :" فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون "
قاله الثوري عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس ، وقاله قتادة وعكرمة ،
ورواه السدي عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة ، حتى قال ابن عباس
وغيره من علماء السلف والخلف : ومات موسى وهارون قبله كلاهما في التيه
جميعاً

وقد زعم ابن إسحاق أن الذي فتح بيت المقدس هو موسى ، وإنما كان يوشع على
مقدمته وذكر في مروره إليها قصة بلعام بن باعورا الذي قال تعالى فيه :"
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من
الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله
كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا
بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون * ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا
وأنفسهم كانوا يظلمون "

وقد ذكرنا قصته في التفسير ، وأنه كان - فيما قاله ابن عباس وغيره - يعلم
الاسم الأعظم ، وأن قومه سألوه أن يدعو على موسى وقومه - فامتنع عليهم ،
ولما ألحوا عليه ركب حمارة له ، ثم سار نحو معسكر بني إسرائيل ، فلما أشرف
عليهم رضت به حمارته فضربها حتى قامت ، فسارت غير بعيد وربضت فضربها ضرباً
أشد من الأول فقامت ثم ربضت ، فضربها فقالت له : يا بلعام أين تذهب ؟ أما
ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا ؟ أتذهب إلى نبي الله والمؤمنين
تدعو عليهم ؟ فلم ينزل عنها فضربها حتى سارت به حتى أشرف عليهم من رأس جبل
حسبان ونظر إلى معسكر موسى وبني إسرائيل فأخذ يدعو عليهم فجعل لسانه لا
يطيعه إلا أن يدعو لموسى وقومه ، ويدعو على قوم نفسه ، فلاموه على ذلك
فاعتذر إليهم بأنه لا يجري على لسانه إلا هذا ، واندلع لسانه حق وقع على
صدره ، فقال لقومه : قد ذهبت الآن مني الدنيا والآخرة ، ولم يبق إلا المكر
والحيلة

ثم أمر قومه أن يزينوا النساء ويبعثوهن بالأمتعة يبعن عليهم ويتعرضن لهم
لعلهم يقعون في الزنى ، فإنه متى زنى رجل منهم كفيتوهم ، ففعلوا وزينوا
نسائهم وبعثوهم إلى المعسكر ، فمرت امرأة منهم اسمها كسبتى برجل من عظماء
بني إسرائيل : وهو زمرى بن شلوم يقال إنه كان رأس سبط بني شمعون بن
يعقوب فدخل بها قبته ، فلما خلا بها أرسل الله الطاعون على بني إسرائيل ،
فجعل يجوس فيهم ، فلما بلغ الخبر إلى فنحاص بن العيزار بن هارون ، أخذ
حربته وكانت من حديد ، فدخل عليهما القبة فانتظمهما جميعاً فيها ، ثم خرج
بهما على الناس والحربة في يده ، وقد اعتمد على خاصرته وأسندها إلى لحيته ،
ورفعهما نحو السماء وجعل يقول : اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك ورفع
الطاعون فكان جملة من مات في تلك الساعة سبعين ألفاً ، والمقلل يقول عشرين
ألفاً ، وكان فنحاص بكر أبيه العيزار بن هارون ، فلهذا يجعل بنو إسرائيل
لولد فنحاص من الذبيحة اللبة والذراع واللحى ، ولهم البكر من كل أموالهم
وأنفسهم

وهذا الذي ذكره ابن إسحاق من قصة بلعام صحيح ، وقد ذكره غير واحد من علماء
السلف ، لكن لعله لما أراد موسى دخول بيت المقدس أول مقدمه من الديار
المصرية ، ولعله مراد ابن إسحاق ، ولكنه غير ما فهمه بعض الناقلين عنه ،
وقد قدمنا عن نص التوراة ما يشهد لبعض هذا والله أعلم

ولعل هذه قصة أخرى كانت في خلال سيرهم في التيه ، فإن في هذا السياق ذكر
حسبان وهي بعيدة عن أرض بيت المقدس ، أو لعله كان قاصداً بين المقدس ، كما
صرح به السدى والله أعلم

وعلى كل تقدير فالذي عليه الجمهور : أن هارون توفى بالتيه قبل موسى أخيه
بنحو من سنتين ، وبعده موسى في التيه أيضاً ، كما قدمنا وأنه سأل ربه أن
يقربه إلى بيت المقدس فأجيب إلى ذلك

فكأن الذي خرج بهم في التيه ، وقصد بهم بيت المقدس ، هو يوشع بن نون عليه
السلام ، فذكر أهل الكتاب وغيرهم من أهل التاريخ ، أنه قطع ببني إسرائيل
نهر الأردن وانتهى إلى أريحا ، وكانت من أحصن المدائن أسواراً وأعلاها
قصوراً ، وأكثرها أهلا ، فحاصرها ستة أشهر ثم إنهم أحاطوا بها يوماً وضربوا
بالقرون - يعني الأبواق - وكبروا تكبيرة رجل واحد ، فتفسخ سورها وسقط وجبة
واحدة ، فدخلوا وأخذوا ما وجدوا فيها من الغنائم وقتلوا اثنى عشر ألفاً
من الرجال والنساء ، وحاربوا ملوكاً كثيرة ويقال إن يوشع ظهر على أحد
وثلاثين ملكاً من ملوك الشام

وذكروا أنه انتهى محاصرته إلى يوم الجمعة بعد العصر ، فلما غربت الشمس أو
كادت تغرب ، ويدخل عليهم السبت الذي جعل عليهم وشرع لهم ذلك الزمان ، قال
ها : إنك مأمورة وأنا مأمور ، اللهم احبسها علي ، فحبسها الله عليه حتى
تمكن من فتح البلد ، وأمر القمر فوقف عند الطلوع ، وهذا يقتضي أن هذه
الليلة كان الرابعة عشرة من الشهر الأول وهو قصة الشمس المذكورة في الحديث
الذي سأذكره وأما قصة القمر فمن عند أهل الكتاب ، ولا ينافي الحديث بل فيه
زيادة تستفاد فلا تصدق ولا تكذب ولكن ذكرهم أن هذا في فتح أريحا فيه نظر ،
والأشبه - والله أعلم - أن هذا كان في فتح بيت المقدس الذي هو المقصود
الأعظم ، وفتح أريحا كان وسيلة إليه والله أعلم

قال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا أبو بكر ، عن هشام ، وعن ابن
سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " إن
الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس " انفرد به أحمد
من هذا الوجه وهو على شرط البخاري

وفيه دلالة على أن الذي فيه بيت المقدس هو يوشع بن نون عليه السلام ، لا
موسى ، وأن حبس الشمس كان في فتح بيت المقدس لا أريحا كما قلنا وفيه أن
هذا كان من خصائص يوشع عليه السلام فيدل على ضعف الحديث الذي رويناه : أن
الشمس رجعت حتى صلى على بن أبي طالب صلاة العصر ، بعد ما فاتته بسبب نوم
النبي (صلى الله عليه وسلم) على ركبته ، فسأله رسول الله أن يردها الله
عليه حتى يصلي العصر فرجعت وقد صححه أحمد بن أبي صالح المصري ولكنه ليس في
شيء من الصحاح ولا الحسان وهو مما تتوافر الدواعي على نقله وتفردت بنقله
امرأة من أهل البيت مجهولة لا يعرف حالها والله أعلم

وقال الإمام أحمد : حدثنا بعد الرزاق ، حدثنا عمر ، عن همام عن أبي هريرة
قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " غزا نبي من الأنبياء فقال
لقومه : لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة ، وهو يريد أن يبني بها ولما يبن ،
ولا آخر قد بنى بنياناً ولم يرفع سقفها ، ولا آخر قد اشترى غنماً أو خلفات
وهو ينتظر أولادها

قال : فغزا فدنا من القرية حين صلى العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس :
أنت مأمورة وأنا مأمور ، اللهم احبسها علي شيئاً ، فحبست عليه حتى فتح الله
عليه ، قال : فجمعوا ما غنموا ، فأتت النار لتأكله فأبت أن تطعمه ، فقال :
فيكم غلول ، فليبايعني من كل قبيلة رجل ، فبايعوه فلصقت يد رجل بيده ،
فقال : فيكم الغلول فليبايعني قبيلتك ، فبايعته قبيلته قال : فلصقت بيد
رجلين - أو ثلاثة - فقال : فيكم الغلول أنتم غللتم

قال : فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب ، قال : فوضعوه بالمال وهو بالصعيد ،
فأقبلت النار فأكلته ، فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا ، ذلك بأن الله رأى
ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا "

انفرد به مسلم من هذا الوجه وقد روى البزار من طريق مبارك بن فضالة بن
عبيد الله ابن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي (صلى الله عليه
وسلم) نحوه قال : ورواه محمد بن عجلان عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة عن
النبي (صلى الله عليه وسلم)

والمقصود أنه لما دخل بهم باب المدينة أمروا أن يدخلوها سجداً أي ركعاً
متواضعين شاكرين الله عز وجل على ما من به عليهم من الفتح العظيم الذي كان
الله وعدهم إياه ، وأن يقولوا حال دخولهم : ( حطة ) أي حط عنا خطايانا التي
سلفت ، من نكولنا الذي تقدم منا

ولهذا دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مكة يوم فتحها ، دخلها وهو راكب
ناقته ، وهو متواضع حامد شاكر ، حتى إن عثنونه - طرف لحيته - ليمس مورك
رحله ، مما يطأطئ رأسه خضعاناً لله عز وجل ومعه الجنود والجيوش ممن لا يرى
منه إلا الحدق ، ولا سيما الكتيبة الخضراء التي فيها رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) ثم لما دخلها اغتسل وصلى ثماني ركعات وهي صلاة الشكر على النصر
، على المشهور من قول العلماء وقيل إنها صلاة الضحى ، وما حمل هذا القائل
على قوله هذا إلا لأنها وقعت وقت الضحى

وأما بنو إسرائيل فإنهم خالفوا ما أمروا به قولاً وفعلاً ، فدخلوا الباب
يزحفون على أستاهم وهم يقولون : حبة في شعرة ، وفي رواية : حنطة في شعرة

وحاصله أنهم بدلوا ما أمروا به واستهزءوا به ، كما قال تعالى حاكياً عنهم
في سورة الأعراف وهي مكية :" وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث
شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين *
فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء
بما كانوا يظلمون "

وقال في سورة البقرة وهي مدنية : " وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها
حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد
المحسنين * فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين
ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون "

وقال الثوري عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
:" وادخلوا الباب سجدا " قال : ركعاً من باب صغير رواه الحاكم و ابن
جرير و وابن أبي حاتم ، وكذا روى العوفي عن ابن عباس ، وكذا روى الثوري
عن ابن إسحاق عن البراء

قال مجاهد والسدي والضحاك : والباب هو باب حطة من بيت إيلياء بيت المقدس

قال ابن مسعود : فدخلوا مقنعى رءوسهم ضد ما أمروا به ، وهذا لا ينافي قول
ابن عباس أنهم دخلوا يزحفون على أستاهم ، وهكذا في الحديث الذي سنورده بعد ،
فإنهم دخلوا يزحفون وهم مقنعوا رءوسهم

وقوله : " وقولوا حطة " الواو هنا حالية لا عاطفة ، أي ادخلوا سجداً في
حال قولكم حطة قال ابن عباس وعطاء والحسن وقتادة والربيع : أمروا أن
يستغفروا

قال البخاري : حدثنا محمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن ابن المبارك ،
عن عمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم)
قال : " قيل لبني إسرائيل :" ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم
خطاياكم " فبدلوا ، فدلخوا يزحفون على أستاهم وقالوا حبة في شعرة " وكذا
رواه النسائي من حديث ابن المبارك ببعضه ، ورواه عن محمد بن إسماعيل بن
إبراهيم عن ابن مهدي به موقوفاً

وقد قال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن همام بن منبه ، أنه سمع أبا هريرة
يقول : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " قال الله لبني إسرائيل :"
ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم " فبدلوا فدخلوا الباب
يزحفون على أستاههم فقالوا : حبة في شعرة "

ورواه البخاري و مسلم و الترمذي من حديث عبد الرزاق ، وقال الترمذي : حسن صحيح

وقال محمد بن إسحاق : كان تبديلهم كما حدثني صالح بن كيسان ، عن صالح مولى
التوأمة عن أبي هريرة وعمن لا أتهم ، عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) قال : " دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجداً يزحفون على
أستاههم ، وهم يقولون : حنطة في شعيرة "

وقال أسباط عن السدى عن مرة عن ابن مسعود قال في قوله :" فبدل الذين ظلموا
قولا غير الذي قيل لهم " قالوا : هطى سقانا أزمة مزيا فهي في العربية :
حبة حنطة مثقوبة فيها شعرة سوداء

وقد ذكر الله تعالى أنه عاقبهم على هذه المخالفة ، بإرسال الرجز الذي أنزله
عليهم ، وهو الطاعون ، كما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري ، عن عامر بن
سعد ، ومن حديث مالك ، عن محمد بن المنكدر ، وسالم أبي النضر ، عن عامر بن
سعد ، عن أسامة بن زيد ، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : أنه قال : "
إن هذا الوجع - أو السقم - رجز عذب به بعض الأمم قبلكم "

وروى النسائي وابن أبي حاتم وهذا لفظه من حديث الثوري عن حبيب بن أبي ثابت
، عن إبراهيم بن سعيد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، وأسامة بن زيد وخزيمة بن
ثابت قالوا : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " الطاعون رجز عذب به
من كان قبلكم " ، وقال الضحاك عن ابن عباس : الرجز العذاب ، وكذا قال مجاهد
وأبو مالك والسدي والحسن وقتادة وقال أبو العالية : هو الغضب ، وقال
الشعبي : الرجز إما الطاعون وإما البرد ، وقال سعيد بن جبير : هو الطاعون

ولما استقرت يد بني إسرائيل على بيت المقدس استمروا فيه ، وبين أظهرهم نبي
الله يوشع يحكم بينهم بكتاب الله التوراة حتى قبضه الله إليه ، وهو ابن
مائة وسبع وعشرين سنة ، فكانت مدة حياته بعد موسى سبعاً وعشرين سنة

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

تحياتي لكم

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 500092465

قصَصُ الأنبيَاء - صفحة 2 483098003
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصَصُ الأنبيَاء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 3انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أحـــــلى مـــنـــتـــديـــات أمـــيـــن عـــبـــلــــة الــــحـــب  :: المنتديات الإسلامية :: مواضيع دينية-
انتقل الى:  
الفيس بوك